مراسيم العفو العام و أثرها السلبي في مكافحة الجريمة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
لو افترضنا قيام شخص بشهر أيار عام 2011 أو قبل ذلك ، بارتكاب جناية خطيرة جداً منصوص عليها بقانون العقوبات العام فبفضل مراسيم العفو العام التي صدرت بعد ارتكابه الجريمة أصبحت عقوبته كما يلي :
الجريمة المعاقب عليها بالأشغال الشاقة عشرين سنة ، باتت عقوبتها سنتان و نصف فقط .
و الجريمة المعاقب عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة ، باتت عقوبتها خمس سنوات فقط .
و الجريمة المعاقب عليها بالإعدام ، باتت عقوبتها عشر سنوات فقط .
لهذا السبب لا ينظر رجال القانون بكثير من الارتياح لقوانين العفو العام لأنها تفقد العقوبة مغزاها و فلسفتها ، حيث يقول الدكتور ” عبد الوهاب حومد ” في هذا الصدد :
(( مهما قيل في تبرير العفو ، فإن له محذورين كبيرين :
الأول : أن المجتمع يمتعض كثيراً من قوانين العفو العام ، لأن بين المعفو عنهم كثيرين لم يحاكموا بالمرة ، أو لم يقضوا في السجن إلا مدة قصيرة جداً ، ليست بكافية حتى ينساهم الرأي العام ، و هذا ما يسيء إلى قيمة العقوبة كدواء اجتماعي و تأديبي .
الثاني : إن العفو العام يمنح لأشخاص لم يدرس أحد حالتهم ، على خلاف العفو الخاص ، المفروض فيه أن يأتي ليخفف من شدة القضاء ، أو لينقذ شخصاً ما كان ليقدم على الإجرام لولا ظروف أليمة لم يستطع مقاومتها . ))
المفصل في شرح قانون العقوبات – طبعة 1990 – ص1067 .
لقد بات لأعتى المجرمين خطورة مراكز قانونية من حيث العقوبة ، لم يكونوا يحلمون بها ، و تعتبر بالنسبة لهم رفاهية ما بعدها رفاهية .
ذلك أنه خلال السنتين الأخيرتين صدرت ستة مراسيم عفو عام ، ثلاثة منها شملت أكثر الجرائم خطورة على المجتمع و هي الجرائم جنائية الوصف ، و ذلك يعتبر سابقة لم يعهدها المشرع منذ قانون العفو العام رقم 11 الصادر يوم 8 آذار 1988 الذي اكتفى بالعفو عن ثلث العقوبة الجنائية .
بينما المراسيم التشريعية رقم 61 تاريخ 31-5-2011 ، و رقم 71 تاريخ 23- 10- 2012 و المرسوم الأخير رقم 23 تاريخ 16-4-2013 . كانوا أكثر سخاءً مع المجرم فمنحوه عفو عن نصف العقوبة المقررة لفعله في كل مرسوم !! .
و غني عن البيان أن إسقاط الحق الشخصي المشترط للاستفادة من مراسيم العفو لا ينال من المركز القانوني الذي حازه المجرمون ، بحسبان أن هذا الإسقاط بمتناول اليد نسبياً ، و ليست كل الجرائم متلازمة مع دعوى الحق الشخصي ، و أن حق المجتمع أشمل و أعم من الحق الشخصي ، بدليل أن صفح الفريق المتضرر ، لا يتعدى تأثيره سوى تخفيف العقوبة ضمن ضوابط أسباب التخفيف التقديرية بالغالبية العظمة من الجرائم .
و المفاجئ أن المرسومين الأخيرين 71/2012 و 23/2013 شملا أيضاً ربع العقوبة الجنائية في قانون المخدرات رقم 2/1993 .
و في سابقة غير مألوفة شمل المرسوم الأخير 23/2013 كامل عقوبة من اعتاد ممارسة الفجور أو الدعارة ( م 9/ج من القانون 10/1960 ) .
و في الواقع فإن هذا التساهل و الجنوح الخطير للمشرع في منح العفو عن أخطر و أحط الجرائم التي تمس المجتمع له محاذير و عواقب مستقبلية وخيمة على المجتمع ، ذلك أن :
(( الغرض النهائي للعقوبة هو منع الجاني من العود إلى ارتكاب الجريمة ، و هو ما يسمى بالحماية الخاصة ، و منع الغير من الاقتداء به ، و هو ما يسمى بالحماية العامة ))
جندي عبد الملك – الموسوعة الجنائية – ج5 – ص8
و عليه فإن هذا التساهل الشديد بالعقوبة ، لن يردع المجرم من العودة لارتكاب الجريمة ، و لن يردع الغير من الاقتداء به .
و بالتالي فإن النتيجة الطبيعية لهذا التساهل بمنح العفو انتفاء الحماية الخاصة و الحماية العامة للمجتمع .
نقل الدكتور عبد الوهاب حومد ، في كتابه الإجرام السياسي – ص44 قولاً لـ ” تارجيه ” أحد واضعي قانون نابليون عن فلسفة العقاب قائلاً :
(( إن خطورة الجريمة لا تقاس بلؤم طباع مرتكبها فحسب ، و إنما تقاس قبل كل شيء بنسبة الخطر الاجتماعي الذي تحدثه .
كذلك فإن العقوبة الناجعة لا تقاس بشدتها و قسوتها فحسب ، و إنما تقاس قبل ذلك بما تحدثه من خوف في المجتمع ))
ما يعني أن العفو يعبر تساهلاً في العقاب يتنافى مع مناط العقوبة ببث الخوف في المجتمع ، و نرى أن الإفراط بمنح العفو على النحو الذي شهدنا في السنتين الأخيرتين ، سيكون له بدون أي شك عواقب مجتمعية مستقبلية لا يمكن التنبؤ بها حالياً ، و لكن على الأرجح سيدفع المجتمع ثمنها غالياً .
اترك تعليقاً