هل يلتزم المحكم بإصدار الحكم خلال مدة محددة …؟
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
مما لا شك فيه أن عامل الزمن عامل مهم وهو سبب جوهري من الأسباب التي دفعت بالأطراف المتنازعة لاختيار التحكيم كأسلوب لحل خلافاتهم . والتحكيم عدالة خاصة وإن أطراف النزاع ترغي في حل الخلاف والفصل فيه عن طريق حكم سريع ويقبل التنفيذ . ولهذا فإن السرعة في إصدار الحكم إنما هي صفة ملازمة للتحكيم على خلاف القضاء العادي الذي يعاني من بطء في الإجراءات والتراخي في الفصل وحسم الخلاف . وأكثر ما تتجلى أهمية السرعة في حسم الخلاف إنما على صعيد التجارة الدولية والتي تتطلب حسم النزاع القائم في أسرع وقت ممكن .
وغالباً ما يكون المحكم متفرغاً تماماً للفصل بالنزاع الذي قبل التحكيم فيه بينما يكون القاضي مدعو للفصل في منازعات عديدة مما أدى إلى زيادة عدد الدعاوى المعروضة على القضاء الرسمي في الدولة ومن غير الممكن أن لا يعرف أطراف النزاع في التحكيم المدة التي يستغرقها حسم الدعوى التحكيمية وخاصة عندما يكون الخلاف على الملايين من الليرات، ولهذا فإن المحكم مدعو إلى القيام بمهمته في خلال مدة محددة .
وقد راعى المشرع السوري في قانون التحكيم التجاري رقم /4/ لعام 2008 وأخذ بعين الاعتبار أهمية السرعة للفصل في المنازعات حفاظاً منه على فعالية التحكيم والمدة التي يجب فيها على المحكم أن ينتهي من مهمته ويقضي بحسم الخلاف . وقد نص المشرع بالمادة 37 من قانون التحكيم المذكور على ما يلي :
« 1 – على هيئة التحكيم إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال المدة التي اتفق عليها الطرفان فإذا لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال 180 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم » .
ومن خلال ذلك يتضح أن عدم قيام أطراف الخصومة بالدعوى التحكيمية بتعيين وتحديد المدة المتفق عليها لحسم الخلاف فإنه يتعين على هيئة التحكيم حسم الخلاف وإصدار الحكم خلال مدة 180 يوماً تبدأ من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم . وإذا لم تتمكن هيئة التحكيم من إصدار الحكم خلال المدة السابقة لسبب … أو لآخر … فقد منح المشرع هيئة التحكيم أن تمدد للميعاد لمدة 90 يوماً ولمرة واحدة . وقد جاء بالفقرة /2/ من المادة 37 من قانون التحكيم المذكور على ما يلي : « يجوز لهيئة التحكيم إذا تعذر عليها الفصل في النزاع ضمن الآجال المذكورة في المادة السابقة مد أجل التحكيم لمدة لا تزيد على 90 يوماً ولمرة واحدة » .
وقد حرص المشرع على حماية نظام ومؤسسة التحكيم ورغبة من المشرع في عدم ضياع المدة السابقة بدون جدوى في حال عدم صدور الحكم رغم انتهاء المدة ولهذا فقد أجاز لكل طرف من طرفي التحكيم أن يطلب من محكمة الاستئناف وخلال مدة 10 أيام من انتهاء الميعاد مدّ أجل التحكيم لمدة إضافية لا تتجاوز 90 يوماً ولمرة واحدة وترك المشرع لمحكمة الاستئناف الحق في تمديد مدة التحكيم أو رد الطلب وذلك بقرار مبرم يصدر في غرفة المذاكرة بعد دعوة الخصوم ومن خلال ما تقتنع به المحكمة من إجابة الطلب أو رده .
وقد نص المشرع في الفقرة /3/ من المادة 37 من قانون التحكيم المذكور : « إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرتين السابقتين جاز لكل طرف من طرفي التحكيم أن يطلب من المحكمة المعرّفة بالمادة /3/ من هذا القانون خلال مدة 10 أيام من انتهاء هذا الميعاد مدّ أجل التحكيم لمدة إضافية لا تتجاوز 90 يوماً ولمرة واحدة وفي هذه الحالة يتم التمديد أو رد طلبه بقرار مبرم تصدره المحكمة في غرفة المذاكرة بعد دعوة الخصوم » . ومع صدور الحكم من هيئة التحكيم خلال المدة التي اتفق عليها الأطراف وهي عادة ما تكون مدة قصيرة أو خلال المدة التي حددها المشرع في المادة السابقة يبقى السؤال الذي يتعين إثارته الآن : هل إن القرار التحكيمي يقبل الاستئناف أم يقبل النقض أم يصدر مبرماً …؟..
والواقع أن المشرع السوري أخذ بفكرة فعالية التحكيم وأكد على السرعة باعتبارها ميزة أساسية يتصف بها التحكيم فنصّ على أن حكم التحكيم يعدّ مبرماً ويتمتع بحجية الأمر المقضي وأنه قابل للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف أو بصفة إجبارية إذا رفض المحكوم عليه تنفيذه طوعاً بعد أكسائه صيغة التنفيذ . فقد جاء بالمادة 53 من قانون التحكيم المذكور على ما يلي : « تتمتع أحكام المحكمين الصادرة وفق أحكام هذا القانون بحجية الأمر المقضي به وتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف أو بصفة إجبارية إذا رفض المحكوم عليه تنفيذها طوعاً بعد إكسائها صيغة التنفيذ » .
وقد نص المشرع بالمادة 55 من قانون التحكيم المذكور على ما يلي : « لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تقرر في غرفة المذاكرة وقف التنفيذ لمدة أقصاها 60 يوماً إذا طلب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه ويجوز للمحكمة أن تلوم المدعي بتقديم كفالة مالية تضمن لخصمه أضرار وقف التنفيذ إذا قصت برد الدعوى » . ومن خلال المادتين السابقتين نجد أن المشرع السوري قد أخذ بفكرة التقاضي من درجة واحدة في قضاء التحكيم وذلك على خلاف القضاء الرسمي للدولة. فالحكم الصادر عن هيئة التحكيم يتمتع بحجية الأمرالمقضي به ولا يجوز الطعن فيه بأي طرق الطعن العادية وهو مبرماً وقابلاً للتنفيذ بعد إكسائه صيغة التنفيذ .
وكما هو واضح فإن دعوى البطلان إنما هي طريق طعن غير عادي . وإن الأصل في دعوى البطلان أنها لا توقف تنفيذ حكم التحكيم . وإذا ما قررت المحكمة الناظرة بدعوى البطلان فإن وقف التنفيذ ليس حتمياً وليس ملزماً للمحكمة أن توقف التنفيذ وإنما هو أمر جوازي وإذا ما قررت المحكمة وقف التنفيذ فإنه سيكون لمدة محدودة لا تتجـاوز الستين يومـاً ويجـوز للمحكمـة أن تلزم المدعي بتقديم كفالة تضمن الأضرار التي قد تحصل من جراء وقف التنفيذ .
الخلاصة : إن المشرع السوري حرص على ضرورة تحديد المدة التي يتوجب فيها على المحكم إصدار الحكم وحرص أيضاً على ضرورة أن يكون حكم التحكيم مبرماً ومن درجة واحدة مرعياً بذلك سرعة الفصل في المنازعات حفاظاً منه على فعالية التحكيم . منقول عن موقع مجلة المحامون
اترك تعليقاً