الحق في حرية الرأي :
يقتصي البحث في الحق في حرية الرأي أن نتناول مضمونه وتنظيم أحكامه، وذلك في فرعين متعاقبين:
الفرع الأول. مضمون الحق في حرية الرأي.
الفرع الثاني. تنظيم الحق في حرية الرأي.
الفرع الأول. مضمون الحق في حرية الرأي:
يعد الحق في حرية الرأي من أهم حريات التفكير قاطبة، فهو بمثابة العمود الفقري لهذه الحريات، كما يمكن أن ترتد اليه حريات الفكر لكونه تجسيد للحرية عند اضافتها الى عقل يفكر(1).
ويعني هذا الحق، ان من حق الانسان أن يعتنق الاراء التي يشاء ، وذلك في أي شأن من الشؤون، سواء أكانت في السياسة أم في الاجتماع أم في العلم والثقافة، الى ما هنالك من نواحي الحياة المتشعبة، التي تتلاطم فيها أراء البشر حول معضلاتهم ومشاكلاتهم(2).
ويلاحظ انه اذا احجب هذا الحق في الاطار الداخلي للفرد ، و في الحياة الخاصة به فهي لا تثير أية مشكلة قانونية. اما اذا كان الرأي- في أي مجال – يتجاوز الاطار الداخلي لصاحبه ويؤدي، من ثم ، الى احداث آثار اجتماعية، ففي هذه اللحظة يتدخل القانون لوضع الحدود والضوابط بأعتبار أن الرأي قد اتصل بالمجتمع ووجب تدخل القانون لتنظيمه(3). وعليه فان الحق في حريه التعبير هو أن يتمكن كل إنسان من التعبير عن آرائه وأفكاره بأية وسيلة من الوسائل كأن يكون ذلك بالقول ( محاضرات او ندوات او مقابلات )بجميع الوسائل المسموعة او بوسائل النشر المقروءة المختلفة( الصحف او المجلات او الكتب ) (4).
وقد أهتم الفقهاء والفلاسفة بالحق في حرية الرأي والتعبير وفي ذلك يقول الفيلسوف “روسو” في مؤلفه ” العقد الاجتماعي” أن القانون ليس الا تعبيراً عن ارادة الجماعة التي صدر عنها وليس من سبيل لمعرفة ارادة هذه الجماعة الا باستجواب افرادها ومحاورتهم والوقوف على رأيهم ، على الاقل رأي الغالبية فيها(5)…..
الفرع الثاني. تنظيم الحق في حرية الرأي:
أولاً. النظم الدستورية :
تضمنت النص على حريات الفكر أغلب دساتير الدول المعاصرة . أيا كانت فلسفات الحكم فيها ، ومن هذه الدساتير ، الدستور العراقي لعام 2005(6). اذ نصت المادة (41) منه على أن : لكل فرد حرية الفكر والضمير.
ونلاحظ أن النص الدستوري الوارد في وثيقة دستور العراق تضمن مبدأ يعترف صراحة بحق كل إنسان بحرية التفكير والضمير. وأقر الدستور في المادة (38) الفقرة (أولا) . حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل .
وكفل الدستور المصري لعام 1971 حرية الرأي ، اذ نصت المادة( 47 ) على أن : حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او بالكتابة او التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون .ونلاحظ ان النص الدستوري الوارد في وثيقة الدستور المصري تضمن المبادئ التالية.
كفالة الدولة لحرية الرأي.
الاعتراف صراحة بحق كل إنسان في التعبير عن رأيه .
الاعتراف صراحة بحق كل إنسان بنشر آرائه بجميع وسائل التعبير في ضوء القواعد القانونية .
الإقرار بمبدأ النقد الذاتي والنقد البناء بوصفه ضمان لسلامة البناء الوطني((7)) .
ومن مقارنة النصين المتقدمين نجد بأن الدستور المصري كان أكثر تفصيلا في ذكر كيفية ضمان سلامة البناء الوطني والأخذ بمبدأ النقد وخاصة النقد البناء لأنه نقد موضوعي لا يرمي فقط الى الهدم والتجريح ، وانما يرمي ايضاً الى الإصلاح والتقدم . فمن المنطق قبل أن يفكر المرء بهدم القديم أن يتدبر في كيفية بناء الجديد ، غير أن هذا لا يمنع من إمكان الجهر بعيوب ماهو كائن بقصد البحث عن وسائل العلاج والسعي وراء تدارك الأخطاء. في حين افتقر الدستور العراقي إلى مثل هذا التفصيل الذي كان من الاولى ذكره.
وأقر الدستور الايطالي لعام 1947 بهذا الحق ، اذ نصت المادة (21) على أن : للجميع حق ابداء الرأي بحرية قولاً وكتابة وبأي من وسائل النشر الآخر.
ونلاحظ أن النص الدستوري تضمن المبادئ التالية:
الاعتراف صراحه بحق كل إنسان بحرية الرأي والتعبير.
الاعتراف صراحة بحق كل إنسان بحرية نشر أرائه بجميع الوسائل
وضمن الدستور السويسري لعام 1999 حرية الرأي والمعلومات في المادة (16) منه ونص على الاتي:
يكفل الدستور حرية الرأي والمعلومات .
لكل شخص الحق في تكوين رأيه والتعبير عنه ونشره بكل حرية .
لكل شخص الحق في تلقي المعلومات والحصول عليها من مصادر المعلومات العامة ونشرها بكل حرية .
اما النسبة لدور القضاء في كفالة الحق في حرية الرأي ، فقد حرصت المحكمة الدستورية العليا المصرية، على الإقرار بحرية التعبير وبيان أساسها وأهدافها وكيفية تقريرها واتصالها بالشؤون العامة، وصور تهديدها.
ومن أهم الإحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا وتعرضت لحرية التعبير هو حكمها الصادر في جلستها المؤرخة في : 14/1/1994 في القضية رقم 17 لسنة 14 ق ” دستورية ” حيث قضت أن ضمان الدستور- بنص المادة 47 منه – لحرية التعبير عن الآراء والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو بالتصوير أو بطباعتها او بتدوينها وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها ولا تكن لها من فائدة وبها يكون الأفراد احراراً لا يتهيبون موقفاً ولا يترددون وجلاً ولاينتصفون لغير الحق طريقاً(8).
ثانياً. الدستور الدولي المشترك :
اهتم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 بحرية الرأي اذ نصت المادة (18) مه على أن : لكل شخص حق في حرية التفكير والضمير………….. ونصت المادة (19) منه على أن : لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الأراء دون مضايقة .
وكذلك جاء العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية الصادر عام 1966(9) متضمنا التأكيد على هذا الحق اذا نصت المادة (18/ف1) منه على أن : لكل أنسان الحق في حرية الفكر ….. ونصت المادة ( 19ف1) منه عل أن : لكل انسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة . ونصت المادة (19 ف2) منه على أن لكل إنسان حق في حرية التعبير.
وأقرت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1950 هذا الحق ، و نصت في المادة (9/1) منها على أن : لكل إنسان الحق في حرية التفكير …. ونصت المادة (10/1) منها على أن : لكل إنسان الحق في حرية التعبير ، هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء (10).
وكذلك الحال بالنسبة للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1969(11). إذ نصت المادة ( 13/1) منها على أن : لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير.
__________________
1- د. عبد المنعم محفوظ ، علاقة الفرد بالسلطة ، الحريات العامة وضمانات ممارستها – دراسة مقارنة ، المجلد الاول والثاني ، ط1 ، بلا دار نشر ، بلا تاريخ. ص103.
2- د. آدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، جـ2، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط2، 1971 ،ص 227.
3- د. عبدالمنعم محفوظ ، المصدر السابق ، ص 103.
د. عبدالحميد متولي ، الحريات العامة ، نظرات في تطورها وضماناتها ومستقبلها ، منشأة المعارف، الأسكندرية ،2004،113-114
– د. هاني سليمان الطعيمات ، حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، دار الشروق ، عمان ، 2001 ،ص 181
– د. صبحي المحمصاني، اركان حقوق الانسان ، بحث مقارن في الشريعة الاسلامية والقوانين الحديثة ، ط1، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1979 ، ص 141
4- د. عصمت عبدالله الشيخ ،النظم السياسة، دار النهضة العربية، القاهرة، ط2، 1992 ، ص 293 .
5- د. عبدالعزيز محمد سالمان وآخرين ، الديمقراطية وحقوق الانسان،جامعة دي بول، 2005، ص 85
6- ونصت المادة (26) من دستور العراقي السابق لعام 1970 على أن يكفل الدستور حرية الرأي والنشر… وفق إغراض الدستور وفي حدود القانون وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات.
7- ومن الدساتير العربية اتي نقلت هذا الحق ، الدستور السوري لعام 1973، في المادة (38) ، والدستور اليمني لعام 1994 في المادة ( 42) ، والدستور الجزائري لعام 1996 في المادة (41) ، والدستور البحريني لعام 2002 في المادة (23) ، والدستور القطري لعام 2003 في المادة ( 47).
8- وحكم مجلس الدولة الفرنسي بالغائه قرار صادر من عمدة مدينة “نيفيير” بتغير بمنع عقد مؤتمر لمنع أي اصطدام متوقع نتيجة اتمام عقد المؤتمر بين المؤيدين والمعارضين له الا ان مجلس الدولة اكد ، انه في مقدور هذا العمدة – والذي كان تحت امرته رجال الضبط الاداري بالمدينة الذين كانوا بمقدورهم منع أي اصطدام بين المؤيدين والمعارضين ، أي أنه كان لزاما على العمدة أن يوازن بين الطرفين دون محاباة طرف على حساب الطرف الآخر واضعا في الاعتبار المحافظة على النظام العام .
– اعتبر هذا الحكم من الاحكام الشهيرة ( أحكام المبادئ ) التي اصدرها مجلس الدولة الفرنسي حيث حاول هذا المجلس أن يوائم بين حريات الأفراد ويقييم التوازن بينهم، كما حاول – وهذا هو الأهم – أن يؤائم بين حدود ممارسة الحريات وخاصة حريات الرآي ، بين مقتضيات حفظ النظام العام ينظر تعليقات كل من:
-M.long .P.Weite G.Eraibant، in: Les Grands Arrets de la jurisprudence Administrative، Op،cit ، pp214-219.
– د. عبد المنعم محفوظ ، المصدر السابق ، ص 111.
9- تاريخ النفاذ 23 أذار / مارس / 1976 طبقاً للمادة 45.
10- د. ابراهيم عبد الله المرزوقي ، حقوق الانسان في الاسلام ، ط2، ترجمة محمد حسين، المجمع الثقافي، ابو ظبي ، 2000، ص 471 وما بعدها.
11- دخلت حيز النفاذ في 1978 .
الحق في حرية الصحافة :
يعد الحق في حرية الصحافة من أبرز الحقوق الفكرية، والبحث في هذا الحق يستلزم بيان مضمونه وتنظيم أحكامه، وسنعرض لذلك في فرعين متتاليين:
الفرع الأول. مضمون الحق في حرية الصحافة.
الفرع الثاني. تنظيم الحق في حرية الصحافة.
الفرع الأول. مضمون الحق في حرية الصحافة:
تعني هذه الحرية ، القدرة على اعلان الرأي اوالكلمة المكتوبة من خلال صحيفة او مجلة، او أية وسيلة لنشر هذا الرأي او تلك الكلمة(1).
وتمثل هذه الحرية أبرز صور حرية التعبير عن الرأي- وعن طريقها يستطيع الافراد الوقوف في وجه أية محاولة للنيل من حقوقهم وحرياتهم وبها يتمكنون من صد أي تسلط او طغيان يمكن أن ينال منها ، ولذلك فإن مصير الحقوق والحريات العامة مرتبط بمصير حرية الصحافة، وكما يقول الاستاذ هوريو في خطاب القاه امام الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1948. وان جميع الحريات متضامنة فيما بينها وان انتهاك احداها هو انتهاك لجميع الحريات، فماذا سيكون مصير حرية الصحافة (2)، ولذلك اصبحت هذه الحرية مقياساً لتطوير المجتمع ، ورقيه الفكري والسياسي، ومرجعا لمعرفة مدى تمتع الافراد بحقوقهم وحرياتهم(3). وإذا كانت حرية الصحافة تتمتع بكل هذه القيمة في المجتمع المعاصر فما هو المفهوم الذي تقوم عليه هذه الحرية؟ واختلف الفقهاء في تحديد المفهوم الذي تقوم عليه حرية الصحافة، وكان سبب اختلافهم هذا هو اختلاف العناصر التي يقيم عليها كل فريق مفهومه لحرية الصحافة.
ففي الفقه الغربي، تعددت التعريفات لحرية لصحافة. وأهم تعريف هو تعريف الفقيه ” دوجر” اذ عرف حرية الصحافة بأنها ” حق الفرد في التعبير عن آرائه وعقائده بواسطة المطبوعات بمختلف أشكالها من كتاب أو كراسة أو مجلة أو إعلان دون أن تخضع هذه المطبوعات للإجازة او الرقابة السابقة مع مسؤولية مؤلفيها مدنياً وجنائياً (4).
ويتضح من التعريف، أن الفقه الغربي يشترط حرية، الأفراد في ملكية الصحف وإصدارها. أما الفقه الاشتراكي فإن الصحافة عندهم موجهه ومسيّرة ،وحسب مفهومهم لحرية لصحافة الذي يفترض حرمان الأفراد من ملكية الصحافة وتوجيه سياستها ، وأن الأفراد لا يخولون بهذا الحق بل للجماعات فقط ممثلة في الأحزاب والاتحادات والنقابات ، وهو ما يعني احتكار السلطة لملكية وإدارة الصحف واستعمالها اداة في توجيه الجماهير لتأييد سياسة الحكومة ، من خلال مايطرح فيها من افكار واراء من شأنها تغذية الشعوب الاشتراكية بالأيدلوجية الشيوعية وتقوية الروح المعنوية للمواطنين بهدف ربط المجتمع عموماً بوحدة أيديولوجية وإدارية (5).
وبالنسبة لموقف الفقه العربي ،حيث اولى اهتماماً كبيراً بهذه الحرية وهناك تعريفات عديدة نذكر منها تعريف الدكتور محسن خليل، حيث عرف حرية الصحافة بأنها : الحرية التي تتيح للصحف الحرية في ما تكتبه وتنشر من اراء . وعرفها الدكتور ماجد راغب الحلو بأنها: عدم تدخل الحكومة فيما تنشر وعدم فرض ارادتها عليها بالزام او منع فيما يتعلق بمادة النشر او مصادرتها او الغائها وذلك بصرف النظر عن اتجاهاتها، وماينشر فيها مادامت لاتجاوز حدود القانون ،كما يقصد بحرية الصحافة فضلاً عن ذلك اصدار الصحف وتملكها لمن يشاء.
الفرع الثاني. تنظيم الحق في حرية الصحافة :
أولاً. النظم الدستورية.
جاءت التشريعات الدستورية لتقر بحرية الصحافة ، واكد الدستور العراقي لعام 2005 (6)، اذ نصت المادة ( 36/ثالثا) على أن : تكفل الدولة وبما لايخل بالنظام العام والآداب حرية الصحافة والطباعة والاعلان والنشر.
ونلاحظ أن النص الدستوري تضمن المبادئ التالية :
الاعتراف صراحة بحق الانسان في حرية الصحافة والطباعة والاعلان والنشر.
كفالة الدولة لهذه الحقوق في ضوء قواعد النظام العام والآداب العامة.
واكد الدستور المصري لعام 1971 الحق في حرية الصحافة ، اذ جاءت المادة (48) منه لتؤكد على هذا الحق بشكل مستقل من خلال ذكرها لما يتعلق بهذا الحق من أمور تفصيلية، حيث نصت على ذلك بقولها: حرية الصحافة والطباعة والنشر وجميع وسائل الاعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة ، وانذارها او وقفها او إلغاؤها بالطريق الاداري محظور ، ويجوز استثناء في حالة الطوارئ او زمن الحرب ان يفرض على الصحف والمطبوعات ووسائل الاعلام رقابة محددة في الامور التي تتصل بالسلامة العامة او لأغراض الأمن القومي، وذلك كله وفقاً للقانون.
وقد صدر القرار الجمهوري رقم 214 لسنة 1978- في 5 مايو 1978 لدعوة الناخبين الى الاستفتاء على مبادئ حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي وكان ثالث هذه المبادئ أن: الصحافة هي السلطة الرابعة للشعب، وهي ملك الشعب وفقاً لأحكام القانون رقم 156 لسنة 1960 : ويتعين عليها أن تلتزم بنظام الدولة الاشتراكي الديمقراطي والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية والمكاسب الاشتراكية للعمال والفلاحين وكذلك بميثاق الشرف الصحفي، ثم عدّل الدستور سنة 1980 ،وتمثل التعديل ، باضافة باب جديد في نهاية الدستور، ووضع تحت أسم (أحكام جديدة ) ، وجاء في الفصل الثاني بعنوان ” سلطة الصحافة ” ونصت اولى مواده، المادة (201) على أن الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها على الوجه المبين في الدستور والقانون . وهكذا فإن الصحافة قد وصفت تارة بإنها : السلطة الرابعة . وتارة اخرى بإنها : سلطة شعبية مستقلة (7). ومنحها الاستقلال في ممارسة رسالتها.
فقد قرر أن تمارس الصحافة رسالتها بحرية وفي استقلال في خدمة المجتمع بمختلف وسائل التعبير ، تعبيراً عن اتجاهات الرأي العام واسهاماً في تكوين وتوجيهه ، في أطار المقومات الاساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة ، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وذلك كله طبقاً للدستور والقانون (8).
ونصت المادة (208) على أن : حرية الصحافة مكفولة والرقابة على الصحف محظورة ، وانذارها او وقفها او الغاؤها بالطريق الاداري محظور وذلك كله وفقاً للدستور والقانون.
وجاء في نص المادة (209) أن : حرية اصدار الصحف وملكياتها للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللأحزاب السياسية مكفولة طبقاً للقانون : وتخضع الصحف وملكيتها والاموال المملوكة لها لرقابة الشعب على الوجه المبين بالدستور والقانون(9).
ونلاحظ أن النصوص الواردة في وثيقة الدستورفي مصر تضمنت المبادئ التالية :
الاعتراف صراحة بحق كل انسان بحرية الصحافة بجميع اشكالها.
الصحافة هي السلطة الرابعة بعد سلطات الثلاثة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) .
الصحافة سلطة شعبية مستقلة
كفالة الدولة للحق في حرية الصحافة في ضوء القواعد الدستورية والقانونية .
خطر الرقابة او الإنذار او الوقف او الالغاء على الصحف من قبل السلطات الادارية.
للأشخاص الاعتبارية ( العامة والخاصة ) وللأحزاب السياسية الحق في حرية اصدار الصحف.
ملكية الصحف تعود لهؤلاء الاشخاص.
ومن خلال المقارنة بين النصين السابقين نجد أنه على الرغم من قيام الدستور العراقي بالنص على هذا الحق الا إنه لم يستوعب جميع اشكاله وتفصيلاته على العكس من الدستور المصري اذ نص على هذا الحق في الاستقلالية ومنع الرقابة والالغاء والوقف ، ومن ثم قل الفرص امام السلطات الادارية في حرية تقيدها لهذا الحق، لما يمثله النص عليه من قبل الدستور من ضمانه له. وكان الاولى بالمشرّع العراقي الأهتمام اكثر بهذه الحرية لانها تلعب دوراً كبيراً في نقل المعلومات والاخبار الى جمهور الافراد وفي تكوين وتوجيه الرأي العام والتأثير عليه.
وكفل الدستور الايطالي لعام 1947 حرية الصحافة ، و قررت المادة (12) أن : لايجوز اخضاع الصحافة لإذن او رقابة ، ولا يمكن القيام ، بالحجز الا بموجب قرار معلل صادر عن السطلات القضائية في حال وقوع جريمة، على أن يسمى قانون الصحافة صراحة بذلك ، او في حال انتهاك القواعد التي يفرضها القانون نفسه بالنسبة الى المسؤولين في تلك الآحوال حينما تكون هناك ظروف ماسة ويتعذر تدخل السلطات القضائية في الوقت المناسب يمكن لمسؤولي الشرطة القضائية تنفيذ الحجز على الصحافة الدورية ويتوجب تبليغ السلطات القضائية مباشرة وفي خلال اربع وعشرين ساعة ، ان لم تصادق هذه السلطات على التبليغ خلال الساعات الأربع والعشرين التالية بسحب الحجز، ويعد ملغياً ومجردا من أي مفعول و يجوز للقانون أن يحدد بواسطة ضوابط عامة ، هوية مصادر تمويل الصحافة الدورية.
ونلاحظ أن النص الوارد في وثيقة دستور ايطاليا تضمن المبادئ التالية:
الاعتراف بحق كل إنسان بحرية الصحافة .
الإقرار بهذا الحق لجميع الأشخاص من دون إذن أو ترخيص .
حظر الرقابة على الصحف .
حظر الحجز إلا استثناء وبموجب قرار قضائي مسبب ( حال وقوع الجريمة).
الجريمة وانتهاك القواعد القانونية المفروضة .
4-تحديد القانون مصدر تمويل الصحف الدورية.
وخصص الدستور السويسري لعام 1999 المادة (17) منه لحرية الاعلام ، ونص على ما يأتي:
1. يكفل الدستور حرية الصحافة والراديو والتلفزيون وكل الاشكال الاخرى لنقل وانتاج ونشر المعلومات العامة .
2. الرقابة ممنوعة .
3. اسرار التحرير مضمونة .
نلاحظ أن النص الوارد في وثيقة دستور سويسرا تضمن المبادئ التالية:
الاعتراف صراحة بالحق في حرية الصحافة
حظر الرقابة من قبل الدولة وسلطاتها العامة(10).
وبشأن موقف القضاء من حماية حرية الصحافة فقد رأت المحكمة الدستورية العليا المصرية إن الضمانات التي قررها الدستور بشأن حرية الصحافة واستقلالها في أداء رسالتها وحظر الرقابة عليها او وقفها او الغاؤها بالطريق الاداري حسبما نصت على ذلك المواد (48، 206، 207، 208) من الدستور – انما تستهدف اساساً كفالة حرية الآراء السياسية باعتبار أن حرية الصحافة هي السياج لحرية الرآي والفكر . وفي هذا الحكم ربطت المحكمة بين حرية الصحافة وحرية الرأي والفكر بأن جعلت الحرية الأولى سياجاً للحرية الثانية(11) .
واستقر قضاء محكمة النقض المصرية على تأكيد حرية الصحافة وفي هذا الشأن قالت أن حرية الصحافة هي جزء من حرية الفرد العادي ولايمكن تجاوزها إلا بتشريع خاص(12).
وقررت المحكمة الادارية العليا المصرية : بأن للأحزاب السياسية حق اصدار الصحف والترخيص باصدارها، وتكييف هذا القرار ان الصحافة عمل مادي او تنفيذي اختصاصي، لايمكن ان يرخص لأفراد بالقيام به.
وورد في نص المادة (15) من القانون رقم (40 ) لسنة 1977 بنظام الاحزاب السياسية : أن لكل حزب سياسي حق اصدار صحيفته المعبرة عن آرائه والداعية الى مبادئه واهدافه المصورة لبرامجه واساليبه ونظرته في مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وذلك دون حاجة الى اللجؤ الى جهة او سلفة للحصول على ترخيص باصدار الصحيفة(13).
ثانياً. الدستور الدولي المشترك:
أقر الإعلان العالمي لحقو الإنسان لعام 1948 ، الحق في حرية الصحافة ، وأشار في المادة (19) منه: ’’ إلى أن لكل شخص الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت ، دون التقيد بالحدود الجغرافية ،، .
وضمَّن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 حرية الصحافة، حينما اعترف في المادة ( 19 / ف2 ) منه : ’’ بحق كل شخص في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار ، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين ، دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني وبأية وسيلة أخرى يختارها ،، .
وأكدت الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 في المادة ( 10/ ف1) على أن : ’’ حرية التعبير تشمل حق كل إنسان في تلقي المعلومات وإبلاغها بدون تدخل من جانب السلطات العامة وبصرف النظر عن الحدود ، ولا تحول هذه المادة دون اقتضاء الدول استصدار تراخيص من جانب شركات الإذاعة والتلفزيون والسينما ،، .
وعالجت الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 حرية الصحافة ، في المادة ( 13 / ف 1 ) منها . وأقرت أن حرية التعبير تشمل حق كل إنسان في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين ، دونما اعتبار للحدود ، سواء شفاهاً أو كتابةً أو طباعةً أو في قالب فني أو بأية وسيلة يختارها .
_______________
1- د. عبد المنعم محفوظ ، علاقة الفرد بالسلطة ، الحريات العامة وضمانات ممارستها – دراسة مقارنة ، المجلد الاول والثاني ، ط1 ، بلا دار نشر ، بلا تاريخ ،ص 122.
2- عبد الرحمن حسين المختار ، حرية الصحافة وتنظيمه الدستوري والقانوني في اليمن، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون، د. جامعة بابل، 2002، ص 16.
3- د. صبحي المحمصاني، اركان حقوق الانسان ، بحث مقارن في الشريعة الاسلامية والقوانين الحديثة ، ط1، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1979 ، ص 156.
4- حمزة عبداللطيف ، ازمة الضمير الصحفي ، دار الفكر لعربي ، القاهرة ، ط1، 1960. ص 41.
– عبد الرحمن احمد حسين المختار، حرية الصحافة وتنظيمها الدستوري والقانوني في اليمن، دراسة مقارنة، ماجستير، كلية القانون، جامعة بابل، 2002 ، ص17.
5- د. محمد عصفور، ازمة الحريات في المعسكر الشرقي والغربي، مطبعة البيان، القاهرة 1961، ص11.
6- لم يتضمن الدستور العراقي السابق لعام 1970 مبادئ تنظيم حرية الصحافة بصورة مستقلة إلا انه تناول بالنص كفالة حرية الرأي والنشر في المادة (26) بوصف حرية الصحافة احدى صور حرية التعبير عن الرآي واحال الدستور الى المشرع العادي تنظيم هذه الحرية ، وكان الاجدر بالمشرع الدستوري ، آن يحيط الصحافة بضمانات تكفل عدم التجاوز عليها من سلطتي التشريع والادارة وذلك بحظر اجراءات الرقابة فيما عدا حالة الظروف الاستثنائية، لأن من شأن ذلك توفير حماية دستورية فعالة لحرية الصحافة.
7- د. مصطفى ابو زيد فهي، الدستور المصري فقهاً وقضاءً ، دار المطبوعات الجامعية، الأسكندرية،1996، ص 262 وما بعدها.
8- د. جورجي شفيق ساري، اصول واحكام القانون الدسستوري، النهضة، ط1، 2004 ق، ص 692 ومابعدها.
9- ومن الدساتير العربية التي كلفت هذا الحق ، الدستور السوري 1973في المادة (38) والدستور اليمني لعام 1994 في المادة (42) ، الدستور الجزائري لعام 1996 في المادة (36) والدستور البحريني، لعام 2002 في المادة ( 23) ، الدستور القطري لعام 2003 في المادة ( 48).
10- ومن الدساتير الاجنبية التي كفلت هذا الحق ، الدستور الامريكي لعام 1787 في التعديل الاول التي تم اقراره عام 1791 ، والدستور الصيني لعام 1982 في المادة (22) .
11- حكم المحكمة في 7/5/1988 ، ف 44 ، س 7 ، مجموعة احكام المحكمة – الجزء الرابع ، قاعدة رقم 16، ص 98 .ينظر بهذا الصدد .
د. فاروق عبد البر ، دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات، النسر الذهبي للطباعة، 2004 ، ص 609.
12- الطعن رقم 1363 لسنة 28 ق – جلسة 24/ 3/ 1959 – السنة 10-ص 348 وفي ذات المعنى الطعن رقم 621 لسنة 31 ق – جلسة 16/1/1962 – لسنة 13 ،ص 47 ينظر .د محمود شريف بسيوني الديمقراطية وحقوق الانسان ، ص 110 .
13- الطعن رقم 591 لسنة 25 ق ( 16/1/1982 ) 27/35 / 253 ينظر : د. عبد الفتاح مراد، اوامر المنع من السفر والتصرف والتحفظ، بلا مكان طبع، 2001 ، ص 380.
المؤلف : كوثر عبد الهادي محمود الجاف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري لعلاقة الدولة بالفرد
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً