المحكمة الاتحادية والقضاء غير الاتحادي
سلام مكي
من المعلوم ان السلطة القضائية واحدة في البلاد، وهي التي نص عليها الدستور في المادة 87 التي بينت ان السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر احكامها وفقا للقانون.
وان تلك المحاكم ذكرها القانون 160 لسنة 1979 على سبيل الحصر في المادة 11 منه. كما اشارت المادة89 من الدستور الى مكونات السلطة القضائية الاتحادية وهي: مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى التي تنظم وفقاً للقانون. وان المحاكم الاتحادية التي يعني بها النص الدستوري، هي تلك التي تصدر استنادا لقرار من مجلس القضاء الأعلى، وهي محاكم متخصصة، كالمحكمة المختصة بقضايا النشر والاعلان وغيرها من التي يرى مجلس القضاء الأعلى وجود حاجة لاستحداثها.
ويتضح مما سبق، ان السلطة القضائية لا يمكن الا ان تكون اتحادية، وهو امر متفق عليه من قبل الجميع. لكن ثمة نص دستوري، يشير الى غير هذه الحقيقة، حيث ورد في المادة93 اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا، ومن تلك الاختصاصات،
ما اشارت اليه الفقرة ثامنا والتي نصت:
أ: الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم. ب: الفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم، أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم.
فمن ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية الفصل في التنازع الذي يحصل بين السلطة القضائية التي أشارت اليها النصوص الدستورية أعلاه ونصوص قانون التنظيم القضائي رقم160 لسنة 1979، وبين الهيئات القضائية الخاصة بالأقاليم او الخاصة بالمحافظات غير المنتظمة في إقليم! وهنا نسأل سؤالا: إذا كان القضاء الاتحادي ممثلا بمحاكم الاستئناف ومحكمة التمييز وكافة مكونات السلطة القضائية، له نصوص دستورية وقانونية تنظم عمله ووجوده، فأين يمكن ان نجد النصوص التي تنظم عمل الهيئات القضائية الخاصة بالأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم؟ وفي حال عدم وجودها، أين نجد النص الدستوري الذي أشار الى ان تنظيم احكام تلك الهيئات يكون بموجب قانون! في الحقيقة لا وجود لأي نص دستوري او قانوني يشير الى صلاحية وسلطة تلك الهيئات ولا طبيعة عملها ومدى قدرتها على تطبيق القوانين داخل الأقاليم او المحافظات غير المنتظمة في إقليم. كما ان ولاية القضاء على جميع الأشخاص الموجودين على إقليم الدولة، سواء كان الشخص طبيعيا او معنويا.
ونجد ان المادة 121 من الدستور منحت سلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقا لأحكام الدستور. علما ان الدستور لم يشر صراحة او ضمنا في أي نص الى الآلية التي يمكن للأقاليم ممارسة السلطة القضائية. بالمقابل، لم نجد في المواد التالية للمادة 121 ما يشير الى وجود صلاحية للمحافظات غير المنتظمة في إقليم حق ممارسة السلطة القضائية ضمن حدود تلك المحافظات.
ويبدو ان المشرع، حاول إضفاء الشرعية على السلطة القضائية في إقليم كردستان، بوصفها سلطة قائمة وتمارس اختصاصاتها في تطبيق القوانين، لكن بالعودة الى نص المادة 93 من الدستور، نجد انه ميّز بين الهيئات القضائية للأقاليم وبين الهيئات القضائية للمحافظات غير المنتظمة في إقليم، رغم انه لم يشر صراحة الى تمتع تلك المحافظات بصلاحية ممارسة الدور القضائي، مثلما أشار الى صلاحية الأقاليم؟ لذلك يمكن القول ان الدستور منح المحكمة الاتحادية اختصاصا مستحيلا، لا مجال لتطبيقه، كونه نص على تشكيلات قضائية لا وجود لها، وهي الهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم. وحتى الهيئات القضائية للأقاليم والتي يراد منها منح السلطة القضائية في إقليم كردستان الشرعية الدستورية والقانونية، لا مجال لوجود خلافات ومنازعات بينها وبين السلطة القضائية الاتحادية، كون ان الأخيرة لا سلطة لها في إقليم كردستان، القانون الاتحادي مطبق في كردستان، لكن من يقوم بتطبيقه السلطة القضائية للإقليم وليس السلطة القضائية الاتحادية.
لذا، فإن الدستور نص ضمنا على وجود قضاء اتحادي وقضاء غير اتحادي، والقضاء غير الاتحادي هذا أشار اليه ضمن النصوص التي تخص المحكمة الاتحادية العليا، دون ان ينص في مكان آخر على آلية تشكيل ذلك القضاء او طبيعة عمله ووجوده. في حين ان النصوص التي تتعلق بالمحكمة الاتحادية يفترض انها رصينة، مكتملة من ناحية الصياغة والتشريع، والا تصعّب الأمر على المحكمة الاتحادية حين تشرع بتطبيق القانون.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً