الابتزاز الإلكتروني.. جريمة العصر
محمد الفاتح عابدين
يواجه العالم تحدياً خطيراً يعتبر أحد إفرازات ثورة التكنولوجيا الرقمية الآخذة في التطور يوماً تلو الآخر، ولعل الابتزاز الإلكتروني بات واحداً من إفرازات تلك الثورة، وربما يكون أكثرها انتشاراً، لاسيما أنه لا يتطلب المزيد من الأدوات أو التخطيط الدقيق لاصطياد ضحاياه، حيث يحتاج المبتز إلى صورة أو مقطع مصور أو حتى معلومة في إحدى منصات التواصل الإلكتروني لينسج بعد ذلك فصول جريمته التي يدر من خلالها أموالاً كثيرة عبر طرق وحيل الابتزاز الإلكتروني المتعارف عليها في عالم المبتزين.
ورغم أن الغرض من جرائم الابتزاز الإلكتروني هو الحصول على المال، إلا أن ضحايا تلك العمليات يتعرضون لظروف صعبة طوال فترة ابتزازهم بسبب خوفهم من الفضيحة أو التشهير بهم، وتؤدي تلك الظروف إلى تدهور الحالة النفسية للضحايا وترديها لدرجة تدفع البعض منهم إلى إنهاء حياته مالم يتم التدخل في الوقت المناسب.
المختصون يرون أن الابتزاز الإلكتروني في تزايد، وأن التعامل غير الحذر مع منصات التواصل الإلكتروني والثقة في الآخرين هي أبرز أسباب الوقوع في فخ الابتزاز.
وبحسب آراء المختصين فإن التعاطي الحذر مع منصات التواصل الإلكتروني وحماية الأجهزة المحمولة بالأرقام السرية وإزالة الصور والبيانات ذات الطابع الخصوصي منها أمر مهم لاسيما أنها قد تتعرض للفقدان أو السرقة، ما يجعل من أصحابها كنزاً ثميناً للمبتزين.
ثقافة أمنية تتصدى
وحذر الدكتور محمد حمد الكويتي، خبير أمن المعلومات، من التعامل غير الحذر مع تطبيقات التواصل الإلكتروني، والذي يتسبب في وقوع الكثير من الجرائم الإلكترونية ويعرض أصحاب الحسابات للوقوع في فخ الابتزاز.
وقال، إن دولة الإمارات العربية المتحدة تتحرك نحو حكومة ذكية بناءً على النظرة الاستراتيجية للقيادة، وهذا يحتم علينا زيادة الاعتماد على تقنية المعلومات، وأكد أنه لا بد من زيادة الوعي بالتهديدات الإلكترونية وتطوير الجوانب الفنية للحماية والاستجابة، وإضفاء مزيد من الوعي بالمخاطر الناجمة عنها بالتعاون مع سلطة تنظيم قطاع الاتصالات في الدولة.
وأضاف أن وسائل التواصل بشكلها العام آخذة في التطور بسرعة هائلة وأن هذا التطور ينسحب على الأجهزة التي أصبحت تحتوي على إمكانيات عالية في بث الصور ونقلها، بالإضافة إلى قدراتها العالية على معالجة كم كبير من المعلومات، وأن التطورات التي تشهدها وسائل التواصل وأجهزتها مستمرة ما يعني وقوع مزيد من جرائم أمن المعلومات مالم يتم نشر ثقافة أمنية تتصدى لعصابات الابتزاز التي تستهدف فئة الشباب وغيرها من الفئات في مجتمعاتنا.
قصص واقعية
وقال، إن حجم التطور الذي تشهده أنظمة الاتصالات كبير، بحيث باتت بعض الجرائم في وقتنا الحالي ترتكب من خلال الآلات والأجهزة ويتم تنفيذها عن بعد مثل عمليات الابتزاز التي أوقعت عدداً من الضحايا على مستوى الدولة مستعرضاً عدداً من قضايا الابتزاز.
وقال إن إحدى ضحايا عمليات الابتزاز فتاة لاتزال في المرحلة الثانوية تم تركيب إحدى الصور الخاصة بها في جسد صورة خادشة للحياء حيث قام المبتز بالحصول على صورة الفتاة عبر صديقتها المخلصة ثم استخدم أحد برامج تعديل الصور وتحريرها في تركيب صورة الفتاة وابتزازها بعد ذلك، ما أدخلها في حالة نفسية سيئة، وكادت تفقد حياتها على يد والدها الذي يجهل التعامل مع التقنيات الحديثة، ورفض التصديق أن الصورة الخادشة ليست لابنته، مضيفاً: بذلنا جهوداً مضنية لإنقاذ حياة الفتاة. من ذلك أننا قمنا بتركيب صورة لوالدها لإقناعه بالأمر، حيث تم بعد ذلك القبض على المتهمين لينالوا جزاءهم.
وفي قضية أخرى قامت عصابة باستغلال قيام إحدى شركات الطيران بالإعلان عن طلبها لموظفات، حيث تم تصميم صفحة مشابهة لصفحة الشركة ووضع بريد إلكتروني خاص بالعصابة قامت على إثره بالحصول على السيرة الذاتية للمتقدمات للوظيفة، ومن ثم الاتصال بهن والطلب منهن القيام بفحص طبي نظري عبر برنامج سكايب للمحادثات المرئية، ثم تسجيل مقاطع لهن وهن يقمن بإظهار بعض المناطق في أجسادهن ليفاجأن بعد ذلك بتعرضهن للابتزاز حيث بلغ عدد الضحايا في تلك القضية 52 فتاة واحدة فقط هي التي قامت بفتح بلاغ.
الألعاب الإلكترونية والعنف
وأضاف أن 65% من قضايا الابتزاز داخل الدولة الهدف منها المال، متحدثا عن قضية تورطت فيها سيدة دون أن يكون لديها سوء نية عندما قامت بدعوة متابعيها الكثر في أحد برامج التواصل الاجتماعي لدعم إحدى الجمعيات وتزكيتها لها ليتبين بعد ذلك أن الجمعية التي روجت لها سيئة السمعة وهي محظورة على المستوى المحلي والخارجي، ما تسبب في وقوع السيدة في مشكلة.
وأكد خبير أمن المعلومات أن الألعاب الإلكترونية باتت تستخدم كسبيل لترويج العنف والقتال لاسيما لعبة GTA التي تدفع مستخدميها من الأطفال إلى القيام بتصرفات خاطئة تنفيذاً لمتطلبات اللعبة مثل الانتحار أو السرقة، وقال إن تداول مثل هذه الأمور في الألعاب قد يتطور في الحقيقة في حال غاب ولي الأمر عن متابعة ما يتعامل معه أبناؤه.
وتناول ظاهرة البت كوين وقال إنها عملة رقمية بحاجة إلى قوانين تنظيمية يعمل المصرف المركزي في الإمارات على فرضها لإيجاد تداول آمن لها في الدولة.
وأكد الخبير أن الإمارات من الدول التي انتبهت لثورة المعلومات منذ بداياتها وأنها قامت بإيجاد القوانين والأطر التي تعاقب مرتكبي الجرائم الإلكترونية من خلال قوانين خاصة بها، موضحاً أن مستخدمي وسائل الاتصالات مطالبون باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية بياناتهم وتحديث البرامج الخاصة بذلك في هواتفهم وأجهزتهم التي يستخدمونها، كما أنهم مطالبون بالإبلاغ عن الحالات التي يشتبهون في أمرها وعدم فتح أي رابط يحمل عبارات تهديد مثل الرابط الذي يحوي جملة «لدي صورتك»، تجنباً لاختراق الجهاز بمجرد فتح الرابط، حيث يتم الاستيلاء على كافة البيانات والصور ثم ابتزاز صاحبها.
الجميع معرض
يقول الدكتور غانم الحساني، مدير إدارة العلوم السلوكية في مستشفى العين إن جرائم المعلومات تشهد ازدياداً عالمياً، وذلك بسبب انتشار التقنيات الحديثة ورخص أسعارها ما جعلها في متناول اليد وبالتالي زيادة في أعداد الجرائم التي تكون فيها التكنولوجيا طرفاً أساسياً، مضيفاً أن الابتزاز الإلكتروني هو أحد تلك الجرائم التي تترك آثاراً نفسية في ضحاياها وقد تتسبب في إقدامهم على إنهاء حياتهم بسببها في حال لم يتم التعامل معها بالشكل السريع.
وقال إن الابتزاز الإلكتروني لا يعرف عمراً معيناً لضحاياه، بمعنى أن الجميع معرض لأن يبتز إلكترونيا في ظل التعامل غير الحريص مع أجهزة الهاتف المتحرك والأخرى اللوحية وجميعها أجهزة معرضة للفقد أوالسرقة التي ربما تكون الخيط الأول من عملية الابتزاز الإلكتروني، والتي أصبح لديها عصابات متخصصة في ابتزاز أي شخص يمتلكون له صورة أو مقطعا مصورا، حيث تقوم تلك العصابات بالعبث في محتويات الأجهزة التي سرقتها والبدء في مساومة صاحبها وسحب مبالغ مالية منه مقابل عدم التشهير به.
وأضاف أن الضحية ستجد نفسها تدور في حلقة مفرغة والمبتز يواصل ابتزازه وبالتالي تصل الضحية إلى مراحل نفسية سيئة خاصة في حال الأطفال والمراهقين الذين يدرك المبتز أنهم لا يمتلكون الأموال الكافية التي يطلبها منهم فيبدأ في ابتزازهم جنسيا أو يستخدمهم كأداة يتحكم بها في تنفيذ جرائمه.
حفظ الخصوصيات
وقال إن الجميع مطالب باحتواء خصوصياته وحفظها بشكل آمن كما ان الآباء وأولياء الأمور مطالبون أيضا بمتابعة التغيرات التي تطرأ على سلوكيات أبنائهم، بحيث يستشعرون وجود سلوكيات غريبة كالانطوائية أو العزلة وغيرها من الشرود الذهني والتغيرات التي تفيد بأن صغيرهم ربما يخفي شيئا.
كما أنهم مطالبون بعدم أخذ ردة فعل سلبية تجعل الضحية تزداد خوفا بل عليهم التعامل بحذر مع مثل هذه المواقف واحتواء الأبناء إلى حين معرفة ما يخفون ومن ثم أخذهم إلى الجهات المختصة لعلاجهم، مؤكدا على أن دولة الإمارات تمتلك منظومة قوية للتعامل مع ضحايا الابتزاز وغيرها من الجرائم، لافتاً إلى أن وزارة الداخلية تتعامل مع بلاغات الابتزاز بشكل حرفي وسري وهي تتابع مستوى تحسن الحالات مع الأطباء والمراكز التي تشرف على علاج الحالات التي ترد إليها من قبلها.
محال الهواتف
يقول أحد أصحاب محال الهواتف المتحركة: كثيراً ما تردنا هواتف من الزبائن تحتوي على بيانات وصور غاية في الخصوصية وبالرغم من أننا نتفادى الاطلاع عليها، إلا أننا نجد المزيد منها بسبب سوء الاستخدام وعدم الجدية في التعامل من قبل أصحاب الأجهزة، حيث يثق هؤلاء في فنيي تصليح الأجهزة الذين بإمكانهم حفظ نسخة من محتويات الهاتف بمجرد كبسة زر ثم يعودون لابتزاز صاحبها والاستيلاء منه على مبالغ مالية كبيرة خوفا من انفضاح أمره.
ويضيف أن تلك الأجهزة تحولت إلى خزائن للأسرار ينبغي حفظها بشكل جيد يضمن لهم عدم اطلاع أي شخص على محتوياتها من خلال برامج الحماية من الاختراق أو قفلها بالأرقام السرية وغيرها من الوسائل الأمنية المتاحة.
وتابع إن إعطاء الفنيين في محال تصليح الهواتف المتحركة أرقام فتح الأجهزة السرية خطأ كبير يجب عدم الوقوع فيه.
الإمارات تنبهت مبكراً وسنت قوانين لجرائم المعلومات
الإمارات من الدول المتقدمة في المجال المعلوماتي وكانت من أوائل الدول التي تنبهت إلى خطر الجريمة الإلكترونية وفرضت قوانين ملزمة تعاقب من يتسبب في جرائم الابتزاز، حيث إن دولة الإمارات توفر كافة التقنيات والجهود للتبليغ عن هذا النوع من الجرائم ضمن سرية معقدة وضمن آلية متطورة.
ولما كانت الإمارات من أكثر الدول التي تهتم بعالم التكنولوجيا وتتسابق في توفير كافة الوسائل التي تساعد المواطن على مواكبة التطور، فهي أيضا تنبهت إلى خطر الاستخدام السيء لتلك الوسائل التكنولوجية، وفرضت أنظمة وقوانين تساعد على حماية المواطن بالدرجة الأولى، وتعاقب المجرمين بعقوبات قاسية تبعا لنوع الجريمة الإلكترونية المقترفة، فهي تعاقب مجرمي الابتزاز بعقوبات قاسية جداً دون النظر إلى نوع الابتزاز سواء كان ابتزازاً جنسياً أو ماليا أو غيرها من أنواع الابتزاز، فمثلاً قانون مكافحة تقنية المعلومات ومكافحة جرائم المعلومات نص في المادة 16 على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عامين والغرامة التي لا تقل عن 25 ألف درهم ولا تتجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على 10 سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار.
لهذا تعد الإمارات من الدول الأولى التي أدرجت هذا القانون ضمن القوانين الملزمة والنافذة في الدولة، في حين أن دولاً عربية أخرى لم تنظم هذا القانون إلى وقتنا هذا، بالرغم من أهميته، ولم تتناول أي قوانين تعاقب المجرم على الجرائم الإلكترونية و جرائم الابتزاز بالدرجة الأولى، والتي للأسف تساعد المجرمين على اقتراف المزيد من الجرائم.
ونشير إلى أن عدم وجود قوانين في بعض الدول تعاقب على جريمة الابتزاز الإلكتروني يؤثر سلباً على الإمارات وخصوصاً أن جريمة الابتزاز من الجرائم الدولية الممتدة، وبالتالي فإن هذا يجعل من جريمة الابتزاز جريمة معقدة و حلولها تواجه صعوبات يصطدم جزء منها بعدم وجود قوانين مساعدة ومشتركة، ويصطدم الجزء الآخر بذكاء مجرم متمرس ومتخف عبر الإنترنت.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً