هل يقرأ المواطن القانون بالمقلوب؟
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
هل يبالغ المواطنون في خشيتهم من أي قانون جديد؟ وهل المواطن السوري قد اعتاد مخالفة القوانين؟ أم أن القوانين قد فصلت ونفذت بعيداً عن الواقع السوري؟ ولماذا تعثرت سياسة التطوير بالقوانين؟ وما هو دور التعليمات التنفيذية في هذا التعثر؟ وماذا بقي من الشراكة بين المواطن والحكومة في عملية التحديث؟
هل يقرأ المواطن القانون بالمقلوب؟
في لقاء مع التلفزيون السوري مؤخراً، ذكر السيد عدنان دخاخني رئيس جمعية حماية المستهلك أن المواطن السوري يقرأ القوانين بالمقلوب، وبالتالي يعترض على العقوبات الواردة في القوانين، دون أن يقرأ النقاط الإيجابية التي يوردها القانون، ورغم صحة هذه الملاحظة، فإن سببها ليس عدم قدرة المواطنين على قراءة القوانين من أولها إلى آخرها كما يعتقد السيد رئيس الجمعية، ولكن تجارب المواطنين المريرة مع الجهات المنفذة للقوانين وتعليماتها التنفيذية، التي تبدأ بتنفيذ القوانين من بند العقوبات، ونعتقد أن هذه الفكرة قد أكدتها اعتراضات تجار العصرونية في اجتماع غرف التجارة والصناعة، حيث بينوا أن مراقبي التموين قد قاموا بالفعل بالبدء بتطبيق القانون من آخره في اليوم الأول لسريان القانون، وهنا قد لا تكون المشكلة في المراقبين على الرغم من فساد بعضهم ولكن في الجهات التي تصدر تعليمات تنفيذية تعلم أنها غير قابلة للتنفيذ باستثناء العقوبات طبعاً.
قوانين جميلة لكن؟
عانت سوريا في السنوات الأخيرة من صدور مجموعة كبيرة من القوانين التي تفوق قدرة المواطن السوري على التحمل، والسبب ليس عدم رغبة المواطن بالتطوير، ولكن أي تطوير إما أن يأخذ منحى تدريجياً أو أن يأخذ منحى ثورياً، وفي الحالتين، يجب أن تنسجم العقوبات مع حجم وسرعة التغيير، أما ما يحصل محلياً، فهو تغييرات ثورية في العقوبات لا ترافقها تغييرات وخطوات تطويرية (ثورية أو تدريجية) في الواقع، وبالتالي فمع أي قانون يصدر يرى المواطن أنه قد أصبح فجأة خارج إطار القانون دون أن يكون لديه أية وسيلة للحاق بالتغييرات القانونية، فأي تغيير يتسم بالبطء خاصة حين يتطلب إجراءات خارج صلاحيات وإمكانات الفرد أما العقوبات فيبدو أنها تسبق الزمان والمكان.
وهنا لابد من توضيح أننا لا نعارض الصورة الوردية التي يتم رسمها في القوانين، ولكننا نعتقد أنه إن كان مسموحاً للقوانين أن ترسم صورة وردية بعيدة المدى، فالتعليمات التنفيذية – على الأقل – يجب أن تنطلق من الواقع، وأن يتم تعديلها تدريجياً مع تطور الواقع، وإلا فما هو مبرر إصدار تعليمات تنفيذية إن كانت ستكرر ما ورد في القوانين؟ وما هي فلسفة التعليمات التنفيذية التي يمكن تعديلها من قبل الحكومة إن كانت ستكرر القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية كما هي؟
من التعليم إلى حماية المستهلك:
منذ أن صدرت التعليمات التنفيذية لقانون التعليم الخاص قبل عدة سنوات وأدت لكارثة في التعليم الخاص والحكومي والتي عالجناها في حينه (راجع مقال وزارة التربية) منبر للعلم أم للندم؟ للكاتب المنشور في عام (2003) في المجلة، ويتبادر إلي ذهننا السؤال التالي مع كل صدور لقانون جديد: هل قامت الجهات التي وضعت التعليمات التنفيذية بقراءة دقيقة للواقع؟ وهل يتوفر لديها المعطيات التي تسمح لها بوضع تعليمات تنفيذية تساهم في تحقيق أهداف وغايات القوانين؟ وهل يتم وضع هذه التعليمات من خلال رؤية واضحة للانعكاسات التنموية والإدارية والفنية لهذه التعليمات؟ أم أن القضية لا تتجاوز رفع العتب؟ وبالطبع، طلب مزيد من الصلاحيات رغم أن الجهات الحكومية أصبحت تعاني من تخمة في حجم الصلاحيات الممنوحة لها، مقارنة مع هزال شديد لحقوق المواطن، فحتى قانون حماية المستهلك لا يمتلك أي حظوظ لتطبيقه بشكل جدي وعملي على أرض الواقع، باستثناء شق العقوبات طبعاً، وذلك في ظل هشاشة التعليمات التنفيذية وعدم انطلاقها من واقع الأسواق، وبالتالي فإننا نتفق مع من ذهب في القول إلى أن القانون لن يؤدي إلا إلى عقوبات أكثر، وشل للحركة الاقتصادية، وذلك في تكرار لتجربة قانون السير السياحي الذي كان عبئا على الجهات المنفذة بسبب عدم جديته، الأمر مشابه بالنسبة لقانون حماية المستهلك، وذلك بسبب أن التعليمات التنفيذية لم تنطلق من واقع الأسواق، وهنا ربما يجب أن نبدي استغرابنا من دور جمعية حماية المستهلك الذي انحاز لوجهة نظر الحكومة، وربما لآليات عملها أيضاً، أما فكرة حماية المستهلك، فيبدو أنها ستصبح واحدة من الشعارات الكثيرة التي يتم تداولها إعلامياً فقط، فلا حماية للمستهلك في ظل قوانين زجرية بعيدة عن الواقع.
ما هو واقع الأسواق السورية؟
لتوصيف واقع السواق السورية سنبدأ بتعداد للكلمات المفتاحية التي وردت في قانون حماية المستهلك وهي التالية: (إنتاج – عرض – توزيع – حيازة – الموردين غير النظاميين – عقد البيع – الفاتورة – المنتج – المستورد – بائع السلعة – مقدم الخدمة – موزع).
تبين قراءة سريعة للنقاط السابقة أن هذه الكلمات المفتاحية هي نفسها التي وردت في قانون التجارة، وبما أن قانون التجارة لم ينفذ بعد، وأعتقد أنه يحتاج لسنوات ليتم تنفيذه بشكل جدي، فقد كان من المبكر جداً طرح تنفيذ قانون حماية المستهلك بشكله الحالي أو على الأقل تفعيل بند العقوبات بالطريقة الحالية قبل تهيئة الأرضية المناسبة.
بالطبع القضية لا تقتصر على النقاط المتعلقة بقانون التجارة (وقانون الشركات المرتبط به – بعد تصحيح الثغرات الكبيرة التي تضمنتها) إذ فيما يتعلق بالجزء الخاص بالمنتجين، لابد من جهد كبير يجب أن يتم عبر وزارة الصناعة لتنظيم وضبط عمل الجهات الصناعية بما ينسجم مع الواقع الجديد، وفيما يتعلق بالمستوردين، فهناك ثغرات كبيرة تجب مناقشتها مع إدارة الجمارك العامة، وأخيراً فيما يتعلق بالموردين والمنتجين غير النظاميين، فهناك جهد وطني يجب بذله للحد من تأثير القطاع غير المنظم على حقوق المستهلك.
أي ببساطة، ليتم تنفيذ البنود (غير الزجرية) في قانون حماية المستهلك – تحتاج كل من وزارتي الصناعة والتجارة لتخصيص مبلغ لا يقل عن (300- 500) مليون ليرة لكل منهما، ولعمل جدي يتراوح بين السنة والسنتين، ومن ثم يقوم القطاع الخاص بتهيئة نفسه للعمل وفق القانون الجديد، وعندها يصبح للتعليمات التنفيذية الخاصة بحماية حقوق المستهلك معنى.
طبعاً هذا الافتراض لا يأخذ بعين الاعتبار المشكلة المزمنة في سوريا والناجمة عن عدم التنسيق بين الوزارات المختلفة، فعلى سبيل المثال، وأثناء إعداد هذه المقالة صدر الخبر التالي: (أصدر الدكتور «محمد الحسين» وزير المالية أمس القرار «2052» المتضمن اعتماد دليل الأنشطة الاقتصادية دليل المهن الذي تم العمل على وضعه وفق طريقة الترميز والتصنيف المستخدمة في التصنيف الصناعي الدولي والمعياري للأنشطة الاقتصادية بإصداره الرابع والصادر عن دائرة الإحصاءات في الأمم المتحدة بمسودة محدثة عن الإصدار الثالث).
طبعاً من حيث المبدأ فكرة إصدار دليل محدث للأنشطة إيجابية، ولكن إن علمنا بوجود ثلاثة تصانيف مختلفة للأنشطة في سوريا وأنه هناك جهات تعمل على توحيد وتنسيق الجهود بين الجهات الثلاث، ومن ثم تأتي جهة رابعة بتصنيف جديد (التصنيف الدولي يحتاج لجهود مشتركة لإسقاطه على الواقع المحلي، وبما أنه هناك تصانيف سابقة، فالمهمة تصبح أكثر صعوبة، ولا يجب أن تبدأ بها جهة ما من الصفر، وذلك كون هذا الطريق مغلق). ولهذا فإن صح الخبر، فنحن أمام مشكلة مشابهة لمشكلة التصنيف المنسق للمواد (Harmonized system) الذي تم اعتماده في سورياولكنه حتى الآن لا يتطابق بين الجهات الحكومية المختلفة (لأسباب مشابهة).
إذاً، الأسواق السورية تعاني من عدم التنظيم، ومن فجوات هائلة في آليات التنظيم، ومن غياب كامل لإدارة فعالة لمعظم مكونات عملية حماية المستهلك، وبالتالي فالتسرع في إصدار التعليمات التنفيذية (بطريقة الصدمة الكهربائية) لن تفيد شيئاً، إلا في منح صلاحيات استثنائية لمجموعة من الأفراد، وهكذا، يتم اختصار الجزء التنفيذي من أي قانون جديد بتشكيل ضابطة عدلية جديدة تساهم في جعل النشاطات المجتمعية أكثر صعوبة، وذلك بسبب الاستخفاف التي تعامل به عملية إصدار التعليمات التنفيذية للقوانين.
وختاماً: ربما تجب الإشارة إلى أننا لم نعد نعلم ما هو الفرق بين التعليمات التنفيذية لقانون السير أو للمدارس الخاصة أو لحماية الغابات أو لحماية المستهلك أو لمنع التعديات على شبكة الكهرباء والهاتف والمياه أو حماية حقوق المؤلف أو التنظيم السكني والعمراني، طالما أنها جميعاً يتم حصرها في مفهوم موظف حكومي يملك القوة والقانون والتعليمات ومواطن مخالف للقانون يجب أن يذهب إلى السجن، وبالتالي غاب مفهوم الشراكة بين المواطن والحكومة في عملية التطوير والتحديث، وفقدت عملية التطوير بالقوانين أهم مقوماتها.
اترك تعليقاً