لقد كان الفقه الجنائي قديماً يقرر أن إعداد أدوات تزييف العملة مع توافر نية استعمالها لا ترقى إلى مرحلة الشروع وإنما مجرد عمل تحضيري غير معاقب عليه وقد تأثرت القوانين القديمة بوجهة النظر هذه(1) . ولا سيما قبل عقد الاتفاقية الدولية . إلا أن وجهة النظر هذه قد تغيرت باعتبار أن هذا الفعل لا يخلو من خطورة فهو الإعداد أو التمهيد اللازم للبدء في التنفيذ لذلك دعت الحاجة إلى تجريم مختلف المراحل الإجرامية وبغض النظر عن النتيجة كما هو الحال في الجرائم الشكلية أو المادية وينظر المشرع إلى السلوك نفسه حتى إذا اعتبره خطراً جرمه وعاقب عليه دون أن يعلق ذلك على النتيجة الجرمية(2). ولذلك نجد أن هناك من التشريعات ما تميز بين فعلي صنع الأدوات وحيازتها فتعتبر صانع الأدوات أشد خطراً على المجتمع من حائزها كقانون العقوبات اللبناني م (448) وقانون العقوبات السوري (118) أيضاً، ومنها ما يحرم صنع أدوات التزييف أو حيازتها بنفس المقدار المقرر لأفعال التزييف والاستعمال كقوانين الإمارات المادة 55 وعمان المادة (194/3) والسوداني المواد (195-196) والقانون البغدادي الملغي في المادة (162) أيضاً(3).
ومن جهة أخرى فان بعض التشريعات تنص على تجريم بعض الأشياء المعينة بالذات باعتبار أنها من أدوات التزييف، نظراً إلى دلالتها الواضحة على الغرض الذي ستستخدم فيها. فالقانون الإيطالي يجرم فعل تقليد الأدوات ذات العلامة المائية التي تستخدم في صنع أوراق الائتمان العامة (مادة 460 عقوبات إيطالي) ، كما يجرم صنع وحيازة علامات مائية أو أدوات مخصصة تخصيصاً مطلقاً في تزييف العملة المعدنية والورقية (م/461) عقوبات إيطالي(4). ولهذا نجد أن المشرع العراقي قد نص في المادة (302/2/ عقوبات عراقي) على ان يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات من صنع أو حاز آلات أو أدوات أو أشياء أخرى مما يستعمل في تقليد أو تزوير الأختام أو السندات أو الطوابع أو تزوير المحررات بقصد استعمالها لغرض من الأغراض المذكورة ، حيث أن هذه المادة لا تطبق ، إذا كان الجاني يبغي من حيازة هذه الأدوات لأغراض ثقافية أو علمية أو صناعية أو تجارية إذ لا يعقل المعاقبة على مجرد حيازة أدوات التزييف بالسجن الذي يصل إلى سبع سنوات في حين يعاقب على الأفعال الواردة في ( المادة 285 ) عقوبات بالحبس الذي لا تزيد مدته على ستة اشهر أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار ، فالمشرع العراقي قصده بالمادة 302/2 عقوبات المعاقبة على الأعمال التحضيرية لجناية تزييف العملة ، فمتى ثبت القصد الجنائي أو الصنع أو الحيازة للأغراض المشروعة ، فيوجد سبب أو تبرير قبول وطبقاً للمادة (285 ع) للسلطة المالية المختصة أن تمنح ترخيصاً بذلك ومثل هذا الترخيص يكون سبب إباحة بالتبعية حيازة وضع الأدوات التي تستعمل في الأغراض المذكورة وبالقيود التي تقررها ، ذلك أن الأذن القانوني يعد سبباً مشروعاً ينفي صفة التجريم ، يضاف إلى هذا يمكن ان تعتبر حيازة أدوات تقليد عمله لأغراض مشروعه وليس على أساس التعامل بالعملة في المجالات المعهودة بها(5).
ولهذا نقترح تعديل العبارة الأخيرة من الفقرة (1) من المادة 285 عقوبات بإضافة فقرة رابعة إليها تشير إلى المعاقبة بذات العقوبة المقررة فيها بالنسبة لطبع أو حيازة أدوات تزييف عمله إذا كان هدف صانعها أو حائزها تحقيق الأغراض الواردة في المادة وذلك لمنع الخلط بين هذه الحالات ، والهدف الذي جاءت به المادة (302/2) عقوبات لمنع استخدام الأدوات في تزييف عملة بهدف دفعها في التداول على أنها عملة صحيحة ، وأخيراً يلاحظ أن المشرع العراقي أراد ان يعاقب على الأعمال التحضيرية استثناء من القواعد العامة بما فعل ذلك من أفعال أخرى كتقليد المفاتيح أو حملها اعتبارها جرائم مستقلة(6). وكذلك المتفق عليه من أحكام المحاكم أن المبادئ الحديثة التي استقر عليها القضاء أيضاً أن هناك شبه إجماع على ان صنع المعدات اللازمة لتزييف العملة أو حيازتها يعد عملاً (مجَرماً) على الرغم من كونه لا يدخل في مرحلة الشروع “استثناءً من المبادئ العامة وذلك حماية للعملة وتوكيد الثقة فيها لهذا قضي في العراق بأن الأدلة الظاهرة على المتهم هي عبارة عن حيازته لآلات ومواد تزييف العملة ولما لم يظهر عليه دليل ، يؤيد بأنه قام بالتزييف فإن المادة (164) عقوبات بغدادي تكون واجبة التطبيق ، بينما المادة (162) عقوبات بغدادي لا تكون واجب التطبيق(7). وفي إنكلترا ضبط شخص وبحوزته كمية من خميرة البورك التي تستعمل عادة في صناعة الورق الخاص بالعملة ، وقد تايد لدى المحكمة أن القصد من ذلك هو القيام بتقليد العملة المزيفة فادين عن جريمة حيازة مواد التزييف(8).
وكذلك الأمر في مصر حيث قضت محكمة النقض تطبيقاً لذلك بأن : (تحضير الأدوات والسبائك اللازمة للتزييف واستعمالها بالفعل في إعداد العملة الزائفة التي لم تصل إلى درجة من الإتقان تكفل لها الرواج في المعاملة هي في نظر القانون من أعمال الشروع المعاقب عليه قانوناً(9). وفي حكم للمحكمة العليا في الاتحاد السوفيتي ، جاء فيه بان قيام المتهم بإعداد قالب من الرصاص لعملة الروبل وعلى الرغم من دفاعه بأنه كان حداداً وأراد أن يعرف كيفية سك العملة من منطق حرفته دون أن ينوي تصريفها إلاّ أن هذا السلوك يكون مجَرماً بنص خاص(10). وقد قضي في أمريكا بان الحيازة المجردة لأدوات التزييف ليست جريمة أو يجب أن تكون هذه الحيازة بقصد الاستعمال كما وقضي بان الحيازة لا تكون قائمة إلاّ إذا رافقها قصد الغش وقصد الاستعمال غير الشرعي تطبيقاً للمادة (474) عقوبات أمريكي(11). فمن يتلقى كلائش لطباعة العملة الورقية (المزيفة) يعتبر حائزاً ،على الرغم من أن الشخص الذي سلمها إليه قد رتب حضور الشرطة ليقبض عليه وقت التسليم لذلك ، أن مجرد الحيازة للأدوات مع قيام قصد الاستعمال على الرغم من عدم استعمالها بسبب ضبط الشرطة للمتهمين وقت تسليمهم الكلائش كاف لقيام الجريمة(12).
________________________
[1]- ينص القانون السويسري في المادة 247 .ع على تجريم فعل صنع أو حيازة أدوات مخصصة لتزييف العملة في حين كانت القوانين القديمة لا تجرم هذه الأفعال باعتبارها لا تمثل أي خطر طالما يصار إلى تزييف العملة وبالتالي وحسب وجهة نظرها فان إيقاع عقوبة على تلك الأفعال كان يعتبر أمرا تعسفياً على خلاف ما هو عليه الأمر في الوقت الحاضر ، انظر الأستاذ حسن سعيد عداي ، المصدر السابق ، ص118.
2- د. مصطفى العوجي ، المسؤولية الجنائية في المؤسسة الاقتصادية ، مؤسسة نوفل ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1982 ، ص103.
3- حيث جرم قانون العقوبات البغدادي فعل صنع أدوات التزييف أو حيازتها وعاقب عليه بنفس عقوبة أفعال التزييف والاستعمال بموجب قانون التعديل المرقم 98 لسنة 1963 ، بعد أن كان يعتبره جنحة ويعاقب عليه بنص خاص في م 164 منه.
4- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق، ص168.
5- احتوت ، العبارة الأخيرة في المادة 285 عقوبات عراقي على تجريم هذا الفعل بقولها (… حازت أدوات التقليد) .
6- انظر المادة (447) عقوبات عراقي التي تنص على ما يأتي : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أولاً : من قلد مفاتيح أو غير فيها أو صنع آلة ما مع توقع استعمال ذلك في ارتكاب جريمة سرقة ، فإذا كان الجاني محترفاً صنع هذه الأشياء تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات .
ثانياً : من وجد بين غروب الشمس وشروقها حاملاً مفاتيح مصطنعه أو آلات أخرى مما يستعمل في كسر الأقفال أو الأبواب أو الشبابيك وكان يحاول إخفاء نفسه او ظهر انه ينوي ارتكاب جريمة السرقة .
7- انظر الأستاذ سلمان ذياب ، القضاء الجنائي العراقي ، 1925-1947 ، الجزء الأول ، القضية 364/ج/32 كركوك.
-8 Rupert Cross and Phillp Asterley Jones، Op. Cit، P. 267.
9- انظر : نقض 17 مايو سنة 1960 مجموعة أحكام محكمة النقض س11 رقم 89 ص463 ونقض 10 مايو سنة 1965 رقم 88 ، ص441 ، دكتورة فوزية عبدالستار ، المصدر السابق، ص199.
0[1]- انظر د. صالح مهدي العبيدي ، تعريب القانون الجنائي السوفيتي ، القسم الخاص ، الطبعة الأولى ، 1984 ، ص107.
1[1]- انظر اللواء الدكتور عادل حافظ غانم ، جريمة صنع وحيازة أدوات التزييف ، بحث منشور في مجلة الأمن العام المصرية ، 4/5/1970 ، ص29.
2[1]- د.عادل حافظ ، المصدر السابق ، ص 29.
المؤلف : نجيب محمد سعيد الصلوي
الكتاب أو المصدر : الحماية الجزائية للعملة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً