نظام الحزبين :
يقوم هذا النظام على اساس وجود حزبين كبيرين في الدولة يتنافسان فيما بينهما للوصول إلى السلطة ، واذا كان هذا النظام يفترض وجود حزبين كبيرين فان هذا النظام لا يمنع من قيام احزاب اخرى تكون قليلة الاهمية بالنسبة لهما وبالتالي يكون تاثيرها ضعيفاً على النظام السياسي(1).وقد نشأ هذا النظام في الدول الانجلوسكسونية (2). وفي مقدمتها بريطانيا (3). والولايات المتحدة الامريكية (4). لظروف خاصة ساهمت في ظهور واستمرار الثنائية الحزبية كالتطور التأريخي للدولة والعادات والتقاليد السائدة وتكوينها الطائفي والعنصري(5). ويعد نظام الانتخاب بالأغلبية البسيطة العامل الاكثر اهمية في الابقاء على نظام الحزبين ، لان هذا النظام الانتخابي يؤدي إلى فوز المرشح إذا ما حصل على اكثر الاصوات أياً كانت نسبتها إلى مجموع اصوات الناخبين التي اعطيت في الدائرة الانتخابية (6) . وقد اثر ذلك تاثيراً واضحاً على الاحزاب الصغيرة وعلى الناخبين ، فلكي تحظى هذه الاحزاب ، ولو بدور محدود في الميدان السياسي ، نجد انها قد تلجأ إلى التحالف مع احد الحزبين الكبيرين ، أو تفضل الدخول إلى الانتخابات بشكل مستقل وعندئذٍ تتجه اصوات غالبية الناخبين إلى مرشحي احد الحزبين الكبيرين خشية من ضياع اصواتهم في حالة التصويت لصالح مرشحي الاحزاب الصغيرة (7)
ويتميز نظام الحزبين بانه يساعد على قيام حكومة مستقرة في الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني لان الحزب الحائز على اغلبية الاصوات يكون بالضرورة حاصلاً على اغلبية المقاعد البرلمانية وتشكل الوزارة تبعاً لذلك من بين اعضائه في حين تقتصر مهمة الحزب الاخر على المعارضة (8). التي يقصد من ممارستها تحقيق الصالح العام ، وباسلوب ديمقراطي يهدف إلى مراقبة ونقد اعمال الحكومة وبرنامجها سعياً إلى الحصول على اصوات الاغلبية في الانتخابات القادمة والعودة إلى الحكم (9) . اما بالنسبة للدول التي تتبنى النظام الرئاسي فإن وصول اغلبية برلمانية تنتمي إلى ذات الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الدولة يؤدي إلى التعاون بين كل من رئيس الدولة والبرلمان ، وبهذا يقترب النظام الرئاسي إلى حد كبير من النظام البرلماني المتبع في بريطانيا ، واذا اسفرت الانتخابات عن اغلبية برلمانية تنتمي إلى حزب اخر غير الحزب الذي فاز بالرئاسة فإن الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يتأكد ويتعزز ، ويبرز النموذج المثالي للنظام الرئاسي (10) .
_______________________________________
1- د. عبد الغني بسيوني عبدالله . النظم السياسية ، بيروت : الدار الجامعية للطباعة والنشر ، 1996 ، ص309 .
2- ان نظام الحزبين وحسب ما يراه بعض الكتاب هو (( نبته نادرة قلما توجد خارج المجتمعات الانكلوسكسونية )) لمزيد من التفصيل ينظر :
Bill Jones and Dennis kavanagh. second edition ، London: K University paperback ، 1983 ، P.P 263 – 270 .
3- تتمثل الثنائية الحزبية في بريطانيا بوجود كل من حزب المحافظين وحزب العمال ، حيث تناوب كل من الحزبين على الحكم منذ عام 1945 وحتى الوقت الحاضر لمزيد من التفصيل ينظر :
NewBook of knowledge political parties. htm. Grolier Multimedia Encyclopedia ، 2000 ، P.P 306 .
4- يتجسد نظام الحزبين في الولايات المتحدة الامريكية في حزبين هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي ، حيث تناوب كل من الحزبين على الحكم منذ عام 1932 إلى الوقت الحالي . لمزيد من التفصيل ينظر :
Directory of Us political parties. htm. 2001 ، P.P 1-14 .
5- د. نعمان احمد الخطيب ، المصدر السابق ، ص549-554.
6-د. سليمان محمد الطماوي . السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الاسلامي ، القاهرة: دار الفكر العربي ، 1967، ص430-431.
7- موريس ديفرجيه ، المصدر السابق ، ص232 . كذلك ، كلودغيو. النظام السياسي والاداري في بريطانيا ، ترجمة عيسى عصفور ، ط1، بيروت: منشورات عويدات ، 1983 ، ص17 .
8- اصبحت معارضةالحزب الثاني في بريطانيا معارضة رسمية منذ عام 1937 وتحمل لقب ( معارضة صاحب الجلالة ) . ينظر : د. صالح جواد الكاظم ود . علي غالب العاني ، المصدر السابق ، ص137 .
9- د. سليمان محمد الصحاوي ، النظم السياسية المصدر السابق، كذلك : د. حسان محمد شفيق العاني ، المصدر السابق ، ص79 .
10- د. سليمان محمد الطماوي ، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة ، المصدر السابق ، ص476 .
نظام الحزب الواحد :
يتجسد هذا النظام بوجود حزب سياسي واحد في الدولة، يحتكر النشاط السياسي فيها من الناحية القانونية والفعلية، ولا يسمح بقيام احزاب معارضة الى جواره(1).ويعد انفراد الحزب الواحد بالعمل السياسي والاداري في الدولة من اهم سمات نظام الحزب الواحد ، بحيث لا يمكن ان يترك الحزب أي نشاط الا ويتدخل فيه ويفرض سيطرته عليه ، وهذا ادى الى جعل الحزب القوة الموجهة للمجتمع والدولة، فضلا عن حصر العضوية في الحزب على فئات محددة من الافراد الذين تتوافر فيهم صفات وشروط خاصة لان اعضاء الحزب الواحد هم طليعة المجتمع(2). ويمثل هذا النظام ظاهرة حديثة نسبيا، فهو التجديد السياسي الذي جاء به القرن العشرين في كل من الاتحاد السوفيتي السابق وايطاليا الفاشية والمانيا النازية ثم ما لبث ان انتتشر في كثير من دول العالم الثالث(3) . ومن الملاحظ ان الدول التي اعتنقت هذا النظام الحزبي قد اختلفت في الاساس النظري الذي يستند اليه نظام الحزب الواحد ، فالاتحاد السوفيتي السابق قد انطلق من مرتكزات الفلسفة الماركسية في بناء نظريته الخاصة بالحزب الواحد، فالاحزاب السياسية ما هي الا تعبير سياسي عن مصالح الطبقات الاجتماعية المختلفة، ولما كانت النظرية الماركسية ترمي الى القضاء على جميع الطبقات والابقاء على الطبقة العاملة فانه لم يعد هنالك مبرر لتعدد الاحزاب ، بل ان المجتمع السوفيتي لا يمكن ان يعيش الا في ظل نظام الحزب الواحد(4). وقد جسد الدستور السوفيتي الصادر عام 1977 هذا المفهوم في م (6) منه، حيث نص على ان ((يتحد المواطنون الأكثر نشاطاً ووعياً في الطبقة العاملة في الحزب الشيوعي السوفيتي الذي يعد طليعة العمال في كفاحهم من اجل تثبيت النظام الاشتراكي وتطويره، والذي يمثل نواة التوجيه لكل تنظيمات العمال الاجتماعية والحكومية))(5). اما بالنسبة لايطاليا والمانيا التي شهدت كل منهما تطبيق نظام الحزب الواحد تمثل في سيطرة الحزب الفاشي في ايطاليا والحزب النازي في المانيا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين انطلاقا من مبادئ النظرية الفاشية والنظرية النازية اللتين اسستا وحدة الأمة على وحدة الحزب، لأن ضياع وحدة الأمة ومصالحها امر مؤكد في ظل نظام تتعدد فيه الاحزاب بسبب تغليب المصالح الخاصة بتلك الاحزاب على الصالح العام، مما يؤدي الى عجز الحكومة عن تنفيذ برامجها لأنها وبلا شك سوف تتعارض مع برنامج وأهداف حزب من الأحزاب المتعددة(6) .
وفيما يتعلق بدول العالم الثالث فقد تنوعت التبريرات التي حاولت ان تسوغ اعتناق نظام الحزب الواحد ، حيث انطلقت هذه المسوغات من واقع تلك الدول وما شهدته ابان خضوعها للهيمنة الاستعمارية ، او بعد تحررها واستقلالها وما واجهته من صعوبات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ان حركات التحرر والكفاح ضد الاستعمار تتطلب توحيد جميع القوى السياسية في تنظيم واحد بدلا من التشتت والانقسام بين احزاب متعددة متصارعة(7) . فضلا عن ان مشكلات التنمية الشاملة تحتاج الى التنظيم ذاته لقدرته على تهيئة الكوادر اللازمة لتسيير اجهزة الدولة ، وذلك يرجع الى الاعتقاد بأن اعضاء الحزب الواحد الذين واجهوا الاستعمار قادرون على ادارة كافة مرافق الدولة السياسية والادارية(8). وتبرز هيمنة الحزب الواحد في الميدان السياسي والاداري من خلال سيطرته على العملية الانتخابية والصحافة وحريات الأفراد ، حيث ينفرد الحزب في اختيار المرشحين وانتخابهم فلا يترك امام الناخبين فرص اختيار حرة كما يستقل الحزب باختيار اعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في الجهاز التنفيذي للدولة(9) .ويحكم الحزب الواحد قبضته على الصحافة من خلال عملية الرقابة السابقة على المواد التي تنشرها، ويجعل من الصحافة وسيلة دعاية وتحبيذ لأفكار الحزب وسياساته(10) .وكذلك الحال مع سائر الحقوق والحريات التي لا يمكن ان تمارس الا في الحدود التي يقرها الحزب ، وبذلك تتحول الحريات العامة الى مجرد هبة من قيادات الحزب الواحد .وتأسيسا على ما تقدم يمكننا ان نطرح التساؤل الآتي هل يتلاءم نظام الحزب الواحد مع المبادئ الديمقراطية؟ للاجابة عن هذا التساؤل يمكننا ان نميز بين رأيين:
الاول نادى به معظم الفقهاء الغربيين ، حيث ساد الاعتقاد لديهم بان نظام الحزب الواحد يتنافى مع الديمقراطية التي لا يمكن الحديث عنها الا في ظل نظام يقر بفكرة التعدد الحزبي والمعارضة(11). واذا كانت الدكتاتوريات القديمة تظهر بمظهر الطغيان الفردي فان من اهم ما تسعى اليه الدكتاتوريات الحديثة ان يكون وجودها مستندا الى مجموعة متحدة من الافراد تحت لواء حزب قوي لا يقبل المشاركة والمنافسة في الحكم(12) .
فيما ذهب انصار الرأي الثاني الى عدم وجود تناقض بين الديمقراطية وبين نظام الحزب الواحد طالما كان الحزب الواحد جماهيرياً، وقد ساد هذا الرأي في بعض الأوساط السياسية لدول العالم الثالث منطلقا من ان الحزب الجماهيري يتيح المشاركة السياسية اليومية للجماهير في حين تنحصر هذه المشاركة في ظل نظام يأخذ بالتعددية الحزبية في العملية الانتخابية دون سواها(13) .
ونحن نرى انه على الرغم من اختلاف مفهوم الديمقراطية من دولة الى اخرى ومن وقت لآخر الا انه يوجد هنالك حد ادنى ومظاهر يتعين توافرها للقول بوجود الديمقراطية من عدمه كالتداول السلمي للسلطة ، وصيانة حقوق وحريات الافراد. والملاحظ ان معظم انظمة الحزب الواحد التي شهدتها الدول –في الماضي والحاضر- قد ظهرت بمظهر تسلطي صادرت فيه حقوق وحريات الأفراد ، وحتى بالنسبة لدول العالم الثالث فان الوصول الى نظام الحزب الواحد لم يخل من اتباع اجراءات تعسفية وقسرية لتصفية باقي الاحزاب الموجودة في الحياة السياسية للبقاء في الحكم اطول فترة ممكنة ، وهذا يدحض الكثير من آراء المدافعين عن نظام الحزب الواحد في هذه الدول .وعلى هذا الأساس يمكننا ان نلاحظ التناقض بين ما يرتكز إليه نظام الحزب الواحد وبين ما تتضمنه المبادئ الديمقراطية ، مما حمل الكثير من الدول الى هجره والاقرار بنظام التعددية الحزبية على المستويين الدستوري والقانوني ، فقد الغت دول اوربا الشرقية جميع النصوص الدستورية التي تكرس نظام الحزب الواحد فيها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بدعوى انها تتعارض مع نظام التعددية الحزبية الذي تبنته هذه الدول(14). وكذلك الحال في معظم دول العالم الثالث كبنغلادش وتشاد والنيبال في عام 1990، وبورما في عام 1991(15).
_____________________________
1-د. كريم يوسف احمد كشاكش. الحريات العامة في الانظمة السياسية المعاصرة، الاسكندرية: منشأة المعارف، 1987، ص570.
كذلك : د. رياض عزيز هادي، المصدر السابق، ص45.
2- د. فؤاد العطار، النظم السياسية والقانون الدستوري، القاهرة: دار النهضة العربية، 1973، ص388.
3- د. محمد المشهداني، المصدر السابق ، ص292.
4- د. محمد عصفور . ازمة الحريات في المعسكرين الشرقي والغربي ، ط 1 ، القاهرة: مطبعة لجنة البيان العربي، 1961، 174-175.
كذلك: موريس ديفرجيه، المصدر السابق ، ص268.
5- ينظر كذلك: نص المادة (126) من الدستور السوفيتي الصادر عام 1936.
6-د. الشافعي أبو راس، المصدر السابق ، 238.
7- د. رياض عزيز هادي، المصدر السابق، ص46.
8- د. محمد كاظم المشهداني، المصدر السابق، ص291-293.
ولمزيد من التفصيل ينظر: د. رياض عزيز هادي ، المشكلات السياسية في العالم الثالث، بغداد : دار الحرية للطباعة ، 1979، ص89 وما بعدها.
9- د. سليمان محمد الطماوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة، المصدر السابق، ص433.
10- لمزيد من التفصيل ينظر: ميثم حنظل شريف، التنظيم الدستوري والقانوني لحرية الصحافة في العراق، دراسة مقارنة في المطبوع الدوري، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة الى كلية القانون، جامعة بغداد، 1999، ص22-24.
11- د. احمد سويلم العمري. السياسة والحكم في ضوء الدساتير المقارنة ، القاهرة: المكتبة الانجلومصرية بدون تاريخ ، ص314.
12- د. ماجد راغب الحلو. القانون الدستوري، الاسكندرية: مؤسسة شباب الجامعية، 1976، ص107.
وتأكيدا لهذا الراي يقول الاستاذ (موريس ديفرجيه) بأن ((نظام الحزب الوحيد ليس الا تكييف للديكتاتورية المتولدة في اطار ديمقراطي))، موريس ديفرجيه، المصدر السابق ، ص262.
13- د. الشافعي أبو راس، المصدر السابق، ص284-285.
14- د. صالح جواد الكاظم و د. علي غالب العاني، المصدر السابق، ص130.
15- لمزيد من التفصيل ينظر: د. رياض عزيز هادي ، العالم الثالث من الحزب الواحد الى التعددية ، المصدر السابق، ص62-72.
المؤلف : ميثم حنظل شريف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري والقانوني للاحزاب السياسية في العراق
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً