سنتولى من هذا الموضع من الدراسة بحث موضوع التنظيم القانوني لمصادر تمويل الأحزاب السياسية في كل من فرنسا ومصر والاردن واليمن والجزائر . ولغرض الاحاطة بهذا الموضوع في فرنسا يتعين علينا ان نميز بين مرحلتين :
المرحلة الاولى : وتتمثل في الفترة التي صدر وطبق فيها قانون الجمعيات 1901 .
والمرحلة الثانية : وتمثلت بصدور قانون (( الشفافية المالية للحياة السياسية )) في 11/3/1988 (1) .
فقد اشار قانون الجمعيات 1901 في م (6) إلى التمويل الخاص حيث نصت على ان (( كل الجمعيات يمكنها دون الحاجة إلى تصريح خاص ان تتملك بمقابل وتدير في الاقسام الادارية والمقاطعات :
1-اشتراكات اعضائها على الا تزيد مبالغها عن (10000) آلاف فرنك .
2-المكان المخصص لإدارة الجمعية ولاجتماعات اعضائها .
3-العقارات اللازمة لتحقيق اغراضها )) .
والغاية من تحديد حد اقصى للاشتراكات هي ان المشرع قصد إلى منع الجمعيات من الحصول على تبرعات تحت ستار اشتراكات مبالغ فيها (2). ويتضح من نص م(6) ان المشرع الفرنسي لم يسمح للأحزاب السياسية بقبول الهبات أو الوصايا لان اكتساب الاموال دون مقابل غير مسموح به الا للجمعيات ذات النفع العام (3)ز ولم يضف قانون 1901 هذا الوصف على الجمعيات السياسية . أما التمويل العام للأحزاب السياسية فلم يتناوله قانون 1901 بالتنظيم غير ان فرنسا شهدت تطبيقات لهذا النوع من التمويل في ظل الجمهورية الرابعة وتمثل بدفع نوع من الاعانة لكل المرشحين في بداية الحملة الانتخابية على ان ترد إلى الدولة في حالة عدم نجاح المرشح في الانتخابات (4)ز في حين تجسد التمويل العام غير المباشر في منح الأحزاب السياسية اعفاءات ضريبة تقدر بنسبة خصم تصل ما بين (24% إلى 50% ) من ايراداتها التي تحصل عليها من تأجيرها واستغلالها لعقاراتها المبنية وغير المبنية فضلاً عن الاعفاءات المقررة على ما تحتاجه الأحزاب السياسية من مواد اولية لازمة لا صدار الصحف والمطبوعات (5) .
أما المرحلة الثانية والمتمثلة بصدور قانون 11/3/1988 الذي كُرست معظم احكامه لتنظيم موضوع التمويل العام للأحزاب والجماعات السياسية وحملاتها الانتخابية ، إلا ان ذلك لا يعني خلو هذا القانون من الاشارة إلى التمويل الخاص للأحزاب السياسية ، حيث نجد ذلك واضحاً في م (7) والتي نصت على ان (( الأحزاب والجماعات السياسية تتكون وتمارس نشاطها بحرية وتتمتع بالشخصية المعنوية ولها الحق في الالتجاء إلى القضاء كما ان لها حق اكتساب الاموال الثابتة والمنقولة بدون مقابل وبمقابل ، ولها ان تمارس كافة الاعمال التي تتفق مع انشطتها وخاصة انشاء وادارة الصحف والمعاهد التثقيفية في حدود القوانين المنظمة لذلك )) وقد تضمن هذا القانون منح اعانة من الدولة إلى الأحزاب السياسية تتناسب مع عدد النواب الذين يمثلون الحزب في أي من مجلسي البرلمان دونما اشتراط حد ادنى لها . وهذا يعني حرمان الأحزاب التي ليس لها نواب في الجمعية الوطنية من هذه الاعانة مما يبرر وجهة نظر المشرع الفرنسي إلى وظائف الأحزاب السياسية حيث يحصرها بالعملية الانتخابية وما يسفر عنها من نتائج دون غيرها من الوظائف ، الا ان المشرع الفرنسي تخلى عن موقفه هذا وتمثل ذلك بصدور قانون 15/1/1990 الذي دخل حيز النفاذ في 20/8/1993 ، وقد قسم هذا القانون الاعانة المالية المقدمة من الدولة إلى قسمين متساويين : الاول : تحصل عليه الأحزاب التي تقدم مرشحين في (50) منطقة انتخابية في الاقل بشرط حصول مرشحي الحزب على (5%) أو اكثر من مجموع اصوات الناخبين ، اما القسم الثاني من الاعانة فتستفاد منه الأحزاب السياسية التي لها تمثيل في الجمعية الوطنية بشكل يتناسب مع اعداد النواب والشيوخ المنتمين إلى كل حزب من هذه الأحزاب (6).
وهذا يعني ان الأحزاب ذات التمثيل البرلماني سوف تحصل على كل المعونة المقدمة من الدولة مما يفضي إلى حرمان الأحزاب السياسية المعبرة عن التيارات والاتجاهات الحديثة . وبغية تجنب هذا النقد سارع المشرع الفرنسي إلى اصدار قانون 19/1/1995 الذي تضمن منح الأحزاب السياسية التي لم تحصل على أي قسم من الاعانة … مساعدة مالية قدرها (2) مليون فرنك بشرط حصول الحزب في غضون عام كامل على هبات من (10000) شخص طبيعي على الاقل بمبلغ اجمالي قدره مليون فرنك على الاقل ، على ان يكون من بين الواهبين ما لا يقل عن (500) منتخب من (30) مقاطعة (7). مما تقدم يتضح لنا ان المشرع الفرنسي ، في قانون 1995 ، قد تخلى عن شرط عدد المناطق الانتخابية التي يقدم فيها الحزب مرشحيه ، وشرط التمثيل في الجمعية الوطنية واعتمد معياراً جديداً لمنح الاعانة يضمن التعرف على حجم التأييد الشعبي للحزب السياسي من خلال عدد المتبرعين له في المقاطعات الفرنسية . اما قانون الأحزاب السياسية المصري رقم (40) لسنة 1977 فقد اشار إلى التمويل الخاص للاحزاب السياسية في م (11) التي نصت على ان (( تتكون موارد الحزب من اشتراكات وتبرعات اعضائه وحصيلة عائد استثمار امواله في الاوجه غير التجارية التي يحددها نظامه الداخلي ولا يعتبر من الاوجه التجارية في حكم هذه المادة استثمار اموال الحزب في اصدار صحف أو استغلال دور النشر أو الطباعة إذا كان هدفها الاساس خدمة اغراض الحزب ، ولا يجوز قبول أي تبرع أو ميزة أو منفعة من اجنبي أو من جهة اجنبية أو من أي شخص اعتباري ولو كان متمتعاً بالجنسية المصرية . ولا تخصم قيمة التبرعات التي تقدم للأحزاب من وعاء اية ضريبة نوعية أو من وعاء الضريبة العامة للافراد )) .
يلاحظ من النص المتقدم ان المشرع المصري حصر التبرعات المقدمة إلى الحزب بأعضائه دون سواهم ، كما انه نص على عدم خصم قيمة هذه التبرعات من وعاء اية ضريبة ، وهذا بلا شك سيؤدي إلى التقليل من اندفاع الاعضاء على التبرع لانه في هذه الحالة سيعامل كحالة استهلاكية من الناحية الضريبية (8). وقد حظر المشرع المصري استثمار اموال الحزب في الاوجه التجارية انطلاقاً من ان الأحزاب لا تعد من قبيل المؤسسات التجارية فالأحزاب السياسية ما هي الا مؤسسات للتعبير عن آراء الجماهير فضلاً عن عدها وسيلة للتثقيف السياسي والاجتماعي . اما التمويل العام فلم يشر اليه المشرع المصري الا في م(13) التي اشارت إلى حالة من التمويل العام غير المباشر حينما قضت باعفاء المقرات والمنشآت المملوكة للحزب وامواله من جميع الضرائب والرسوم العامة . ومن الجدير بالملاحظة ان الاعفاء الذي تضمنته م (13) لا يسري على جميع الأحزاب حيث اشترطت م(18) ان تكون للحزب (10) مقاعد على الاقل في مجلس الشعب لضمان استمرار انتفاعها به . وقضت م (14) بعد اموال الحزب السياسي في حكم الاموال العامة لتطبيق احكام قانون العقوبات . اما قانون الأحزاب السياسية الاردني رقم (32) لسنة 1992 فقد اشار إلى مصادر تمويل الأحزاب السياسية في م (19) التي نصت على ان (( أ. 1. على الحزب الاعتماد الكلي في موارده المالية على مصادر اردنية محلية معروفة ومعلنة ومحددة .2. للحزب قبول الهبات والتبرعات من المواطنين الاردنيين فقط على ان لا تزيد قيمة ما يقدمه الشخص الواحد عن خمسة الاف دينار سنوياً. 3. للحزب استثمار امواله وموارده داخل المملكة بالطرق التي يراها مناسبة على ان تكون معلنة ومشروعة وان لا يكون الهدف من ذلك تحقيق أي كسب أو مصلحة شخصية لأي اعضاء الحزب. ب . تعفى مقار الحزب من جميع الضرائب والرسوم الحكومية التي تترتب على الاموال غير المنقولة. ج . لغايات تطبيق احكام قانون العقوبات تعتبر اموال الحزب بحكم الاموال العامة….))
من دراسة النص السابق يمكننا ان نورد الملاحظات الآتية:-
1. اشار النص إلى التمويل الخاص للأحزاب السياسية من خلال السماح لها بقبول الهبات والتبرعات، وحسناً فعل المشرع الاردني حينما لم يقصر تقديم الهبات والتبرعات على اعضاء الحزب فقط لان هذا سيساهم في زيادة الموارد المالية للأحزاب السياسية غير انه اغفل الاشارة الى الاشتراكات التي يدفعها اعضاء الحزب على الرغم من عدها احد المصادر الرئيسية في تمويل الأحزاب السياسية.
2. اباح النص للأحزاب السياسية في مجال التمويل الخاص ان تستثمر اموالها ومواردها داخل المملكة الاردنية دون ان يمنعها من مزاولة الاعمال التجارية ، فعبارات نص ف (3) وردت مطلقة وغير مقيدة الا بان تكون طرق هذا الاستثمار علنية ومشروعة وان يكون الهدف منها تحقيق كسب ووفر مالي للحزب بأجمعه .
3. اشارت ف(ب) إلى التمويل العام غير المباشر وتمثل ذلك باعفاء مقرات الحزب من جميع الضرائب والرسوم المترتبة على الاموال غير المنقولة .
4. لم يتضمن هذا النص اشارة إلى منح الأحزاب السياسية اعانة مالية من قبل الدولة ، وهذا يفضي إلى اعتمادها على مصادر التمويل الخاصة التي لا تكفي في معظم الحالات لتغطية نفقاتها اللازمة للقيام بأنشطتها سواء اكان ذلك في اثناء خوض الانتخابات العامة أم في غيرها من الاوقات . وقد نظم قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمني رقم (66) لسنة 1991 مصادر تمويل الأحزاب السياسية في الباب الرابع منه ، والذي حمل عنوان (( الموارد والاحكام المالية )) حيث نصت م (17) على ان (( تتكون موارد الحزب أو التنظيم السياسي مما يلي :
أ . اشتراكات وتبرعات اعضائه .
ب . الاعانات المخصصة من الدولة .
ج. حصيلة عائد استثمار امواله في المجالات الغير تجارية ولا يعتبر من الأوجه التجارية بحكم هذه المادة استثمار اموال الحزب أو التنظيم في اصدار صحف أو استغلال دور النشر أو الطباعة إذا كان هدفها الاساسي خدمة اغراض الحزب أو التنظيم السياسي .
د. الهبات والتبرعات ولا يجوز للحزب أو التنظيم السياسي قبول أي تبرع أو ميزة أو منفعة من غير يمني أو من جهة غير يمنية أو من أي شخص اعتباري ولو كان متمتعاً بالجنسية اليمنية . . . . ولا تخصم قيمة التبرعات التي تقدم للاحزاب والتنظيمات من وعاء أي ضريبة على الدخل )) .
فيما نصت م(18) على ان (( تقترح لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية على مجلس الوزراء مقدار المبلغ الاجمالي للاعانة التي تقدمها الدولة للاحزاب والتنظيمات السياسية طبقاً لاحكام هذا القانون ويدرج هذا المبلغ بعد اقراره في مشروع الموازنة العامة للدولة )) في حين تكلفت م(19) ببيان طريقة توزيع المبلغ الاجمالي للاعانة المقدمة من الدولة على الأحزاب السياسية ، ويتم ذلك على النحو الآتي :
أ . (25%) بصورة متساوية على الأحزاب والتنظيمات السياسية التي لها تمثيل في مجلس النواب.
ب . (75%) على سائر الأحزاب والتنظيمات السياسية وفقاً لعدد الاصوات التي حاز عليها مرشحوها في الدورة الانتخابية لمجلس النواب ولا يستحق الحزب أو التنظيم السياسي نصيباً من هذه النسبة إذا كان مجموع عدد الاصوات التي حاز عليها مرشحوه تقل عن (5%) من مجموع الاصوات .
ومن خلال نص م(19) يمكننا ان نلاحظ مدى تأثر المشرع اليمني بالاحكام الواردة في قانون 15/1/1990 الذي سنه المشرع الفرنسي لبيان الطريقة التي يتم بها توزيع الاعانة الممنوحة من الدولة إلى الأحزاب السياسية . وجاءت م(20) لتؤكد بان (( لا يجوز في جميع الاحوال ان تتجاوز الاعانة التي تقدمها الدولة وفقاً لاحكام المواد السابقة اجمالي الاشتراكات السنوية لاعضاء الحزب أو التنظيم السياسي وتؤول إلى الخزانة العامة اية زيادة تقرر كإعانة عن هذه النسبة)). ولا نرى أي مسوغ لأيراد مثل هذا الحكم بعد ان اعتمد المشرع اليمني كل من معيار التمثيل في مجلس النواب ومعيار نسبة الـ (5%) من مجموع الاصوات في الانتخابات كأسس لتوزيع الاعانة الممنوحة من الدولة ، ونرى ان يقتصر نطاق تطبيق هذا النص على الأحزاب التي ليس لها تمثيل في مجلس النواب ولم تحصل على نسبة الـ (5%) من مجموع اصوات الناخبين في انتخابات مجلس النواب . وتضمنت م(28) اعفاء مقرات الحزب والمنشآت المملوكة له وامواله غير الاستثمارية من جميع الضرائب والرسوم . اما قانون الأحزاب السياسية الجزائري رقم 9-97 الصادر في 6/3/1997 فقد تناول بالتنظيم مصادر تمويل الأحزاب السياسية بموجب احكام الباب الثالث منه ، والذي حمل عنوان (( احكام مالية )) ، حيث جاءت م (27) بنص عام بينت فيه مصادر تمويل الأحزاب السياسية فيما تكفلت المواد (28-33) ببيان شروط وتفاصيل كل منها . فقد نصت م(27) على ان (( يمول نشاط الحزب السياسي بالموارد التي تتكون مما يأتي :
– اشتراكات أعضائه.
– الهبات والوصايا والتبرعات .
– العائدات المرتبطة بنشاطه .
– المساعدات المحتملة التي تقدمها الدولة )) .
واشارت م (28) إلى ضرورة دفع اشتراكات اعضاء الحزب السياسي بالعملة الوطنية فقط، بما فيها اشتراكات الاعضاء المقيمين في الخارج على ان الا تتجاوز نسبة (10%) من الاجر الوطني الادنى المضمون عن كل عضو في الشهر . في حين نصت م (29) على ان (( يمكن للحزب السياسي ان يتلقى الهبات والوصايا والتبرعات من مصدر وطني على ان يصرح بها إلى الوزير المكلف بالداخلية ويبين مصدرها واصحابها وطبيعتها وقيمتها )) وقضت م(30) بعدم جواز تلقي الهبات والوصايا والتبرعات الا من اشخاص طبيعيين معروفين ، بشرط ان لا تتجاوز (100) مرة الاجر الوطني الادنى المضمون عن التبرع الواحد في السنة الواحدة . فيما حظرت م (31) على الحزب السياسي ان يتلقى مباشرة أو بصفة غير مباشرة دعماً مالياً أو مادياً من اية جهة اجنبية بأية صفة كانت وباي شكل كان . اما العائدات المرتبطة بنشاط الحزب فقد اجازت م(32) ان يكون للحزب السياسي عائدات من استثمارات غير تجارية حيث منعته من ممارسة أي نشاط تجاري. وفيما يخص الطريقة التي تحدد بها حصة كل حزب من المساعدة المالية الممنوحة من الدولة فقد بينتها م(33) بحسب عدد المقاعد التي يحصل عليها الحزب السياسي في البرلمان .
__________________________________
1- Claude Leclercq ، op . cit ، P 150 .
2- د. سعد عصفور ، حرية تكوين الجمعيات ، المصدر السابق ، ص139 .
3- المصدر نفسه ، ص141 .
4- د. الشافعي أبو راس ، المصدر السابق ، ص341 .
5- Georges Burdeau ( and others ) . manuel de Droit Constitutionnel ، Paris : L.G.D.J. 1997 ، P 477.
6- أدت هذه الشروط إلى زيادة عدد المرشحين للجولة الاولى من الانتخابات التشريعية فبعد ان كان عددهم (2880) مرشح عام 1988 وصل العدد على (5169) مرشح عام 1993 و (6300) عام 1997 ، حيث بادرت الأحزاب إلى التقدم باعداد كبيرة من المرشحين حتى لو لم تكن هنالك فرصة في فوز اغلبهم
Georges Burdeau (and others) ، op. Cit ، P 476 .
7- وضع هذا القانون حد اعلى لمجموع التبرعات المقدمة من شخص طبيعي إلى نفس الحزب في عام كامل بما لا يزيد على (50000) فرنك في حين منع الأحزاب من قبول اية تبرعات من الاشخاص المعنوية في محاولة منه للحد من تاثير المؤسسات التجارية عليهاIbid ، p. p ، 476-477 . .
8- د. حسن البدراوي ، المصدر السابق ، ص571 .كذلك : د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، المصدر السابق ، ص543-544.
المؤلف : ميثم حنظل شريف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري والقانوني للاحزاب السياسية في العراق
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً