في التعويض على المالكين
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
مضى أكثر من نصف قرن على صدور قانون ذاع صيته للأثر الكبير الذي أحدثه في الحياة الاجتماعية السورية. إذ قلبها رأسا على عقب, و أضحى جديرا بأن يقال عنه القانون الانقلابي, بكل المعنيين الحرفي و المجازي للكلمة صدر هذا القانون, بهدف القضاء على الملكيات الكبيرة للأراضي الزراعية وعلى طبقة اجتماعية كان لها دورها الوطني و القومي في خمسينيات القرن الماضي و التي سميت بطبقة الإقطاع في أدبيات الأحزاب الثورجية و الاشتراكوية و التي وجهت لهذه الطبقة أكبر الاتهامات و الصفات كالرجعية و المتخلفة و العميلة و ذنب الاستعمار و جند الثورة المضادة و أعداء الثورة الاشتراكية ..الخ
واجهت تلك الأحزاب الصراع الطبقي يشكل طفولي عبثي خال من الفائدة و المعنى وحوصرت تلك الطبقة و حوربت وسحقت معها الطبقة الوسيطة و استمر ذلك حتى على أبنائها و أحفادها الذين حملوا وزر تلك المرحلة التي لا علاقة لهم بها و أحالوا حياتهم إلى جحيم و بؤس بسياسات منهجية الغاية منها التهميش و الإلغاء و حقن الناس بكلمات الحقد و الكراهية فصفق و هلل المنتفعون كما جاء في متن أحكام هذا القانون بصدور هذا القانون دون أن يعوا ما هي الاشتراكية و دون أن يكون الإقطاع كما سموه قد عاملهم بهذه الروح العدائية و الحاقدة و صعد على السلم الاجتماعي و الوظيفي من شكل طبقة الإقطاع الجديد الذي ظل ولازال يزايد على الآخرين لتحقيق مصالح و غايات ذاتوية و أنانية مترفعين و متعالين على الجميع بمن فيهم هؤلاء البائسين الذين انتفعوا بالأرض الذين صاروا يترحمون على زمن الخمسينيات من القرن الماضي الذي كان خاليا من السمسرجية و الانتهازيين و اللصوص المتسلحين بماض نضالي مزور و المرتشين الذين يبيعون الوطن بحفنة من الأوراق المالية و الذين امتلكوا القصور و المزارع.
صدر ذلك القانون تحت عنوان قانون الإصلاح الزراعي رقم\161 لعام 1985 مضى نصف قرن على صدوره و تنفيذه الانتقائي و الانتقامي فصار مصدرا لزوبعة قرارات و قوانين مرتبكة تناولت مواده إلغاء مرة و تعديلا مرة أخرى كل ذلك باسم الاشتراكية و المجتمع الاشتراكي و كأن الاشتراكية هي حرمان طبقة لحساب طبقة أخرى فقد نفذت مواد القانون جميعها باستثناء المادتين 9 و 10 من القانون المذكور فالمادة الأولى حددت الحد الأعلى للملكية وبموجب المادة الخامسة منه استولت على الزائد عن حد الملكية و ذلك خلال خمس سنين تالية لتنفيذه .
و تم تأجيل تنفيذ المادتين 9 و 10 بحجة عدم انتهاء عمليات الاستيلاء بموجب القرار رقم1 الصادر عن مجلس الإدارة بتاريخ 5\1\1965 حيث جاء في الفقرة السادسة من مادته الثانية :
* إرجاء تقدير قيم الأراضي و المهمات المستولى عليها طبقا لأحكام القانون إلى حين الانتهاء من عمليات الاستيلاء و تصفية علاقة المالكين نهائيا بالوزارة.
و استغرق الاستيلاء 48 عاما ومن يدري إلى متى سيدوم لان الدولة اعتادت أن تأخذ دائما دون أن تعطي أبدا فالمادة 9 من القانون قضت بالتعويض لمن تم الاستيلاء على أرضه وان التعويض تقدره لجان بدائية تشكل في كل محافظة بقرار من وزير الزراعة مؤلفة من قاض و مهندس زراعي و مهندس مدني و أن التعويض يقدر على أساس عشرة أمثال متوسط بدل إيجار الأرض لدورة زراعية لا تتجاوز ثلاث سنوات و المادة العاشرة قضت بأن هذا التعويض يؤدى بسندات على الخزينة بفائدة 1,5% تسهلك خلال 40 عاما و مضى الأربعون عاما وزاد عليها ثمانية لم تشكل اللجان ولم تسدد قيمة التعويض و انتظر المالكون الذين استهدفهم هذا القانون تطبيق تلك المادتين و انتظروا تعويضهم عن فقدان أراضيهم و اغلبهم قد قضى و قضى قسم كبير من الوارثين و انتقل الحق إلى آلاف من الأحفاد و الذين ساد لدى أغلبهم بأنهم لن يشهدوا زمن تنفيذ هاتين المادتين من ذلك القانون. وبين يأس و رجاء مسئول يطمئن و مسئول يغلق بوابات الأمل و وعود تلو الوعود و إشاعة تلحقها إشاعة ولكن لا بصيص ولا فسحة من أمل فقد التزم البعض منهم الحكمة القائلة : لا ينفع تكلم بحق ى نفاذ له.
و يصدر القرار280 بتاريخ \ 1\2\2006 فيبث فيهم الأمل من جديد حيث قضى بتشكيل اللجان الأولية المناط بها تقدير التعويض على أساس عشرة أمثال متوسط بدل إيجارالأرض لدورة زراعية لا تتجاوز ثلاث سنوات (سابقة على تاريخ محض الاستيلاء) وهذه الفقرة بين قوسين هي من إضافة للسيد الوزير على المادة التاسعة من القانون161 لعام 1958فقد خيّبت الآمال بجبر الضرر جرّاء التقاعس و الإرجاء من قبل الإدارة و عدم تنفيذ مادتي القانون مؤجلتي التنفيذ علما أن القرار لم يعلن ساعة الصفر لبدء عمل اللجان الأولية وترك الباب مفتوحا إلى مدى عير معلوم فلماذا يا سيادة الوزير؟ و الحقوقيون يعلمون أن خطأ الإدارة لا يفترض بل يكون.
إذا استمر تقاعس الإدارة عن تنفيذ القانون لمدة طويلة و تفاقم الضرر فإنها تكون عرضة لأحكام المادة \ 164 \ من القانون المدني التي نصها: كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض و أن التعويض و الحالة هذه يكون على أساس أحكام المادة 222 من القانون المدني بحيث يكون جابرا للضرر شاملا ما لحق من خسارة و ما فات من كسب على السيد الوزير أن يعلم أنه تحت القانون لا فوقه و أنه لا يمكن له أن يعدل مادة قانونية بقرار فالقانون لا يعدل إلا بقانون.
ثم هنالك مبادئ العدالة الطبيعية فسعر الصرف الليرة السورية و أسعار الأراضي كم تغيرت منذ ذلك التاريخ؟ كما أن القضاء السوري استقر على أن التعويض يحسب في زمن الادعاء أو صدور الحكم.
فاعلم يا سيدي الوزير أن التقدير يحسب في زمن التقدير.
اترك تعليقاً