لمبدأ الفصل بين السلطان معنيان أساسان، أحدهما: الاستقلال العضوي. ويقصد به أن يكون لكل سلطة من السلطات الثلاث في الدولة استقلالها الذاتي في مواجهة السلطتين الأخريتين. وبذلك تبنى العلاقة بين هذه السلطات على أساس عدم التدخل. أما الآخر : فهو التخصص الوظيفي. أي أن يختص كل سلطة من السلطات الثلاث بممارسة وظيفة محددة بذاتها. فتقتصر وظيفة السلطة التشريعية على سن تشريعات والتي هي قواعد عامة مجردة. ومن ثم ليس لها أن تباشر عملاً يدخل في وظيفة إحدى السلطات الأخرى. كما تقتصر وظيفة السلطة التنفيذية على إصدار القرارات الإدارية، وليس لها أن تباشر عملاً تشريعياً وقضائياً. وكذلك الأمر في اقتصار وظيفة القضاء على الفصل في الخصومات(1).
وقد أكدت هذا المعنى محكمة تمييز العراق في قرار لها جاء فيه: (( ولما كان الدستور المؤقت للجمهورية العراقية يقوم على ثلاث سلطات، وهي السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ولكل واحدة من هذه السلطات واجباتها المحددة في الدستور والقوانين الأخرى فأنه يكون طبيعياً ألا تتدخل إحداها في حقوق سلطة أخرى إلا بنص قانوني عملاً بنظرية فصل السلطات التي أخذ بها الدستور المؤقت))(2). وإن الدول ذات النظام الرئاسي أخذت بالفصل التام بين هذه السلطات، في حين أخذت الدول ذات النظام البرلماني بنظام الفصل ولكن مع إيجاد تعاون بين السلطات وذلك لمنع الاستبداد، وحمايةِ الحرية من جانب، لضمان مبدأ المشروعية من جانب آخر. وعلى الرغم من كل الاعتراضات التي وجهت لهذا المبدأ، فإن موقف الدساتير الحديثة منه لا تزال مؤكدة لأهميته بالتسجيل الصريح أو العمل بموجبه في صور توزيع السلطات(3). فلا حرية حين تكون السلطة التشريعية والتنفيذية في يد هيئة واحدة. إذ يخشى أن تسن تلك الهيئة قوانين جائرة تنفذها بطريق ظالم. وكما أنه لا حرية إذا لم تكن سلطة القضاء منفصلة عن سلطة التشريع، وذلك لأن القاضي إذا كان مشرعاً فإن حرية الأفراد تكون تابعة لهواه، وكذلك إذا كان صاحباً للسلطة التنفيذية فأنه يكون طاغية(4).
ويعد مبدأ الفصل بين السلطات أداة لضمان حق الملكية الخاصة وذلك عن طريق إيجاد نوع من الرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث بحيث تمنع كل سلطة الأخرى من إساءة استعمال سلطتها. وعدم تدخل أي من هذه السلطات في اختصاص السلطات الأخرى. فالسلطة التشريعية تتمتع باختصاص سن القوانين على أساس أنها المعبرة عن إرادة الأمة. ولكي يتم منع السلطة التشريعية عند سنها للقوانين من انتهاك الحقوق والحريات ومنها (حق الملكية الخاصة) فلابد من ممارسة نوع من الرقابة على القوانين المنظمة للحقوق والتي تصدرها السلطة التشريعية وذلك بالتأكد من التزام السلطة التشريعية، بما ورد في الدستور من مبادئ وحدود. وذلك عن طريق الرقابة على دستورية القوانين. وكما أن من الغايات الأساسية الأخرى لمبدأ الفصل بين السلطات هي حماية الحقوق والحريات من تدخل السلطة التنفيذية. وذلك بمنعها من التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية والقضائية. بحيث يمتنع عليها إصدار (قرارات أو أنظمة أو أوامر) تتعلق بإجراء تعديل على حقوق الإنسان.
ونظراً لخطورة القرارات والأنظمة التنفيذية المتعلقة بالحقوق والحريات العامة يتحتم فرض الرقابة على أعمال هذه السلطة وذلك للتأكد من مشروعيتها وفقاً لطلب المتضررين مع إمكانية حصولهم على تعويض عن الأضرار الناجمة عن تطبيق هذه القرارات. وهذا ما أشارت إليه المادة (57) من الدستور المصري لسنة 1971 بنصها على أن: ((كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنهما بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء))(5). ونحن نذهب إلى ما ذهب إليه (مونتيسكيو) إلى أن مبدأ الفصل ما بين السلطات يعد صمام الأمان من ممارسة أية هيئة أو فرد لسلطة مطلقة تهدد المواطن وتنشر الاستبداد(6). فيعد هذا المبدأ بذلك ضمانة هامة لحماية حق الملكية الخاصة. فعندما تسن السلطة التشريعية قوانين تتعلق بالملكية الخاصة فإنها تتناولها بالتنظيم بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع. فلا تتعدى على الملكية الخاصة للإفراد مثلاً بإصدار قانون بانتزاعها إلا إذا كان ذلك وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة مع تعويض عادل. كما أن السلطة التنفيذية عندما تقوم بتنفيذ مثل هذا القانون تلتزم به دون إجراء أي تعديل فيما يتعلق بشروط هذا الانتزاع.
_____________________
1- د. محمد كاظم المشهداني – النظم السياسية – مطابع دار الحكمة للطباعة والنشر – الموصل – 1991 – ص116-117.
2- قضاء محكمة التمييز، المجلد الرابع، مطبعة الحكومة، 1970، ص264-265.
3- د. سعد عصفور – مصدر سابق – ص162. وأنظر كذلك د. سليمان محمد الطماوي – السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي – دراسة مقارنة – ط4 – دار الفكر العربي – 1979 – ص473.
4- د. سعاد الشرقاوي – مصدر سابق 0 ص 338-340. وأنظر كذلك د. محمد سليم محمد غزوي – الوجيز في أثر الاتجاهات السياسية المعاصرة على حقوق الإنسان – (ب. م) – 1985 – ص14. وأنظر كذلك المسيو أيسمن – أصول الحقوق الدستورية – ترجمة محمد عادل زعيتر – المطبعة العصرية – (ب. م) – (ب. ت) – ص245.
5- جعفر صادق مهدي – ضمانات حقوق الإنسان – دراسة دستورية – رسالة ماجستير – بغداد – 1990 – ص38. وأنظر كذلك أزهار عبد الكريم عبد الوهاب – مصدر سابق – ص93. وأنظر كذلك حسين جميل – مصدر سابق – ص139.
6- د. محمود شريف بسيوني وآخرون – مجلد حقوق الإنسان – ج3 – مصدر سابق – ص183.
المؤلف : اكرم فالح احمد الصواف
الكتاب أو المصدر : الحماية الدستورية والقانونية لحق الملكية الخاصة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً