حول المادة 20 من قانون الجرائم الالكترونية الفلسطيني وآراء المعارضين لها
الكاتب المحامي زيد الايوبي / القدس
جاء القرار بقانون رقم 16 لعام 2017 المتعلق بالجرائم الالكترونية في فلسطين لسد فراغ تشريعي كبير سيما وأن القوانين النافذة ومنها قانون العقوبات الاردني لعام 1960 لا يقوى على مواجهة اخطر الجرائم التي ترتكب من خلال الشبكة العنكبوتية وخصوصا جرائم الاعتداء على الافراد والاموال والدولة والنظام العام .
لقد كانت فكرة اقرار قانون يتعلق بالجرائم الالكترونية في فلسطين هي مطلب كل مؤسسات حقوق الانسان ورجال القانون وكل مهتم في هذه الموضوع فعقدت في سبيل تكريسها عشرات المؤتمرات وورشات العمل بالاضافة لكثير من الدراسات والتوصيات المجتمعية والشعبية والتي طالبت الجهات المختصة لاقرار مثل هذا القانون خصوصا مع تزايد الجرائم الخطيرة التي ارتكبت عبر الانترنت مثل جرائم الابتزاز والنصب والاحتيال وتزوير التوقيع الالكتروني ونشر الاشاعات والاخبار الكاذبة وترويج المخدرات والعشرات من الجرائم التي عجزت عن مواجهتها القوانين النافذة .
ما ان دخل قانون الجرائم الالكترونية الفلسطيني الجديد حيز النفاذ في شهر يوليو الماضي حتى ثارت عاصفة من النقد والاعتراض على هذا القانون حيث يرى المعارضون له انه يقوض الحريات العامة ويعتدي عليها ويتعارض مع القانون الاساسي والقوانين الدولية ذات الصلة وقد تكرس نقد الناقدين لهذا القانون الجديد على مضمون المادة (20) منه والتي تنص على أن (كل من أنشأ موقعا إلكترونياً، أو أداره عن طريق الشبكة الإلكترونية، أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات؛ بقصد نشر أخبار من شأنها تعريض سلامة الدولة، أو نظامها العام، أو أمنها الداخلي أو الخارجي للخطر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أردني، أو بالعقوبتين كلتيهما.
وكل من روّج بأية وسيلة تلك الأخبار بالقصد ذاته أو بثها أو نشرها، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تقل عن مائتي دينار أردني ولا تزيد عن ألف دينار أردني، أو بالعقوبتين كلتيهما.
وإذا كان الفعل الوارد في الفقرتين (1،2) من هذه المادة في حالة الطوارئ تضاعف العقوبة المقررة له.)
في حين يرى المؤيدون لهذه المادة انها تأتي في ظل تزايد عدد المواقع الالكترونية الموجهة والتي تتعمد نشر اخبار وشائعات كاذبة من شأنها تقويض الثقة العامة بالدولة ومرافقها ورجالها وتمس بالنظام العام وكل ما الى ذلك من تأثير على أمن المواطن والمجتمع وان المقصود من هذه المادة هو التصدي قانونيا لمن يسعى لتسميم الوعي الفلسطيني من خلال نشر مثل هذه الاخبار والاكاذيب والاضاليل.
بكل الاحوال والحديث يدور عن فكرة تقويض حرية الراي والتعبير من خلال هذا القانون لا بد من تذكير جهابذة الدفاع عن الحريات العامة بأن القانون الدولي لحقوق الانسان والمواطن الذي يستندون اليه في رأيهم المعترض على المادة 20 من القانون موضوع البحث هو من وضع قيودا على ممارسة حرية الرأي والتعبير فها هي المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الفقرة الثانية منها تؤكد على انه يجوز اخضاع هذه الحرية لقيود تشريعية (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
كما ان المادة العاشرة من الاتفاقية الاوربية لحقوق لالنسان في فقرتها الثانية تنص على انه ( 2-يجـوز إخضـاع ممارسـة هذه الحريات التي تتطلـب واجبـات ومسـؤوليات لبعـض الشـكليات أو الشـروط أو التقييـدات أو المخالفـات التي يحـددها القانون، والتي تعّد في مجتمـع ديمقراطـي تدابير ضـرورية لحفـظ سـلامة الوطن وأراضـيه، والأمن العام وحمـاية النظـام، ومنع الجريمـة، وحمـاية الصـحة والأخلاق، وحمـاية حقـوق الآخرين وسـمعتهم، وذلك لمنع إفشـاء المعلومات السـرية، أو ضمـان سـلطة الهيئة القضـائية ونزاهتها.) والكلام هنا للاوروبيين وما ادراك ما الحريات عند الاوروبيين.
ولنذهب ايضا للاتفاقية الدولية الاكثر تخصصا وتعلقا بقانون الجرائم الالكترونية وهي اتفاقية بودابست لعام 2001 حيث يلاحظ الباحث في نصوص هذه الاتفاقية الهامة ان قانون الجرائم الالكترونية الفلسطيني برمته ينسجم ويتوائم مع كل ما جاء فيها وخصوصا المادة 20 من القانون سيما وان هذه الاتفاقية تحدثت عن كيفية التعامل مع الجرائم الالكترونية التي تمس المجتمع والنظام العام وسلامة الدولة بل واكدت على ضرورة التعاون الدولي لمواجهتها وهذا ما أكدت عليه نصوص الاتفاقية العربية لمكافحة الجرائم المعلوماتية ,
في زاوية اخرى تتعلق في العقوبة التي نصت عليها المادة 20 من قانون الجرائم الالكترونية حيث يلاحظ ان انها نصت على عقوبة المدان بالجرائم الواردة بها بعقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة او بغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد عن الف دينار واحيانا اخرى بعقوبة الحبس التي لا تزيد عن سنة او بغرامة لا تقل عن مئتي دينار وبالمقارنة مع العقوبة على جرائم الكترونية اخرى مثل ما ذهبت اليه المادة 22 من القانون والتي ( تتعلق بالجرائم الواقعة على أي من المبادئ أو القيم الأسرية، من خلال نشر أخبار، أو صور، أو تسجيلات صوتية أو مرئية، سواء أكانت مباشرة أو مسجلة تتصل بحرمة الحياة الخاصة، أو العائلية للأفراد ولو كانت صحيحة، أو تعدى بالذم، أو القدح، أو التحقير أو التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، أو بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار أردني ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أردني، أو بالعقوبتين كلتيهما).
بالاضافة لما جاء في المادة 16 من القانون التي تتعلق بالمس بالاداب العامة حيث يلاحظ ان القانون غلظ العقوبة على هذه الافعال بحيث لا تقل العقوبة عن الحبس لسبع سنوات او غرامة لا تقل عن خمسة الاف دينار .
وفي ذات السياق جاءت المادة 19 من ذات القانون لتنص على عقوبة جريمة ترويج والاتجار بالمخدرات بالحبس لمدة لا تقل عن عشرة سنوات او غرامة لا تقل عشرة الاف دينار ) وهنا يلاحظ الباحث الموضوعي ان المشرع قد تساهل من حيث العقوبة في الجرائم التي تتعلق بالمس بالدولة ومؤسساتها والنظام العام عبر نشر الاخبار والاشاعات الكاذبة وفقا لما جاء في المادة 20 وتشدد اكثر في العقوبات التي تمس الاسرة والاداب العامة وحماية الشباب والاطفال من افة المخدرات حيث اوجب عقوبات جنائية وعقوبات مالية باهظة على المدانين بهذه الجرائم وفي المقابل جاءت المادة 20 بعقوبة جنحية صلحية فيما يتعلق بالجرائم الالكترونية التي تمس سلامة الدولة، أو نظامها العام، أو أمنها الداخلي أو الخارجي للخطر.
يذكر ان الامارات العربية التي تحاول ان تواكب العصر وكرست وزارة للسعادة فيها تشددت في الجرائم موضوع المادة عشرون لتصل في الى السجن المؤبد و غرامات لا تقل عن مليون ريال اماراتي في الجرائم التي تمس بالدولة وهو ما تؤكد عليه المادتان 29 و 30 من القانون الاماراتي .
بكل الاحوال لا يوجد منطق ولا عقل سليم يقبل ان يكون تقويض ثقة المواطن بالمرافق العامة والتشهير والاغتيال المعنوي لرجال الدولة من خلال نشر الاكاذيب والاضاليل والشائعات هو حرية رأي وفي ذات الوقت استغرب من المؤسسات التي تدعي انها تدافع عن حرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان في فلسطين بعد ان كان اقرار قانون للجرائم الالكترونية مطلب لها اضحت اليوم تعارض هذا القانون وكأنها تدافع من خلال اعتراضها عليه عن مطلقي الشائعات والاكاذيب وتدخل افعالهم المجرمة واللاخلاقية في سياق حرية سامية مثل حرية الرأي والتعبير ، ومن لا يوافق على ان نشر الاكاذيب والاضاليل عبر الانترنت باسم حرية الراي والتعبير هو تشويه لحق وحرية لصيقة بآدميتنا لطالما ناضلنا جميعا من اجل تجسيدها وممارستها عدا عن ان القاضي في نهاية المطاف هو صاحب الصلاحية باستجلاء حقيقة المنشور اذا ما كان يشكل جريمة ام يدخل في ساق المباح ؟؟؟؟
لقد بحثت في مطالعة قدمتها الهيئة المستقلة لحقوق الانسان لسيادة الرئيس ابو مازن بالاضافة لتوصيات لورشات عمل لبعض مؤسسات حقوق الانسان في فلسطين حيث ان جل هذه المؤسسات تعبر من خلال توصياتها وبياناتها عن غضبها وعدم رضاها عن هذا القانون لانها لم تشارك في صياغته واعداده فصبت جام غضبها عليه والذي لطالما تغنت بضرورة اقراره ولسان حال هذه المؤسسات يقول انه طالما لم نشارك في صياغة هذا القانون سنسعى لتشويهه وشيطنته، وليس هكذا تورد الابل يا مؤسسات حقوق الانسان .
بالنسبة لي وبعد البحث في اراء المعارضين لهذا القانون وخصوصا المادة 20 منه أيقنت ان هؤلاء لم يطلعوا على القوانين العربية والدولية ذات العلاقة وهم بذلك يفتون فيما لا يدرون وأكثر انني لم امر خلال بحثي في اراء المعارضين على اي رأي قانوني موضوعي ومهني استطيع ان اقبله وأوافقه فاقتنعت بأن هذه الاعتراضات للاسف تدخل في سياق المزايدات والمناكفات السياسية وان الهدف منها ليست مصلحة الوطن والمواطن بقدر ما هي تحقق مصالح اعلامية وتمويلية لكل من تشدق بها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً