مواجهة الابتزاز الإلكتروني وآفة المخدرات
حيدر بن عبدالرضا اللواتي –
[email protected] –
يتعرض بعض الأفراد في المجتمعات وخاصة العربية منها إلى الابتزاز من عصابات تتخذ من بعض العواصم العربية مقرا لها منذ أن تزايدت استخدامات التقنيات الحديثة من الأجهزة الذكية وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). وقد أدى هذا الأمر إلى وقوع بعض الشباب من الجنسين في الكثير المشاكل المالية والنفسية نتيجة عدم قدرتهم في مواجهة نتائج هذا الابتزاز.
ويعرف الابتزاز الإلكتروني بأنه عملية إجبار الشخص على القيام بعمل ما، وتهديده بضرورة القيام به، أو ترهيبه بالقيام بعمل أم منعه مما ينوي القيام به. أي أن الابتزاز الإلكتروني هو عملية تهديد وترهيب للضحية، وذلك بنشر صور أو مواد مصورة له أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح (المبتزين) كالإفصاح عن معلومات سرية أو غيرها من الأعمال غير القانونية. ويمس موضوع الابتزاز الإلكتروني وكذلك المخدرات عدة جوانب في حياة الناس والمجتمع، حيث يولد عنهما جرائم أخرى تمس الكثير من الفئات في المجتمع خاصة الأسر التي يتورط أبناؤها في تلك القضايا.
وقد أثيرت هذه القضايا مؤخرا في الأمسية الرمضانية التي نظمها مجلس حارة الشمال تحت رعاية معالي الدكتور فؤاد بن جعفر الساجواني وزير الزراعة والثروة السمكية وبحضور معالي يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة وعدد من المسؤولين والمهتمين، حيث نوقش خلالها موضوعان خطيران هما الابتزاز الإلكتروني وآفة المخدرات. وقد تناول رئيس ادعاء عام نصر بن خميس الصواعي محور الابتزاز الإلكتروني، فيما تناول المحامي وليد بن أيوب الزدجالي محور مشاكل المخدرات.
وقد تم التأكيد على ذلك من خلال الكلمة الترحيبية التي ألقاها أنور بن عبدالرحمن الخنجري على أن الابتزاز الإلكتروني وترويج المخدرات يمثلان مفردات مزعجة تجلب معها قدرا كبيرا من المشاعر السلبية. فهي تجسيد حي لأحط الخصال التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان حين يستغل قوته وذكاءه مقابل ضعف إنسان آخر، سواء كان هذا الضعف مؤقتا أو دائما، مشيرا إلى أن ملفات الابتزاز الإلكتروني تعج بالكثير من الوقائع والقصص المفجعة والمثيرة، وضحاياها من مختلف أطياف المجتمع رجالا ونساء ومن مختلف الأعمار، وإن كان الشباب هم الفئة الأكثر استهدافا.
لقد استعرضت الأمسية مجموعة من النماذج العملية عن جريمة الابتزاز الإلكتروني التي تعرض لها بعض أفراد المجتمع العماني خلال السنوات الماضية، في الوقت الذي يتزايد فيه وعي الشباب تجاه الإفصاح والإبلاغ عن هذه المشاكل للجهات المعنية. وفي هذا الصدد ينصح القائمون على هذه القضايا بضرورة تجنب أنفسهم في طلب صداقات أو قبولها من أشخاص غير معروفين، وعدم الرد والتجاوب مع المحادثات المجهولة المصدر، وعدم مشاركة المعلومات الشخصية في الفضاء الإلكتروني، وكذلك رفض المحادثات المرئية وعدم الانجذاب للعناوين ذات الاهتمام، بالإضافة إلى عدم الموافقة على طلبات تحميل المواد ذات المصدر المجهول. وهذه القضايا تتطلب أيضا التأكد من مصدر وصيغة المواد والبرامج المحملة في الجهاز، وضرورة التوقف من مواصلة الحديث مع المبتزين، خاصة أن البعض منهم يعمل من خلال عصابات مهنية في هذا القضايا، وعدم الاستجابة لهم لأية مطالب مادية أو معنوية، مع ضرورة الابتعاد عن إثارة سخط هؤلاء الأشخاص وإبلاغ الجهات المختصة المعنية فورا بمكافحة الجريمة لملاحقتهم، وإن كانوا خارج السلطنة.
وإذا كان الابتزاز الإلكتروني أصبح آفة في المجتمعات، فإن آفة المخدرات لا تقل مخاطرها أيضا لأنها تؤدي إلى عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي للشخص، وإلى بروز المشكلات الأسرية، وغيرها من الأضرار الأخرى، منها الاختلال في التفكير العام والعصبية الشديدة والتفكك الأسري وعدم الاستقرار الوظيفي وبالتالي ارتفاع معدل الجريمة في المجتمع. وعلاج هذه القضايا تبدأ باكتشاف الحالة ثم التشخيص والتقييم وإعداد خطة مناسبة للعلاج وإظهار التعاون مع المريض بجانب تقديم وسائل الإسعاف الطبي لمواجهة وعلاج المضاعفات المصاحبة لهذه الحالة.
ومن خلال ما تم طرحه، نجد أن هذه القضايا في المجتمعات الخليجية ومنها المجتمع العماني قد تزايدت في وجود وسائل الاتصالات الحديثة والتقنيات المتطورة في عملية الاتصالات، وخاصة اليدوية منها. ويتضح من الأرقام أن حوالي 57% ممن تبلغ أعمارهم ما بين 16 إلى 24 في السلطنة يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي من إجمالي الأشخاص الذين يمتلكون هذه الأجهزة. كما توضح بعض الإحصاءات المحلية أن 86% من العمانيين يستخدمون حسابات في الفيس بوك، و80% لديهم اتصالات عبر واتس اب، في حين أن 40% لديهم حسابات في جوجل وانستجرام و36% في تويتر. وهذه الأرقام لا تبتعد كثيرا عن بقية الدول الخليجية والعربية الأخرى، حيث إن جميع أبناء المنطقة لديهم حسابات في مواقع مماثلة. ومن خلال تلك النسب السابقة تتمكن الشركات العالمية القيام بحملات ترويجية وتسويقية للمنتجات والسلع الجديدة التي تطرح في المنطقة، إلا أن بعض هذه الحسابات تستغل أيضا في مجالات أخرى كالابتزاز الإلكتروني والترويج للمخدرات نتيجة لعدم معرفة الأشخاص بنوايا الذين يقومون بالاتصال معهم، الأمر الذي يتطلب من الناس عدم نشر جميع البيانات الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتشير البيانات إلى ارتفاع معدلات الابتزاز الإلكتروني عبر الإنترنت في السلطنة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث كان هناك بلاغان فقط في عام 2011 و2012، في حين ارتفع العدد إلى 5 بلاغات في عام 2013 ثم إلى 17 بلاغا في عام 2014. وفي عام 2015 سجلت الجهات الأمنية 84 حالة عن الابتزاز الإلكتروني، فيما بلغ عدد البلاغات في عام 2016 نحو 161 بلاغا، الأمر الذي يؤكد نجاح جهود التوعية تجاه هذه القضية، أي أن مجموع حالات الابتزاز الإلكتروني المسجلة لدى الجهات المعنية منذ عام 2011 وحتى 2016 قد بلغ 269 حالة منها 161 حالة في عام 2016، فيما بلغ إجمالي الحالات المسجلة لمختلف جرائم تقنية المعلومات 355 حالة في عام 2016.
ويرى المسؤولون في هيئة تنظيم الاتصالات في السلطنة، وكذلك هيئة تقنية المعلومات أن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى من تلك التي تختص بمساعدة ضحايا الابتزاز عبر الإنترنت. علاوة على ذلك، يعتقدون أن العديد من الضحايا من الإناث اللاتي قد يترددن في الإبلاغ عن هذه الحالات بسبب الخوف من وصمة العار التي تتعلق بهذه القضايا.
لقد سنت الحكومة العمانية العديد من القوانين التي تعالج هذه القضايا ممن يستخدمون الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات بصورة خاطئة. كما تكللت الجهود بالحد من جرائم الابتزاز الإلكتروني في الفترة الأخيرة. وهناك العديد من الجهات الرسمية المعنية بإنشاء حملة تدور حول زيادة الوعي عن الابتزاز عبر الإنترنت. وهذه التوعية هدفها الإبلاغ عن الحوادث الخاصة بالابتزاز الإلكتروني للسلطات المسؤولة، فيما وعدت الجهات الحكومية بالقضاء على كل جرائم الابتزاز الإلكتروني بسرية عالية. وأخيرا فإن ملفات الابتزاز الإلكتروني والمخدرات كثيرة وبعضها تحمل وقائع وقصص مثيرة ومفجعة نتيجة وقوع الشباب من الجنسين ومن مختلف الأعمار في مثل هذه القضايا بسبب قيام النصابين والمبتزين بنصب شباك الخديعة والفخ للإيقاع بضحاياهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والثورة التقنية، والهدف من ذلك هو الثراء السريع وجني الأموال القذرة من الضحايا، الأمر الذي يتطلب من أفراد الأسرة تنبيه ومراقبة صغار السن وقليلي الخبرة من الذين يدمنون على هذه الشبكات.
في عالم اليوم فإن جميع الناس مستهدفون ومعرضون للابتزاز الإلكتروني والحصول على المخدرات، الأمر الذي يتطلب زيادة جرعات التوعية من أفراد الأسر بهذه المخاطر المحدقة تجاه أبنائهم، وكذلك زيادة جرعة الثقة في النفس لدى أفراد الأسرة وخاصة الصغار منهم وإقناعهم بأن الإبلاغ- مهما كانت أضراره- أفضل بكثير من الصمت ومواجهة المشكلة دون داعم أو معين، وضرورة نشر الثقافة القانونية في المجتمعات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً