المسؤولية التائهة للشركات
د. عامر بن محمد الحسيني
مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate social responsibility في البيئة المحلية لا يزال يعاني بقاءه في المربع الأول، ومن أهم المشكلات التي تضعف فاعلية هذا المفهوم، وتجعله يراوح في بيئة غير بيئته ذلك التشابه والتداخل الكبيرين بين مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR ومفهوم العمل الخيري، وزاد على ذلك استخدامه كأداة للتسويق والعلاقات العامة بالشركات. وأصبح مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات من بين المفاهيم التي تستخدم للتسويق وتحقيق مكاسب للانتشار السريع لهذا المفهوم بين أفراد المجتمع. مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات بشكل عام يمكن إرجاعه لمفهوم أن الشركة تستقطع جزءا من أرباحها لدعم بعض القضايا المجتمعية، التي تسهم في تحقيق التنمية والاستدامة للمجتمع المحيط بالشركة. والتعاريف الكثيرة التي تناولتها سابقا يمكن الرجوع إليها من خلال المقالات. أغلب ما يحصل الآن في المجتمع المحلي يمكن نسبته للعمل التطوعي الفردي، أو المدعوم من بعض الجهات الحكومية أو غير الهافة للربح.
المسؤولية الاجتماعية للشركات حق مواطنة على رجال الأعمال، وعلى الشركات تجاه المجتمع الذي تعيش فيه وتستفيد من إمكاناته وموارده الطبيعية والبشرية والتجارية. المصطلح يتداخل مع كثير من الموضوعات وله جذور دينية يمكن البناء عليها في تفسير ظواهره. والدين الإسلامي يحث على مساعدة المحتاج ويركز أيضا على القضاء على مصدر الحاجة من خلال تحقيق الاستدامة والاكتفاء بإيجاد البدائل التي تعفي المحتاج. في تعريف السيد Carroll لمستويات المسؤولية الاجتماعية للشركات ذات الشكل الهرمي تمثل المسؤولية الاقتصادية قاعدته، ثم المسؤولية القانونية، فالمسؤولية الأخلاقية وصولا إلى الإحسان “عمل الخير” في قمة الهرم.
واستشعارا لأهمية الشراكة بين المجتمع وقطاع الأعمال ظهرت مبادرة الميثاق العالمي للأمم المتحدة UNGC لحث الشركات على تبني وتفعيل مجموعة من المبادئ والقيم تتوزع على مجالات: حقوق الإنسان، معايير العمل، البيئة، ومكافحة الفساد. في مجال حقوق الإنسان يركز الميثاق العالمي على دعم واحترام حقوق الإنسان المتفق عليها دوليا، والتأكيد على أن الشركات غير ضالعة في انتهاكات حقوق الإنسان. وفي مجال معايير العمل، يؤكد على ضمان أن تحترم الشركات حقوق تكوين الجمعيات المهنية والاعتراف بحقوق العاملين، والقضاء على جميع صور العمل القسري والإلزامي، ومحاربة عمل الأطفال والقاصرين، والقضاء على التمييز، بناء على الوظائف والمهن.
أما فيما يرتبط بموضوعات البيئة، فعلى الشركات اتباع منهج وقائي وحذر تجاه المخاطر البيئة المحيطة، وتفعيل المبادرات لضمان حماية البيئة من الاستغلال البشري، وتشجيع الشركات لتطوير تكنولوجيا صديقة للبيئة. وفي مجال مكافحة الفساد يؤكد الميثاق ضرورة أن تلتزم الشركات بمكافحة جميع أشكال الفساد، بما في ذلك الابتزاز والرشوة. فحتى نضمن شراكة مجتمعية نافعة، يجب أن تضطلع مؤسسات التعليم العالي والبحث بدورها في نشر وتوعية مجتمع الشركات ومجتمع المستفيدين بأهمية وممارسة المسؤولية الاجتماعية للشركات، وفتح قنوات لإيجاد المشاريع المشتركة لذلك، وإلا سيبقى المصطلح هالة إعلامية يستثمرها كل صاحب تجربة بغض النظر عن مدى مساهمتها الفعلية في إيجاد الفرص المثمرة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً