ماهية حكومة تصريف الاعمال
د. علي مهدي
إن وزارة تصريف الأعمال هي وزارة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف الأمور لمدة محددة من الوقت ، لفترة ما بعد سحب الثقة من الوزارة او بعد انتهاء الوجود القانوني للبرلمان والقيام بالانتخابات أو ظرف طارئ حال دون عدم تشكيل الوزارة الجديدة أو تأخرها ، ولا يحق لهذه الوزارة البت في الأمور ذات الطبيعة المستقبلية والمصيرية ، ويقتصر عملها في العاجل من شؤون الوزارة ، واختصاصاتها محدودة ، فلا يحق لها القيام بمبادرات وأعمال ذات نتائج سياسية ، وأبرز مهامها تصريف امور الوزارات المختلفة بالحد الأدنى من الاستمرارية الإدارية ، ولتسيير مصالح المواطنين.
في القانون الدستوري
يقوم النظام البرلماني على ركيزة أساسية وهي بمثابة حجز زاويته وتدعى مسؤولية الوزارة امام البرلمان ، وانه لا يمكن للحكومة ان تمارس سلطاتها دون التمتع بثقة نواب الشعب ، وحال انتزاع هذه الثقة تنتزع معها الصلاحيات الكاملة وتتحول الى وزارة تصرف اعمال حتى تشكيل الوزارة الجديدة ، أي عندما لا يوجد برلمان قائم لا وجود لوزارة بصلاحياتها الكاملة ، وإن الأساس لذلك هو لا سلطة بدون مسؤولية ، حيث لا يجوز ان تستمر الوزارة في اختصاصاتها دون الرقابة على اعمالها من قبل منشأها وهو البرلمان.
ان الأصل في النظام البرلماني تقدم الوزارة استقالتها عند سحب الثقة عنها من البرلمان ، وكذلك عند انتهاء مدة الدورة الانتخابية ، ولهذا تتضمن الدساتير بعض النصوص التي تضع الإجراءات والضوابط عند التحول الى حكومة تصريف اعمال ، ومن أهمها تحديد المدة الزمنية الكافية ما بين إجراء الانتخاب للبرلمان الجديد وعقد الجلسة الأولى له ، او بين يوم سحب الثقة من الوزارة وتشكيل الوزارة الجديدة ، حتى لا يكون هناك اي فراغ للسلطة.
وتوجد في النظام البرلماني حالتين تتحول الوزارة ذات الصلاحيات الكاملة الى وزارة تصريف اعمال وهما : عند سحب الثقة من الوزارة وكذلك بعد حل البرلمان.
نطاق عمل ومضمون حكومة تصريف الاعمال
ان اكثرية الاراء الفقهية تؤكد وجود نظرية حكومة تصريف الاعمال ومما رسخ ذلك الممارسات التطبيقية وكان للفقه في مجال القانون العام واجتهادات القضاء الدور الكبير في توضيح جوانب هذه النظرية ومضمونها وحالات تطبيقها.
فقد ساهم قرار مجلس شورى الدولة الفرنسي بتاريخ 4/4/1952 في تحديد المبدأ الذي تسير عليه حكومة تصريف الاعمال من خلال النص التالي : لا مفر من وجود سلطة مناطة بها تأمين استمرارية الحياة الوطنية وديمومتها بين تاريخ استقالة الحكومة وتاريخ تأليف الحكومة الجديدة ، فتمسي الولاية الاستثنائية للحكومة المستقيلة او المعتبرة كذلك ، مسندة فقط الى مرتكز تأمين مقتضيات الدولة الضرورية.
وقد وضح مجلس الدولة الفرنسي بقراره بتاريخ 22/4/1966 نطاق صلاحيات حكومة تصريف الاعمال وقد اطلق عليها بالأعمال العادية أو الجارية والتي اعتبرها تلك الاعمال التي لا تُعرض مسؤولية الوزارة مجتمعة او الوزير المعني الى نتائج سياسية – لان الحكومة او الوزارة تحكم باسم الشعب الممثل بالبرلمان – والحكومة المستقيلة تكون فاقدة لثقة البرلمان مما يجعلها غير قادرة وغير ذات صلاحية دستورية لتتخذ قرارات سياسية.
وساهم مجلس الشورى اللبناني والذي كان على الدوام متأثرا بالفقه والقضاء الفرنسيين بإجلاء الالتباس الدائر حول صلاحيات حكومة تصريف الاعمال بقراره بتاريخ 14/4/1999 باعتبار الاعمال العادية هي عندما لا ترتبط بسياسة الدولة العليا ولا تُقيد حرية الحكومة القادمة.
وفي اجتهاد اخر لنفس المجلس بتاريخ 5/7/2010 عرف الاعمال الجارية : بتلك الاعمال الملحة الضاغطة التي لا تحتمل التأجيل او الارجاء لحين تأليف الوزارة الجديدة والتي بسبب سرعتها تستوجب اتخاذ قرارات فورية او تلك التي تكون مقتصرة على تنفيذ الادارة اليومية من دون ان تنطوي على اية صعوبة خاصة او على أي خيار دقيق ، وتبقى الوزارة المستقيلة مولجة بها لحين تشكيل الوزارة الجديدة ، واستلام كل عضو من اعضائها مهام وزارته من سلفه.
وان احدث اضافة لحكومة تصريف الاعمال وصلاحياتها جاءت من المغرب في القانون التنظيمي رقم 065,13 والصادر بتاريخ 19/5/2015 المتعلق بتنظيم بتسيير اشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها وهو بمثابة النظام الداخلي لمجلس الوزراء ، ففي الباب الرابع بعنوان : القواعد الخاصة بتصريف الحكومة المنتهية مهامها للأمور الجارية ومهام الحكومة الجديدة قبل تنصيبها من قبل مجلس النواب ، جاء التالي:
المادة 37 : يراد بعبارة تصريف الامور الجارية اتخاذ المراسيم والقرارات والمقررات الادارية الضرورية والتدابير المستعجلة اللازمة لضمان استمرارية عمل مصالح الدولة ومؤسساتها ، وضمان انتظام سير المرافق العامة.
ولا تندرج ضمن ” تصريف الامور الجارية ” التدابير التي من شأنها ان تلزم الحكومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة وخاصة المصادقة على مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية ، وكذا التعيين في المناصب العليا.
في الدستور العراقي
لقد تبنى المشرع العراقي مصطلح وزارة تصريف الامور اليومية بدل حكومة تصريف اعمال باعتبار الحكومة تتكون من رئيس الدولة والوزارة في النظام البرلماني التقليدي والمقصود في هذا النص هو الوزارة التي تتكون من رئيس مجلس الوزراء والوزراء. واستخدام المشرع ايضا مصطلح “تصريف الامور اليومية” والذي يعكس توجها يميل بانتقاص واضح وصريح من صلاحيات هذه الوزارة ، اي ان الوزارة معنية في تمشية الامور اليومية فقط وبما يؤمن السير المنتظم للمرافق العامة لمؤسسات الدولة ، وليس لها اختصاصات في الامور ذات الطابع المستقبلي والمصيري وبهذا ميز الدستور بين الوزارة كاملة الصلاحيات التي حدد اختصاصاتها ووزارة تصريف الامور اليومية ذات الاختصاصات المحدودة.
وقد تعرضت الوثيقة الدستورية الى وزارة تصريف الامور اليومية في مادتين مستقلتين وهما:
1- المادة 61، ثامناً ، ب، 3، د : ( في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله ، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور اليومية. الى حين تأليف مجلس الوزراء الجديد وفقاً لأحكام المادة(76) من هذا الدستور).
من هذا النص يتضح عند حالة سحب الثقة من الوزارة تتحول الى وزارة تصريف الامور اليومية حتى تشكيل الوزارة الجديدة.
إن قاعدة المسؤولية السياسية للوزارة امام مجلس النواب ، تحتم عدم جواز مباشرة الوزارة لسلطاتها دون ان تتمتع بثقة نواب الشعب ، وعليها مغادرة الحياة السياسية لأنه لم يعد هناك رقابة عليها من مجلس النواب لان الرقابة اصبحت مجردة من أي عقاب حيث لا يمكن استجواب وزارة قد تم اقالتها، وبالعودة الى المادة 76 من الدستور ان المهلة الزمنية لترشيح رئيس مجلس وزراء جديد وتسمية الوزراء ، هي خمسة وأربعين يوما ، وهذه مدة وزارة تصريف الامور اليومية، تكون هذه الوزارة عمليا غير خاضعة لمراقبة مجلس النواب. وكما يقول العلامة فالين” لأنه لم يعد يحق لها القيام بأعمال ، ولا تُحاسب إذا اخطأ ألوزير، وعليه فإن الشخص الذي لا يترتب على عمله مسؤولية ، لا يجوز أن يعطى أي صلاحية ترتب مسؤولية ، إلا في حالات الضرورة القصوى”
2- المادة 64 ، ثانيا : ( يدعو رئيس الجمهورية ، عند حل مجلس النواب ، الى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة اقصاها ستون يوما من تاريخ الحل ، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلا ، ويواصل تصريف الامور اليومية).
3- المادة 81 ، اولاً : يقوم رئيس الجمهورية ، مقام رئيس مجلس الوزراء ، عند خلو المنصب لأي سببٍ كان.
منح الدستور العراقي رئيس الجمهورية الحلول محل رئيس مجلس الوزراء عند شغور المنصب لأي سبب كان( الاستقالة ، العجز، الوفاة) ، ليقوم بعدها بتكليف مرشح اخر بتشكيل الوزارة.
ان رئيس الجمهورية في النظام البرلماني غير مسؤول سياسيا عن الوظائف التي يقوم بها، بخلاف منصب رئيس مجلس الوزراء الذي يخضع الى مسائلة اعضاء مجلس النواب واستجوابهم بما في ذلك سحب الثقة منه وهذا يتعارض مع منصب رئيس الجمهورية الذي يخضع للمسائلة الجنائية فقط ، ان عدم قدرة مجلس النواب من مراقبة رئيس الجمهورية عند توليه مهام رئيس مجلس الوزراء وكذلك لوجوده المؤقت حتى ترشيح رئيس مجلس وزراء جديد ونيل التشكيلة الجديدة ثقة مجلس النواب ، يجعل من الوزارة غير كاملة الصلاحيات وتتحول الى مهام تصريف الامور اليومية ، رغم عدم تدوين ذلك بنص دستوري.
4- لم تتطرق الوثيقة الدستورية بشكل مباشر بخصوص حالة وجود الوزارة مع انتهاء المدة الدستورية لدورة مجلس النواب والمحددة لأربع سنوات ، مع العلم ان المشرع قد منح مدة زمنية قدرها خمسة وأربعين يوما لإجراء انتخاب مجلس النواب قبل انتهاء مدة دورته ، حتى لا يكون هناك اي فراغ للسلطة ، وهذه المدة تعتبر كافية وفق المعايير الدستورية لإجراء الانتخابات وإعلان النتائج و وعودة مجلس النواب والتصويت على منح الثقة للوزارة الجديدة وإذا ما طالت الفترة الزمنية ما بعد الانتهاء القانوني لمدة مجلس النواب فان الوزارة تتحول في هذه المرحلة دون رقابة وبالتالي تسري عليها المادة 64 من الدستور وتعامل معاملة الوزارة التي تتحول الى وزارة تصريف الامور اليومية حالها حال الوزارة التي يتم حل البرلمان اثناء وجودها.
ومن كل ذلك يتضح انه كان على المشرع العراقي ان يتطرق الى تحديد تعريف لوزارة تصريف الامور اليومية وحالات تطبيقها ونطاق ومضمون عملها ، فالدستور اكتفى بتسمية الحالة ، وكان من الممكن ادراجها ضمن نصوص النظام الداخلي لمجلس الوزراء لسنة 2014 التي لم تتعرض لحالة تحويل مجلس الوزراء الى مجلس لتصريف الامور اليومية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً