نظرة عميقة في قانون الإمارات العربية المتحدة لمكافحة الإحتيال
مع التطور المستمر فعليًا للنشاط الاقتصادي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة كان هناك في الوقت ذاته ارتفاع مطرد في تعقيد المعاملات التجارية
من قبل: خالد الحمراني/ محمد الدسوقي, Al Tamimi & Company
– دبي الإمارات العربية المتحدة
مع التطور المستمر فعليًا للنشاط الاقتصادي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة كان هناك في الوقت ذاته ارتفاع مطرد في تعقيد المعاملات التجارية.
وهذه نتيجة ثانوية طبيعية لاقتصاد يُحفزه استثمار ضخم وتديره كيانات اقتصادية ومؤسسات مالية واسعة النطاق؛ ويشجع تزايد الثروة والازدهار بشكل طبيعي ارتفاع معدلات النشاط الإجرامي، ولا سيما الجرائم التي تنطوي على معاملات تجارية تبدو طبيعية. هذا ونسلط الضوء في هذا المقال على مثال لأحد الأنشطة الإجرامية الشائعة وهو الاحتيال.
تنص المادة 399 من القانون الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة رقم (3) لسنة 1987 وتعديلاته (“قانون العقوبات”) على ما يلي:
“يعاقب بالسجن أو بالغرامة كل من توصل إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو سند أو توقيع هذا السند أو إلى إلغائه أو إتلافه أو تعديله، وذلك بالاستعانة بطريقة احتيالية أو باتخاذ اسم أو صفة مزيفة بغرض خداع المجني عليه وحمله على تسليم تلك الأموال.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من قام بالتصرف في عقار أو منقول يعلم أنه غير مملوك له أو ليس له حق التصرف فيه أو تصرف في شيء من ذلك مع علمه بقيام شخص آخر بالتصرف فيه أو التعاقد عليه وكان من شأن ذلك الإضرار بغيره.
ويعاقب على الشروع بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بدفع غرامة لا تزيد على عشرة آلاف درهم إماراتي “.
إن فهم الرجل العادي للاحتيال هو أنه جريمة تنطوي على الخداع؛ ومع ذلك، فإن عناصر الجريمة هي أكثر دقة. إن فعل الاحتيال، بموجب قانون الإمارات العربية المتحدة، هو القيام بحيازة أو استلام أموال أو سلع منقولة أو ممتلكات عقارية غير منقولة يمتلكها شخص آخر من خلال الوسائل الاحتيالية؛ ولكي تكون هذه الوسائل احتيالية، فيجب أن تقنع الضحية بتسليم الأموال أو البضائع أو الممتلكات إلى الجاني. وفي حين يعتبر الخداع جانبًا ضروريًا للاحتيال، فإنه لا يكفي في حد ذاته ليشكل الجريمة؛ ويعتبر الاحتيال قد وقع فقط عندما ينطوي الفعل على كل من الخداع واستخدام الوسائل الاحتيالية للحصول على الممتلكات أو الأصول.
التمييز بين الخداع والاحتيال
تتضح هذه المتطلبات في قرار محكمة تمييز دبي الصادر في الحكم رقم (19) لعام 1995؛ وفي هذه القضية، أقرت المحكمة على أن فعل الكذب في حد ذاته لا يؤدي إلى حدوث الاحتيال، ويتعين تحديد وسائل كل من الخداع والاحتيال في الحصول على ممتلكات أو أصول من أجل ارتكاب الجريمة، “وأن مجرد الأقوال والادعاءات المزيفة ليست كافية كي تتحقق وسائل الاحتيال، وأوضحت المحكمة أن الكذب يجب أن يكون مصحوبًا بأفعال مادية أو مظاهر خارجية تتسبب في جعل الضحية يعتقد في حقيقة الكذب ويُسلّم أمواله نتيجة لهذا الاعتقاد “.
وتعرف المادة 399 من قانون العقوبات عنصر الجريمة باستخدام الوسائل الاحتيالية على أنه يشكل أي من الإجراءات التالية المرتكبة بقصد خداع الآخرين:
استخدام اسم أو صفة مزيفة؛
التصرف في الأموال أو الممتلكات المنقولة أو غير المنقولة، مع العلم بأنها ليست ممتلكات المتصرف أو أنه لا يحق له التصرف فيها؛ أو
التقليد الزائف لفعل سبق أن قام به شخص آخر.
وهذه الأفعال لا تتسم بأنها تنطوي على خداع فحسب، بل تُعرَّف أيضًا بأنها تستخدم أدوات خارجية بغرض دعم فعل الاحتيال.
شرط “الأداة الخارجية”
تشير الأداة الخارجية، في هذا السياق، إلى التدابير المتخذة لإضفاء المصداقية على الخداع الذي ينطوي عليه الاحتيال؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للمجرم إنشاء شركة احتيالية وفتح مقر وتعيين موظفي الدعم واتخاذ خطوات أخرى لخلق وهم وجود عمل تجاري مشروع. إن بناء مظهر للشرعية يمنح مستوى من الثقة يجعل من السهل سلب الأموال من الضحايا، وعادة ما تشمل الصفات المزيفة مظاهر الثروة أو الاحترافية أو الأخلاق لتشجيع مستويات أكبر من الثقة.
ويمكن استخدام الأدوات الخارجية أو المظاهر بطرق أخرى تبعًا لنوع الاحتيال المعني؛ على سبيل المثال، يمكن أن يتم استخدامها أيضًا لإقناع الضحية بوقوع حادث كاذب، كما هو شائع في احتيال التأمين. فعلى سبيل المثال، يمكن للمجرم أن يرتكب الحرائق العمدية للحصول على القيمة النقدية للممتلكات المؤمن عليها أو أن يخفي مكان وجود مركبة قبل أن يدعي أنها سُرقت.
وفي حال مساعدة أحد المحتالين من قبل شخص آخر في القيام بخداع، فإن استخدام شريك أيضًا يعتبر أداة خارجية ويشكل احتيالا. ووفقًا لمحكمة تمييز دبي في الحكم بتاريخ 12/03/2005، في القضية رقم 1/2005 لقانون العقوبات، فإنه مع ذلك، يعتبر الشريك أداة خارجية فقط إذا كانت مشاركته نتيجة لجهود ونية وتنظيم من المجرم ولم يطلبها الشريك بشكل مستقل، وسيتم النظر في دعم الشركاء وتدخلهم عند تقييم كذب المجرم الذي يرتكب جريمة الاحتيال.
إساءة استخدام المنصب
يشير الفعل المتمثل في انتحال هوية مزيفة إلى قيام المجرم بالاستفادة من هوية زائفة لإثارة استجابة مرغوبة من الضحية؛ فعلى سبيل المثال، قد يدعي المحتال أنه محاميًا للحصول على معلومات سرية من الضحية؛ ومن المهم ملاحظة أنه في حين أن هذا سوف يكون كذب صريح، فإن المادة 399 من قانون العقوبات لا تشير إلى هذه الجريمة صراحة على أنها احتيال في الهوية، بل على أنها احتيال بسيط.
غير أن هذا يختلف في الحالات التي يقدم فيها المحتال نفسه بصفته الحقيقية، ولكنه يسيء استعمال الثقة المرتبطة بالدور المعطى له في محاولة لإقناع الضحية بتسليم الأموال. فعلى سبيل المثال، يمكن لرجل الشرطة أن يلقى القبض على الضحية ويقنعه بالتزامه بدفع غرامة مزعومة، وهنا فإن المحتال لم ينتحل هوية مزيفة بل أساء استخدام منصبه وأضاف عناصر معينة لخداع الضحية؛ وفي مثل هذه الحالات، ينظر الجهاز القضائي عمومًا إلى إساءة استخدام المنصب أو السلطة بوصفه شكل من أشكال الوسائل الاحتيالية.
الخداع
الخداع هو الذي من شأنه أن يجعل الضحية يعتقد صحة الكذب، مما يتسبب في قيام الشخص العادي بتسليم الممتلكات؛ ويتطلب اختبار الخداع أن يتم خداع الشخص العادي أو العاقل من خلال ادعاءات كاذبة، ولا تندرج الأفعال الغير معقولة أو الغريبة في نطاق القاعدة.
وفيما يتعلق بالخداع بقصد الحصول على السيطرة أو التصرف في الممتلكات التي لا يحق للمحتال التصرف فيها، فإنه من الممكن أن تكون الكذبة العادية دون أداة خارجية بمثابة احتيال؛ وقد تم وضع هذا القانون ليشمل الحالة التي يعتقد فيها الضحية بصحة المعاملة المالية حتى ولو لم يقدم مرتكب الجريمة ادعاءات محددة بشأن منصبه أو صفته. وحتى إذا تم استخدام اسم مزيف أو صفة زائفة كجزء من كذبة عادية ودون دعم من أداة خارجية فإن هذه الأعمال لا تزال خادعة وينبغي معاقبة مرتكبها وفقًا لقانون الاحتيال؛ وفي هذه الحالات، إذا رأت الضحية أن هوية المتهم صحيحة دون وجود الأدلة المصاحبة المعتادة فإن المحتال لا يزال مذنبًا بانتحاله اسم مزيف أو صفة مزيفة، ومن المهم ملاحظة أن الخداع يمكن أن يتم في أشكال كثيرة، ولكن حيثما وقع كتابة فإنه يمكن أيضًا أن يشكل تزويرًا.
تحديد الضحية
يساعد القانون في التعرف على الضحية الحقيقية في الاحتيال، وينص القانون على أن الضحية هو المالك لموضوع الاحتيال، وقت ارتكاب الجريمة، كالأموال أو الممتلكات المسروقة وليس مالك العقار.
وعلى سبيل المثال، عند النظر في موقف لزوجين قام شخص يدَّعي أنه مطور عقارات ببيع عقار لهما، وبعد التوقيع على الصفقة، اتضح أن هذا الشخص لا يملك في الواقع العقار المعنيَّ واختفى مع أموال الزوجين؛ في هذه الحالة، يكون ضحايا الاحتيال هم الزوجان اللذان أتما الآن عملية شراء غير صحيحة وليس المالك الحقيقي للمنزل، والمالك الحقيقي لم يتضرر مباشرة من الجريمة، بمعنى أنه لم يتعرض لأي ضرر، على الرغم من أن حقه المنتهك في حيازة الممتلكات سوف يظل بمثابة ضرر جنائي.
تنطبق القواعد السالفة الذكر في جميع الحالات التي لا يكون فيها المحتال حائزًا للملكية موضوع البيع، سواء كانت ملكية منقولة أو غير منقولة بطبيعتها؛ ومع ذلك، إذا كانت الملكية منقولة وكان المحتال هو الحائز، فعند ذلك يكون المالك الأصلي هو أيضًا ضحية مباشرة للجريمة؛ ومن المهم أن يميز القانون بين الممتلكات المنقولة وغير المنقولة والقانون المتعلق بالملكية. وفي الجرائم المتعلقة بالممتلكات غير المنقولة مثل المنازل، فإن سند الملكية يشكل دليلًا على ملكية العقار، بصرف النظر عن الجهة التي تسيطر على الممتلكات؛ وبالنسبة للممتلكات المنقولة أو المنقولات، فيفترض أن الشخص المسيطر عليها هو المالك القانوني إلى أن يثبت خلاف ذلك.
ظروف الضحية
يأخذ القانون الجنائي في الاعتبار نية الضحية وكذلك مرتكب الاحتيال، مما يجعل هذا العنصر من الجريمة مختلفًا عن عنصر الخداع.
وفي الحالات التي ينطوي فيها الاحتيال على قيام الضحية بارتكاب جريمة غير مشروعة، فإن إجرام الضحية لا يعفي الطابع الاحتيالي للفعل؛ فعلى سبيل المثال، إذا قام مرتكب الجريمة بدور تاجر أسلحة من أجل التوسط في نقل أسلحة مسروقة إلى الضحية التي تعتزم استخدام الأسلحة لأغراض إجرامية ولكنه اختفى مع أموال الدفع قبل تسليم الأسلحة، فإن المخطط الاحتيالي ما زال قائمًا، والطبيعة الغير مشروعة لنشاط الضحايا لا تمنعهم من كونهم ضحايا.
ولتجنب التصنيف بأنه احتيال، فيلزم أن تكون الشروط المستخدمة لإقناع الضحية بتسليم الأموال صحيحة وخالية من أي تزوير؛ وفي سلطة المحكمة المذكورة أعلاه، فإن المتهمين استخدموا معرفة الضحية السابقة بحالة سرقة قائمة في المنطقة لإقناع الضحية بخطر وشيك بالسرقة والهجوم؛ ولا يشكل استخدام هذه المعلومات بحد ذاته عملًا احتياليًا.
خاتمة
يجب على الأفراد والشركات توخي الحذر عند التعامل مع الأطراف الأخرى في المعاملات التي تنطوي على تحويل الأموال أو الممتلكات، ويجب على الأطراف التحقق من الصلاحيات والملكية والصفات القانونية الأخرى قبل إبرام أي معاملة، ولا يكفي الاعتماد ببساطة على مظهر أي طرف مقابل أو وضع افتراضات عن صلاحيات الطرف الآخر.
كتبه: -خالد الحمراني/ محمد الدسوقي [email protected] / [email protected]
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً