جرائم الانترنات…العبث الإلكتروني طريق إلى السجن.com
تجاوزت مفاهيم الجريمة أبعادها المادية كالقتل والسرقة والمخدّرات… لتطرق جوانب غير متحيّزة في الزمان والمكان وقد أعلنت لحظة القطيعة التكنولوجية في أواخر القرن العشرين ميلاد مرحلة جديدة من الإبداع المعلوماتي في عالم افتراضي إننا إزاء الجريمة السبيرنطيقية ولم تكن تونس بمنأى عن هذا الصنف من الجرائم مما دفع بالمشروع التونسي إلى إصدار قانون خاص يوم 9 أوت 2000.
إعداد : منجي الخضرواي
ماهي أبرز الجرائم السبيرنطيقية التي شهدتها تونس؟
وكيف تعامل معها القانون والقضاء؟
ماهي أسلحة المجرم الالكتروني؟ وما تأثير ذلك على حياتنا المادية؟ هل هناك شرطة الكترونية؟ وما هو دورها؟ كيف يتمّ اختراق أو اقتحام الشبكات المعلوماتية والموزعات وما هي القوّة التدميرية لذلك؟ من هم ضحايا هذا الصنف من الجرائم؟ وكيف تعامل المشرّع التونسي مع الموضوع؟ وماهي أبرز الجرائم؟
**أول الجرائم
في سنة 2001 ألقى أعوان الأمن بأحد المراكز العمومية للأنترنيت بولاية بن عروس القبض على شاب مختصّ في الإعلامية وهو بصدد تحميل مجموعة من الملفات الالكترونية المتضمنة معلومات جرّمتها النيابة العمومية لاحقا ووصفتها بالمزيفة والمهدّدة لأمن البلاد وإيهام الناس بجريمة وأحيل هذا الشاب على القضاء الذي أدانه وقضى بسجنه لمدّة عامين وقد اعتبرت الجريمة السبيرنيطيقية الأول بتونس.
كما تمكن أعوان الأمن في أوائل سنة 2003 من تفكيك شبكة ارتكزت جغرافيا بمركز عمومي للانترنيت بجهة باب بنات قرب ساحة الحكومة وسط العاصمة وقد تخصّص أفراد هذه الشبكة في سرقة عمليات الربط العنكبوتية واستعمالها في مكالمات دولية دون دفع المقابل المالي لذلك بل وتمكّن أفراد هذه المجموعة من ابتكار نظام تشبيكي لخطوط الهاتف الدولية دون المرور عبر الموزعات المعترف بها مثل اتصالات تونس وتمكن خبراء الميدان من الكشف عن حيل هذه المجموعة وبالتالي تفكيكها وإحالة عناصرها على القضاء الذي حكم عليهم بالإدانة والسجن.
**كل ممنوع مرغوب
حسب بعض الخبراء فإن للجريمة السبيرنيطيقية ثلاثة مستويات وهي لذّة التحدي ثم الإفساد الانتقامي وثالثا المستوى النفعي.
المستوى الأول والثاني هما الغالبان عموما على طابع الجريمة الالكرونية في تونس أما المستوى الثالث فنادرا ما يحدث في بلادنا ولكنه يغلب على هذا النوع من الجرائم في أوروبا وأمريكا وكندا وآسيا.
بالنسبة إلى ماسمي بلذة التحدي هو أن يقوم المهاجم أو مرتكب الجريمة الالكترونية باختراق الشبكات ونظام البريد أو نظم التحميل (FTP) لمجرّد اللذة والامتاع وعادة ما يتميّز أصحاب هذا الصنف بالذكاء والفطنة لكنهم يستندون إلى مقولة كل ممنوع مرغوب.
هذا المستوى من الجرائم الالكترونية يحدث يوميا في تونس وتؤكد النسب أن أكثر النظم ضررا هي نظم البريد الالكتروني (E-mail) إذ يتعمّد بعض الشبان من منطلق الشغب لا غير إلى إرسال فيروسات أو آلاف الإرساليات إلى نفس العنوان أو اختراق كلمة المرور..
**التدمير والانتقام
أمّا بالنسبة إلى المستوى الثاني من الجريمة الالكترونية وهو الأخطر من المستوى الأول ويسمى بالإفساد الانتقامي وذلك بأن يقوم المهاجم بتدمير أو اختراق الشبكة المستهدفة أو قاعدة البيانات المعنية وإحداث تغييرات عليها أو إعدامها أو تدميرها.. وذلك على خلفية ثقافية أو دينية أو سياسية أو أخلاقية وهي حروب حقيقية تحدث في عالم افتراضي.
هذا الصنف من الجرائم لا يحدث كثيرا في تونس ولكن يمكن تسجيل بعض الحالات مثل مهاجمة موقع لجنة الدفاع عن صدام حسين بتونس لنشرها صورا دقيقة عن عمليات اغتصاب يقوم بها جنود أمريكيون ضد فتيات عراقيات أو مهاجمة بعض المواقع التونسية سواء بالداخل أو خارج البلاد في عمليات أشبه ما يكون بالكرّ والفرّ.
هذا ولم تسجّل تونس أي نوع من جرائم التجارة الالكترونية الجنسية بالأطفال «Cyber-Pédophilie» أو جرائم أكلة لحوم البشر المنتشرة بكثرة في أوروبا وخاصة أمريكا وآسيا.
إلاّ أنه يمكن أن نسجّل ارتباط بعض الشبان التونسيين بمواقع على الانترنيت تحرّض على العنف والتباغض وتؤسس لصور وممارسات على أرضية جهادية ذات مضامين توصف بالخطيرة وقد سجلت المحكمة الابتدائية بتونس خلال شهر مارس المنقضي قضية من هذا القبيل عندما تمكن المحققون من إلقاء القبض على مجموعة من الأشخاص محملين بوثائق الكترونية ممنوعة ومحظورة ليقضي في شأنهم بالإدانة وأحكام بالسجن وصلت إلى 19 سنة.
**جريمتان في تونس
أما المستوى الثالث من الجرائم السيبرنيطيقية وهو المستوى النفعي فإنه لم تسجّل بتونس مثل هذا الصنف إلا في حالتين الأولى تعمّد مجموعة من الأشخاص سرقة عمليات الربط بالانترنيت واستغلالها في مكالمات دولية دون دفع ما يقابلها من مال. كما ابتكر أفراد هذه المجموعة شبكة اتصالية دون المرور عبر الموزعات الرسمية.
ورغم أنهم لم يغنموا أموالا إلا أنهم حققوا أرباحا باعتبارهم استهلكوا مساحة اتصالية هامة مجانا أي أنهم أحدثوا ضررا لغيرهم إلا أن الحالة الثانية ربما تكون أهم وقد تمثلت وقائعها في استطاعة مجموعة من الأشخاص الأجانب يقودهم إفريقي من افتعال بطاقات بنكية ممغنطة وشحنها عبر برمجيات خاصة تم اختراق بعض النظم البنكية ولم يسحب أفراد هذه الشبكة الأموال بصفة مباشرة خشية إمكانية افتضاح أمرهم بل كان زعيمهم يتوجّه نحو محلات بيع المصوغ ويشتري كميات هائلة من الذهب والحلي والمجوهرات ثم يتم تهريب هذه البضائع وتحويلها بأوروبا إلى عملة صعبة ترسل إلى إفريقيا وبلغت المرابيح مئات الآلاف من الدولارات بعمليات قرصنة ذكية.
**عمليات الاقتحام
حسب أحد الخبراء التونسيين فإن الاختراق يتم للموزع المركزي المحمّل بقواعد بيانات ومعطيات تهم طرفا معينا وتتكوّن القاعدة الالكترونية من أربعة أطراف وهي صاحب الإيواء وصاحب الموقع والمهاجم ثم الواقعة أو الجريمة ويتحمّل فنيا وقانونيا صاحب الإيواء مسؤولية أمن المعطيات والمعلومات التابعة لصاحب الموقع سواء من الناحية الافتراضية أو المادية وعلى صاحب الموقع أن يمتنع عن نشر ما من شأنه مخالفة قوانين البلاد فهو إذن مسؤول عن النشر أما المهاجم أو المجرم الالكتروني فإنه يستعمل أسلحة ذات قوّة تدميرية كالفيروسات أو بعث إرساليات متكرّرة مثلا إعطاء أمر ببعث إرسالية واحدة مليون مرّة لنفس الموقع حتى يتمكن من تدميره أو التمكن من اختراق قواعد البيانات باستعمال برمجيات متخصّصة لتجاوز الحواجز الالكترونية والتمكّن من المسالك والعناوين المحميّة بعد فكّ شيفرتها ورموزها السرية ثم اقتحامها.
ويقول الخبير التونسي العروسي خميرة وهو متخصّص في السلامة المعلوماتية إن عملية الاقتحام لاتطال إلا الموزّعات أو الآلات المشبّكة أي المرتبطة بشبكة وعادة ما تستعمل خطوط الهاتف في عمليات الاختراق وأضاف أن لكل حاسوب هويته تسمّى (IP) إذا تمكن منها المهاجم فإنه يحدث به ما يشاء وقال إن أهم الأسلحة المستعملة في التدمير هي الفيروسات والتي تتنوّع بدورها إلى دودة فيروسية (Worm) وفيروسات تشبيكية وأخرى دورية…
**أسلحة فتاكة
وقد تعرّضت العديد من المواقع والموزعات التونسية إلى ضربات فيروسية وخاصة فيروس «الحب» أو فيروس «تشرنوبيل» الذي يظهر يوم 26 أفريل من كل سنة وأغلب هذه الأسلحة تدخل عن طريق البريد الالكتروني.
ومن أهم الفيروسات W32.Opasa@mm أو W32.HLLW.deadhat أو تركيبات Newlove وVBS/Spammer ومن أبرز الفيروسات تدميرا هو فيروس VBS-Newlove.A الذي يتميّز بسرعة كبيرة على التكاتف ليصيب كل العناوين المرتبطة بميكروسوفت أوتلوك وقد أرسلت الوكالة التونسية للأنترنيت ومؤسسة قلوبال نات خلال الأيام القليلة الماضية رسائل إلى مشتركيها تحذّرهم من فيروس جديد اسمه Worm-Netsky.B محمّل في ملف إما rtf أو Pif أو مضغوط عبر برمجية Zip كما حذّرت في اليومين الفائتين من فيروس جديد أيضا واسمه Worm-Bagle.Z محمّل في ملف اسمه Nervous-illnesses.com وقدمت قلوبال نات لمشتركيها إمكانيات المعالجة والتحصّن الأمين.
**الشرطة الالكترونية وخيانة المحمول
يقول السيد العروسي خميرة المتخصّص في أمن المعلومات إن هذا الصنف من الأمن أصبح يشكل حجر الزاوية في ثورة تكنولوجيات المعلومات والاتصال وأضاف بأن المساحة المتوفرة للخصوصية تتناسب عكسيا مع التقدم التكنولوجي لأدوات المعلوماتية والاتصال.
وقد حدّدت شركة مايكروسوفت أكبر شركة برمجيات في العالم مفهوم الأمن السبيرنيطيقية على أنه «حماية أصول وموارد نظام بطرق مشروعة وهو أيضا أداة تنظيم العلاقات والاتصالات داخل النظام دون أن يؤثر على قدرة مستخدمي النظام على الأداء وهو لايمنع الجريمة أو الاختراق نهائيا ولكن كلما كان النظام الأمني حصينا وقويا ودقيقا إلا وكان الاختراق والجريمة إما مكلفة بمعنى أن تكون تكاليف الاقتحام أو الاختراق باهظة وإما أن يحتاج المهاجم إلى وقت طويل يمكن من خلاله اكتشافه وفضح أمره.
وينصح الخبراء بطبع كافة قواعد البيانات وتخزينها في أماكن احتياطية وإتقان تشفيرها واستخدام وسائل حماية أصلية والتأكد من تنفيذ إجراءات أمن المعلومات ويقدمون نصيحة يعتبرونها ذهبية وهي احترس من عدوّك مرّة واحدة ومن صديقك ألف مرّة فهو القادر أكثر من غيره على معرفة تفاصيل صاحب قاعدة البيانات وبالتالي الأقدر على اقتحامها أو تقديم معلومات لمن يسعى إلى تدميرها كما ينصح الخبراء بترك الحاسب المحمول وقد أكدت التجربة أن الحاسوب المحمول Laptop شأنه شأن الهاتف المحمول خائن يبغض صاحبه ويحبّ سارقه.
**أرضية قانونية تونسية وقمة عالمية هنا..
لقد خصّصت جل دول العالم والمنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية.. جهودا واعتمادات كبيرة لأمن الشبكات المعلوماتية والاتصالية وأوصى المؤتمر الوزاري للمنظمة الدولية للفرنكفونية الخاص بمجتمع المعلومات المنعقد بالرباط بالمغرب في 4 و5 سبتمبر 2003 للمساهمة في القمة العالمية لمجتمع المعلومات المنعقدة في جينيف سنة 2003 وستعقد في تونس سنة 2005 في مستوى الفقرة الثانية عشر «نوصي ببذل جهود مشتركة لضمان أمن الشبكات ومكافحة الإجرام السبيرنيطيقية مع احترام الحريات الأساسية وحماية البيانات الشخصية والحياة الخاصة وينطبق ذلك أيضا علي حماية صغار السن من المحتويات المضرّة بنموّهم» وستطرح القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي ستعقد في تونس من بين نقاط عملها نقطة متعلقة بأمن الشبكات والمعلومات ومن المعروف أن المشرع التونسي هيأ أرضية قانونية لاستيعاب مجمل العمليات والمبادلات والتجارة الالكترونية من خلال سنه للقانون عدد 83 لسنة 2000 المؤرخ في 9 أوت 2000 والمتكون من 53 فصلا مبوّبة إلى سبعة أبواب وهي الأحكام العامة والوثيقة والإمضاء الالكترونيان وتنظيم الوكالة الوطنية للمصادقة الالكترونية وخدمات المصادقة والمعاملات التجارية الالكترونية وحماية المعطيات الشخصية وأخيرا الجرائم الالكترونية ومخالفاتها وعقوباتها كما انتشرت قوانين أخرى في أطر تشريعية مثل المجلة الجنائية ومجلة الاتصالات ومجلّة الصحافة… وتوسّع المشرّع نحو الجرائم الواقعة عبر الشبكات العمومية للاتصالات كجرائم الهاتف الجوّال وجرائم الهاتف العادي المرتبطة بالإساءة للغير أو إزعاج راحتهم…
ورغم أن الجريمة السبيرنيطيقية لم تميّز المشهد الالكتروني التونسي بشكل خطير إلا أن المجهود العلمي والأمني والتكنولوجي وتكوين شرطة الكترونية من أشخاص أصحاب معرفة والتوعية والزجر سوف لن تكون جدارا مانعا لوقوع هذا النوع من الجرائم ولكنها تنضاف إلى المجهود الإنساني في تهيئة أرضية افتراضية «سبيرنيطيقية» يعيش فيها المواطن بسلام بعدما عمّ الضجر العالم المادي الذي أرقته الحروب التي تقتل الإنسان.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً