مقال بعنوان متى سيصدر النظام الداخلي و مدونة سلوك النواب ؟
الدكتور ليث نصراوين
تتابع الأوساط السياسية والشعبية باهتمام وقلق شديدين مجريات الأحداث الدراماتيكية في مجلس النواب وما يرافق انعقاد جلساته من قيام عدد من السادة النواب بممارسة فنون القتال كافة واستعراض العضلات بشكل يسيء إلى سمعة المجلس النيابي وصورته أمام الرأي العام. إن ما يزيد الأمر سوءا أن ما يُجرى في مجلس النواب من مناوشات شبه يومية لم تحرك ساكنا لدى أعضائه للإسراع في إقرار مدونة السلوك والنظام الداخلي اللذين طال انتظارهما. فرغم التصريحات الملكية في أكثر من مناسبة بضرورة الإسراع في مراجعة قواعد اللعبة البرلمانية لصالح الدفع بالكتل النيابية إلى حيز الوجود ومأسسة عملها إضافة إلى إقرار مدونة سلوك خاصة بالنواب تتضمن مبادئ أساسية تحكم عملهم داخل أروقة المجلس، إلا أن السادة النواب ما زالوا مصرين على أن يضربوا عرض الحائط بالرغبات الملكية في الإصلاح، وهو ما قد يتسبب في تقصير عمرهم الدستوري في مجلس الأمة.
إن تجاوب السادة النواب مع التوجهات الملكية ما زال دون المأمول، حيث لم تتقدم أية من اللجان النيابية المختصة بأية نقاط رئيسية أو مقترحات أولية حول مسودة النظام الداخلي ومدونة السلوك اللتين تحاطان بهالة من السرية النيابية المبالغ بها. فرغم أن إقرار نظام داخلي جديد لمجلس النواب ومدونة سلوك كان من الأمور المدرجة على جدول أعمال مجلس النواب السادس عشر وبالأخص في الدورات الاستثنائية الأخيرة التي عقدها، إلا أن غياب العمل المؤسسي داخل مجلس الأمة قد أدى إلى أنه في كل مرحلة يعاد فيها الحديث عن النظام الداخلي ومدونة السلوك يبدأ العمل النيابي من البداية من دون الأخذ بعين الاعتبار ما تم انجازه من أعمال في المجالس السابقة، هذا على فرض أن تلك المجالس قد قامت بإيلاء هذه الأمور أهمية، وأنها قد شرعت فعلا في العمل على إخراجها إلى حيز الوجود.
إن المماطلة التي يبديها السادة النواب في إعادة رسم الخطوط العريضة للعمل النيابي له عواقبه الوخيمة على المجلس نفسه وعلى السلطة التنفيذية. فبالنسبة لمجلس النواب، فإن البساط قد بدأ يُسحب من تحت أقدامهم بسبب تصرفات فردية لعدد منهم، عجزت رئاسة المجلس عن مواجهتهم بصرامة وشدة بتطبيق القواعد القانونية الواردة في النظام الداخلي للمجلس ، وهو ما يثير شكوكا حول الفائدة المرجوة من إقرار أية مدونة سلوك جديدة في ظل غياب إرادة قوية وحازمة من رئاسة المجلس في التعاطي مع مشاجرات السادة النواب. فما أن تنتهي جولة من جولات “المصارعة الحرة” النيابية حتى يسارع وجوه الخير من النواب لرأب الصدع وإجراء الصلح بين المتشاجرين كخيار بديل عن فرض العقوبات التي قررها النظام الداخلي لمجلس النواب على النائب الذي يخالف أحكامه والتي تصل إلى حد منعه من الكلام وإخراجه من قاعة الجلسة، وعدم اثبات أي شيء مما قاله في محضر الجلسة واعتباره غائبا ولو لم ينسحب.
كما يمتد أثر التباطؤ الذي يظهره السادة النواب في إقرار النظام الداخلي لمجلس النواب سلبا على العلاقة مع السلطة التنفيذية. فإذا كان ما يشاع صحيحا من أن النسور قد حصل على المباركة الملكية بإجراء تعديل أول على حكومته وأنه بصدد التشاور مع النواب على أسماء الوزراء الجدد، فإن تلك المهمة لن تكون سهلة في ظل التخبط الذي تعيشه الكتل النيابية في المجلس النيابي الحالي. فالنسور يدرك تماما صعوبة المهمة التي تنتظره في عقد مشاورات مع كتل نيابية ليس لها أساس قانوني وبرلماني تستند عليه، وهو ما قد يدفعه إلى أن يسلك طرقا أخرى ملتوية تتمثل في تقديم تنازلات للسادة النواب مقابل تمرير التعديل الوزاري المقبل.
كما أن أهمية إقرار النظام الداخلي لمجلس النواب في أقرب وقت ممكن تكمن في إضفاء صفة الدستورية عليه التي حرم منها منذ عام 2001، وذلك عندما قرر المجلس العالي لتفسير الدستور عدم دستورية الفقرة (ب) من المادة (65) منه حول حق الحكومة في سحب مشروع القانون قبل التصويت وإحالته إلى اللجنة المختصة. فرغم مرور أكثر من عشر سنوات على القرار الصادر بعدم دستورية تلك المادة في النظام الداخلي، إلا أن مجلس النواب لم يبادر بعد إلى تعديلها أو التخلص منها. وقد ازدادت الأمور سوءا بعد التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011، حيث أصبح العديد من بنود النظام الداخلي الحالية غير دستورية خاصة تلك التي تتعلق بالطعن بصحة عضوية النائب والنصاب القانوني لجلسات مجلس النواب.
إلا أن الأهمية الكبرى لإقرار نظام داخلي جديد لمجلس النواب في دورته غير العادية الحالية تكمن في أن مجلس النواب سيعقد أولى دوراته العادية مطلع شهر تشرين الاول المقبل حيث ستُجرى انتخابات جديدة لرئاسة المجلس استنادا لأحكام المادة (69) من الدستور التي تقضي بضرورة أن ينتخب مجلس النواب في بدء كل دورة عادية رئيسا له لمدة سنة شمسية واحدة. فإذا أقر مجلس النواب نظامه الداخلي الجديد قبل انتهاء دورته غير العادية التي حدد الدستور الأردني مدتها بستة أشهر أسوة بالدورة العادية، فإنه سيكون أمام السادة النواب متسع من الوقت قبل بدء الدورة العادية الأولى لإعادة تنظيم صفوفهم في كتل نيابية جديدة أو إحياء وترسيخ القائم منها لغايات تفعيل دورها في انتخاب أعضاء المجلس الدائم للسنة النيابية المقبلة. أما إذا بدأ مجلس النواب عقد دورته العادية الأولى ولم ير النظام الداخلي النور بعد، فستكون مضار إقراره أكثر من إيجابياته، حيث سينشغل السادة النواب أثناء انعقاد جلسات الدورة العادية في إعادة ترميم كتلهم النيابية وما سيرافق ذلك من نزاعات ومشاحنات ستلقي بظلالها على عمل المجلس التشريعي والرقابي.
كما أن السرعة في بلورة عمل الكتل النيابية في نظام داخلي جديد من شأنه أن يبقي على الممارسة الدستورية التي اتبعها جلالة الملك في التشاور مع أعضاء مجلس النواب عند اختيار شخص رئيس الوزراء. فالظروف الخارجية المحيطة بالدولة الأردنية وتطوراتها قد تدفع نحو تغيير آلية إدارة الدولة من خلال تعيين رئيس حكومة جديد، حيث سيضطر الملك في ظل الوضع الحالي إلى إعادة التفرد في اختيار شخص رئيس الوزراء والوزراء من دون مشاورة النواب وذلك بسبب خلو المجلس من أي وجود لكتل نيابية صلبة ومتماسكة لها استراتيجياتها وأهدافها المعلنة التي تكفل التعاطي مع أي مستجدات خارجية طارئة.
خلاصة القول إن إقرار النظام الداخلي ومدونة السلوك لم يعد ترفا نيابيا بل ضرورة ملحة يجب عدم تأجيله أو المماطلة والتسويف فيه وذلك نظرا لارتباطه الوثيق بصلب العمل النيابي من تشريع ورقابة، وامتداد أثره على تأليف السلطة التنفيذية وعلى الرأي العام الذي يتابع مسلسل العنف النيابي بشغف كبير ولكن بحسرة وألم وغيظ على تردي الحياة البرلمانية في الأردن.
اترك تعليقاً