وجهة نظر قانونية حول حرية التعبير الصحفية و حماية الخصوصية
د.نوفان العجارمة
قامت الصحافة مؤخرا بنشر بعض المعلومات المتعلقة بمجلس النواب ، وقبلها قامت بنشر بعض المعلومات المتعلقة بالشخصيات العامة ، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل هل هذا يندرج تحت حق التعبير عن الرأي أو حق الحصول على المعلومة ، أم أن هذا الأمر يعتبر تعدياًعلى خصوصية الآخرين .
لذلك نحاول من خلال هذا المقال إيجاد الحدود الفاصلة ما بين الخصوصية والحرية بشكل عام وحرية الصحافة أو النشر بشكل خاص.
أولا: أهمية حرية التعبير بواسطة الصحافة:
تعتبر الصحافة أحد روافد حرية الرأي والتعبير، وتحتل منزلة مهمة في النظام الديمقراطي، فلا قيام للديمقراطية بدون حرية للصحافة، فهي دواء لكل داء، وتقييدها لا يعوق إلا الشرفاء، فإذا كانت الصحافة هي رئة الشعوب تتنفس من خلالها، وتعبر عن فرحها وآلامها، فمن خلال صفحاتها نغضب ونسعد ونعلن عن رضانا أو رفضنا من خلال تحقيق أو مقالة أو دراسة، وتسخر الشعوب من حكوماتها وإدارتها من خلال الكلمة الساخرة، والكاريكاتير الساخر، وكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا أكسجين متوافر من حوله كي يتنفس بلا قيود، كذلك الصحافة لا تستطيع أن تعيش بدون حرية التعبير وتحرير إرادة الكلمة من القهر والقمع والخوف فالصحافة ضرورة لا غنى عنها لأي مجتمع ديمقراطي يسعى للتقدم والرخاء والاستقرار، ويهدف ويرنو إلى احتلال مكانة سامية بين دول العالم المتحضر.
وبالرغم من هذا الدور العظيم والمهم لحرية الصحافة في أي نظام ديمقراطي – في العالم – إلا أن هذا لا يعني أنها حرية مطلقة بلا حدود، فالأصل المستقر في الأنظمة الديمقراطية أنه لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة بلا قيد، وإلا انقلبت فوضى وحملت في طياتها البغي والعدوان على كيان الدولة وحريات الآخرين.
فالحرية المطلقة تعني الفوضى، وقد تؤدي إلى العديد من الأضرار والاضطرابات التي تهدد كيان الدولة وبقاءها، كما تهدد الأفراد أيضا في حرياتهم وحقوقهم، لذلك كان لا بد من تنظيمها ووضع ضوابط تكفل في ممارستها حفاظاً عليها وعلى المجتمع وأفراده في آن واحد، نظرا للأهمية الشديدة والبالغة لحق الإنسان في حياته الخاصة حين يخلو إلى نفسه بعيداً عن أعين الناس، ويمارس حياته الخاصة بكل صورها وأشكالها بعيدا عن التقاليد الشائعة أو العادات المستحكمة.
ثانيا: مفهوم الحياة الخاصة أو الحق في الخصوصية:
يأبى الإنسان بطبيعته الاجتماعية الحيّة أن يتدخل أحد في شأن من شؤونه الخاصة، ولكل فرد منا حياته الخاصة التي لا يمكن أن تكون مكشوفة دون محرمات، فالإنسان يعيش مع ذاته أحياناً ويعيش مع أسرته أحياناً أخرى في هدوء وسكينة، ويتوجب على الآخرين احترام هذه الخصوصية، وهذا ما يعبر عنه بالحياة الخاصة للإنسان والتي تشمل أيضاً» الحق في السرية المهنية ، وسرية المراسلات والمحادثات، حرمة المساكن وحرية الاعتقاد والفكر، المسألة العاطفية والعائلية، والروحية والمالية ..الخ «، وهي من المظاهر الاجتماعية الضرورية لكل إنسان. وجزءاً لا يتجزأ من الوجود الإنساني تجب حمايته بكل قوة من التعسف والاعتداء أياً كان الشخص المعتدي وبغض النظر عن المعتدى عليه أو الوسيلة المستعملة في الاعتداء .
ومع التطورات العلمية المذهلة والمتسارعة، أصبح الإنسان عارياً ومكشوفاً، وبات بالإمكان وفي أي وقت تتبع حياة الفرد بكل تفاصيلها، مما دفع العديد من المفكرين وعلماء القانون إلى البحث جدياً عن السبل الكفيلة لحماية الحياة الخاصة للإنسان .
وتعد محاولة إيجاد تعريف للحياة الخاصة أمر بالغ الصعوبة حيث يترتب على وضع هذا التعريف قيد شديد على حرية الصحافة في نشر ما يعد من الحياة الخاصة، فضلا عن أنها فكرة مرنة وغير محددة، فالتعريف لا يكون إلا لشئ أو لفكرة ثابتة ومحددة أما الحياة الخاصة فهي فكرة مرنة ومتغيرة ونسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فما يعد من الحياة الخاصة للفرد في الاردن قد لا يكون كذلك في الدولة الأوروبية مثلا، وما يعد من الحياة الخاصة في زمن مضى قد لا يكون كذلك الأن او في المستقبل القريب ، كما ان الحياة الخاصة للمشاهير تختلف عنها بالنسبة للأشخاص العاديين، وتختلف ايضا باختلاف القيم والعادات والتقاليد السائدة في كل المجتمع .
وقد وضع مؤتمر الحق في الحياة الخاصة الذي عقد في جامعية الإسكندرية فيعام 1987 تعريفا للحق في حرمة الحياة الخاصة ، بانه حق الشخص في ان يحترم الغير كل ما يعد من خصوصياته مادية كانت ام معنوية ام تعلقت بحرياته على ان يحدد ذلك بمعيار الشخص العادي وفقا للعادات و التقاليد و النظام القانوني القائم في المجتمع ومبادئ الشريعة الإسلامية .
وفي مؤتمر البلاد الاسكندنافية الذي عقد في العاصمة السويدية استكهولوم في غام 1967 ذهب المؤتمر الى ان الحق في الحياة الخاصة يعني حق الفرد في ان يعيش بمنأى عن الافعال التالية:
1. التدخل في حياة اسرته او منزله .
2. التدخل في كيانه البدني او العقلي او حريته الاخلاقية او العقلية .
3. الاعتداء على شرفه او سمعته .
4. وضعه تحت الاضواء الكاذبة .
5. اذاعة وقائع تتصل بحياته الخاصة .
6. استعمال اسمه او صورته .
7. التجسس والتلصص و الملاحقة.
8. التدخل في المراسلات .
9. سوء استخدام المراسلات الخاصة الشفوية او المكتوبة .
10. افشاء المعلومات التي تصل اليه بحكم الثقة المهنية.
و يمكننا القول بان الخصوصية عكس العموم ،وهي تقترب من السر ، ولكن لا ترادفه ، فالسر ما يكتمه الانسان ويخفيه، فهو يفترض الكتمان التام ، اما الخصوصية فقد تقوم رغم عدم السرية ، فقد يكون بينهما تلازم في بعض الاحيان ، وقد يكون لكل منها مجاله المستقل في احيان اخرى، فالإصابة بمرض خطير تعتبر مما يدخل في نطاق السرية والخصوصية ، بحيث يكون افشاؤه اعتداء على السرية والخصوصية معا. اما نشر صورة فوتوغرافية لشخص دون اذنه يعتبر اعتداء على خصوصيه رغم كون صورته لا تدخل في نطاق السرية.
فالخصوصية هي حق كل انسان في التعامل مع حياته الخاصة بما يراه، وفي الاحتفاظ بأسراره التي يجب ان لا يطلع عليها الآخرون ، و يستوي ان تنطوي الاسرار و الخصوصيات على رذائل مستهجنة ،او على امور طبيعية تأنف الفطرة السليمة اظهارها كالعلاقة الخاصة بين الازواج ، او حتى على اعمال كريمة مستحسنة قد يفضل اصحابها كتمانها ابتغاء مرضاة الله كالصدقات و اعمال الخير .
وعلىأي حال، وإن كان يصعب تحديد مدلول الحياة الخاصة والإلمام بمعناها إلا أن ذلك لا يمنع أنها تتمتع بالحماية القانونية الكاملة في العديد من التشريعات حتى تظل منأى عن تدخل الغير.
ثالثا : الحماية القانونية للحق في الحياة الخاصة :
1. الاتفاقات الدولية المتعلقة بحماية حرمة الحياة الخاصة:
أ. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/ 1948، وقد نصت المادة (12) منه على أن « لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شئون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات».
ب. الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية: بتاريخ 16 /9/ 1966 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2200 لسنة 1966 بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية وقد نصت هذه الاتفاقية في المادة (17) منها على: لا يجوز التدخل بشكل تعسفي أو غير قانوني في المسائل الخاصة بأي شخص أو عائلته أو بمسكنه أو بمراسلاته، كما لا يحوز التعرض بشكل غير قانوني لما يمس شرفه وسمعته. لكل شخص الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل أو التعرض))، وقد نصت المادة (46) من الاتفاقية على سريانها اعتباراً من 15 /5/ 1967، وتتمتع هذه الاتفاقية بقوة القانون وسلطانه بالنسبة للدول الموقعة عليها، وقد انضمت الأردن إلى هذه الاتفاقية.ويعني مصطلح «غير مشروعأو غير قانوني» أنه لا يمكن حدوث أي تدخل إلا في الحالات التي ينص عليها القانون. والذي يجب أن يكون متفقا مع أحكام العهد ومراميه وأهدافه.
أي أن التدخل أو «التعرض لتدخل تعسفي» يمكن أن تمتد لتشمل أيضا التدخل المنصوص عليه في القانون،فالتدخل الذي يسمح به القانون يجب أن يكون موافقا لأحكام العهد ومراميه وأهدافه وأن يكون في جميع الحالات، معقولا بالنسبة للظروف المعينة التي يحدث فيها(انظر : تقرير اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية/ الدورة الثانية والثلاثون (1988) الأمم المتحدة )).
وتعتبر الاتفاقيات الدولية مصدرا من مصادر المشروعية في الدولة، بعد التصديق عليها من الجهة المختصة، إذ أنها تصبح بعد التصديق جزاء من التشريع الداخلي، و تلتزم جميع السلطات العامة في الدولة جميعها باحترامها و النزول عند أحكامها، كما لا يستطيع الأفراد الخروج على حكمها، إذا كان في أحكامها ما يخاطب الإفراد، ونحن نجد بان الاتفاقات الدولية المستوفية لمراحلها القانونية تتمتع بمرتبه أعلى من مرتبة القانون العادي، ولها أولوية في التطبيق على القوانين العادية إن كانت تتعارض مع التشريع الداخلي، وذلك لان المادة (27) من اتفاقية فينا المتعلقة بقانون المعاهدات لسنة 1969 حظرت على الطرف الموقع على تلك الاتفاقية التمسك بإحكام قانونه الداخلي كمبرر لعدم تنفيذ معاهدة، و الأردن من الدول الموقعة على تلك الاتفاقية وعليه فان قوة إلزام المعاهدات والاتفاقات تتعدى قوة إلزام القوانين العادية أي إنها في مرتبة أعلى من تلك القوانين.
وقد استقر اجتهاد محكمته التمييز الأردنية على ذلك حيث تقول في احد أحكامها (القضية رقم 2426/1999 الصادر بتاريخ 25/4/2000) ((… تعتبر الاتفاقيات الثنائية أو الدولية واجبة الإلزام ويجب العمل بها وهي اعلي مرتبه في التطبيق من القانون الداخلي في حال تعارضهما…)).
2. حماية الحق في حرمة الحياة الخاصة في الدستور الاردني :
مما لا شك فيه أن حماية الحياة الخاصة في صلب مواد الدستور يعد ضمانة مهمة ودستورية للمواطنين، ويعطي قدسية للحياة الخاصة وسياج لها من أن ينال منها أو يمسها تشريع أو قانون، وذلك عملاً بمبدأ سمو الدساتير وما يترتب عليه من عدم جواز تقييد هذه الحياة الخاصة أو المساس بها بأية وسيلة وإلا كانت غير دستورية. وقد اهتم المشرع الدستوري الأردني اهتماماً بالغاً بالحياة الخاصة وذلك من أول دستور في الأردن، وهو دستور 1928 وحتى الدستور الحالي دستور 1952( لاسيما التعديلات الأخيرة) حيث نص على الأمور التالية:
1. تنص المادة (7) من الدستور على: 1.الحرية الشخصية مصونة 2. كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.
2. تنص المادة (10) من الدستور على: « للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ألا في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه.
3. تنص المادة (14) من الدستور على: تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب.
4. تنص المادة (15) من الدستور على: تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعبر عن رأيه بحرية القول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.
5. تنص المادة (18) من الدستور على: تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال سرية لا تخضع للمراقبة أو الإطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون.
فالمشرع الدستوري قد أورد في هذه النصوص بعض نماذج الحياة الخاصة، وأوجب حمايتها على سبيل المثال فقط، وليس الحصر، كما أن إيراد هذه الأمثلة في صلب الدستور لا يرجع لكونها أهم من غيرها من صور الحياة الخاصة، وإنما يرجع للحرص الشديد لدى المشرع على حماية وصيانة الحياة الخاصة بكل عناصرها مما جعله يذكر أمثلة لها دون حصر لها.
ومن المقرر قانوناً أنه إذا وضع اللفظ لمعنى واحد على سبيل الشمول والاستغراق، غدا منصرفاً إلى جميع أفراده من غير حصر في عدد معين، ومن ثم كان العام دالاً على الشمول والاستغراق ولا يخصص بغير دليل، فإذا خصص العام بغير دليل كان ذلك تأويلاً غير مقبول، ولازم ذلك أن يحمل كل نص تشريعي أفرغ في صيغة عامة على معنى الاستغراق حتى يقوم الدليل جلياً على تخصيصها. الأمر الذي يكون معه هذا النص الدستوري ينطوي على حماية وتقديس حرمة الحياة الخاصة بكل صورها ودون تخصيص.
ويلاحظ ايضا أن الحماية الدستورية لحرمة الحياة الخاصة التي قررتها نصوص الدستور، وكذلك حماية المراسلات والأحاديث الخاصة باختلاف وسائلها وصورها هي حماية لم يسبق لها مثيل من الدساتير الأردنية السابقة فرضتها ظروف التطور التكنولوجي في محال وسائل المراقبة والتصنت على الأحاديث الخاصة وتسجيلها الكترونياً مما أصبح يهدد أسرار الحياة الخاصة وحرمتها بخطر حقيقي إذا لم يستلهم المشرع الدستوري والجنائي روح العصر ويكفل حماية دستورية وجنائية في مواجهة أجهزة الدولة – في المقام الأول – لأنها تملك من الإمكانات والقدرات والأسباب المختلفة ما يسهم اقتحام حرمة الحياة الخاصة، وذلك فضلاً عن مواجهة اعتداء الأفراد على حقوق غيرهم في حرمة الحياة الخاصة.
ليس هذا فحسب بل أن المشرع الدستوري الأردني قد جرم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في صلب الدستور حيث نص في المادة (7) منه، وقد قرر المشرع في النص المشار إليه تجريم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وقد جاء النص عاما مطلقاً دون تحديد أو تخصيص وذلك ليشمل كل اعتداء سواء وقع من الأفراد أو من الصحافة أو السلطة على حد سواء. ويعد هذا النص بمثابة سياج واقي ضد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة ليس له مثيل في الدساتير السابقة. ويؤكد هذا النص حرص المشرع الدستوري على صيانة كرامة الفرد وآدميته.
واجد أن المشرع الدستوري الأردني لم يكن بحاجة إلى إيراد تطبيقات الحياة الخاصة في صلب نصوص الدستور خصوصاً وإن ما أورده (حرية المسكن والمراسلات وغيرها) لا تشمل كل عناصر الحياة الخاصة فهناك من خصوصيات المرء ما يفوق أهميته تلك التطبيقات التي أوردها بالنص مثل الأمور المتصلة بالحياة الزوجية والعاطفية والحياة الصحية والصورة. و كان من الأولى بالمشرع الدستوري أن يبرز في نص عام ما لحياة المواطنين الخاصة من حرمة يحميها القانون، ثم يورد ما شاء له أن يورد من عناصر لهذا الحق في صلب النص، وإذا تعذر عليه تعداد كل ما يمكن أن يدخل في نطاق الخصوصية – خشية أن يتورط في إيراد تعريف غير جامع لكل تطبيقات الحق- فإنه كان بإمكانه أن يحيل إلى السلطة التشريعية لإضافة ما يمكن إدراجها ضمن عناصر الحياة الخاصة ومن ثم تخضع للقواعد القانونية المنظمة لها.
وبهذه النصوص الدستورية المتقدمة يكون المشرع الأردني قد وفر للحياة الخاصة حماية قوية وفعالة ومؤكدة ضد كل انتهاك واعتداء وهو ما يؤكد بجلاء أهمية الحفاظ على حرمة الحياة الخاصة وصيانتها ومكانتها العالية بين الحقوق والحريات الفردية الأخرى، وأن المشرع لم يتهاون مع أي مساس بها.
3. حماية الحق في حرمة الحياة الخاصة في التشريعات العادية:
أ. القانون المدني: ترتيباً على الأهمية الدستورية لحرمة الحياة الخاصة فقد سارع المشرع المدني الأردني ونص في المادة (48) منه على أن «لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر». وقد جاء هذا النص عاماً وشاملاً لأي اعتداء يقع على أي حق من الحقوق الملازمة للشخصية بما فيها الحق في الحياة الخاصة. وقد أورد هذا النص مبدأ مهماً هو حق من وقع اعتداء على حياته الخاصة في التعويض عما لحقه من ضرر.
ب. قانون الاتصالات: تنص المادة (17) من قانون الاتصالات رقم (13) لسنة 1995 على: كل من نشر أو أشاع مضمون أي إتصال بواسطة شبكة إتصالات عامة أو خاصة أو رسالة هاتفية اطلع عليها بحكم وظيفته أو قام بتسجيلها دون سند قانوني يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (300) دينار أو بكلتا العقوبتين.
ج.قانون العقوبات: عرفت المادة (188) الذم بالقول هو إسناد مادة معينة إلى شخص – ولو في معرض الشك والاستفهام – من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا. كما عرفت القدح بالقول: هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره – ولو في معرض الشك والاستفهام – من دون بيان مادة معينة.
د. قانون المطبوعات و النشر رقم 8 لسنة 1998:
• تنص المادة ( 4) قانون المطبوعات و النشر على: تمارس الصحافة مهمتها بحرية في تقديم الإخبار والمعلومات والتعليقات وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون وفي إطار الحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام حرية الحياة الخاصة للآخرين وحرمتها.
• تنص المادة(7) قانون المطبوعات و النشر على: آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها ملزمة للصحفي، وتشمل: أ. احترام الحريات العامة للآخرين وحفظ حقوقهم وعدم المس بحرمة حياتهم الخاصة..)).
وعليه، ومن خلال استقراء النصوص القانونية المتقدمة نجد بان ما يلي :
حول المشرع الأردني جاهدا وضع نوع من التوازن ما بين حرية الصحافة و الحق في حماية الحياة الخاصة، فالحياة الخاصةتتمتع بالحماية القانونية الكاملة في العديد من التشريعات حتى تظل منأى عن تدخل الغير وعن العلانية.ليس هذا فحسب بل أن المشرع الدستوري الأردني قد جرم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في صلب الدستور ، وقد جاء النص عاما مطلقاً دون تحديد أو تخصيص وذلك ليشمل كل اعتداء سواء وقع من الأفراد أو من الصحافة أو السلطة على حد سواء. ويعد هذا النص بمثابة سياج واقي ضد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة ليس له مثيل في الدساتير السابقة. ويؤكد هذا النص حرص المشرع الدستوري على صيانة كرامة الفرد وآدميته. فالنص الدستوري ينطوي على حماية وتقديس حرمة الحياة الخاصة بكل صورها ودون تخصيص.
ان الازمة في حرمة الحياة الخاصة لا تكمن في حمايتها دستوريا او قانونيا ، وانما في حمايتها الفعلية من تجاوزات الصحافة من نشر دقائقها وتفاصيلها، لذلكيتوجب على الصحافة ان تحترم هذا الحق وتحرص عليه ، كحرصها على حق التعبير و حق الحصول على المعلومة ، و لا يجوز ان تضحي الصحافة بهذا الحق او تنتقص منه تحت أي ذريعة من الذرائع ، فحرية الصحافة ليست مطلقة، وانما يحدها امران مرتبطان هما: امن المجتمع وسلامته و حرية الافراد وحقوقهم و اعراضهم .
ان خوض الصحافة في الحياة الخاصة للأفراد ونشر تفاصيلها لا تهم الراي العام في شيء ولا فائدة او جدوى من نشرها سوى المساس بحقوق الناس ، وكشف عوراتهم ، وانتهاك خصوصيهم ، و ايذاء مشاعرهم ، الامر الذي تعين معه على الصحافة عدم الخوض في هذه التفاصيل دون ضرورة اجتماعية او سياسية او اقتصادية او امنية تستوجب ذلك .
ان الحد الفاصل بين حق الفرد في حياته الخاصة ، وحق الجمهور في الاعلام و المعرفة هو مصلحة المجتمع ، ماذا كانت هناك مصلحة للمجتمع من النشر كان النشر اجدر بالرعاية و اولى بالحماية من حق الفرد في حماية حياة الخاصة، اما اذا عدم النشر وحماية الحياة الخاصة لا يتعارض مع مصلحة المجتمع كان عدم النشر الاولى بالرعاية والاجدر بالحماية ، لذلك يجب على الصحفي ان يضع المصلحة العليا للدولة نصب عينيه ، وقبل ان يفكر في نشر ما يمس الاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد .
* مقالة منشورة في عدد صحيفة الرأي الصادر بتاريخ 6/5/2013
اترك تعليقاً