إشكالية تطبيق عقد الإيجار الإلكتروني
د. أمين ساعاتي
لقد أحسنت وزارة الإسكان صنعا حينما أطلقت برنامج “إيجار” من خلال بوابتها الإلكترونية بمشاركة وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة التجارة والاستثمار، وكان الهدف وما زال هو إخضاع القطاع العقاري للحكومة الإلكترونية لضمان حقوق أطراف العملية العقارية، وبالذات العملية الإيجارية، ولا سيما أن مشروع الحكومة الإلكترونية هو أحد المشاريع المهمة في “رؤية السعودية 2030”.
ولقد سجلت الوزارة عقد الإيجار الإلكتروني الموحد على شبكة “إيجار” الإلكترونية، وكانت الوزارة تأمل من المواطنين أصحاب العلاقة التوجه نحو استخدام عقد الإيجار الإلكتروني الموحد بدلا من عقود الإيجار التقليدية التي تسببت في إيذاء طرفي العلاقة، وإشغال الحكومة بأمور عادية كان يجب تلافيها وعدم التورط فيها، علما بأن “إيجار” يوفر خدمة التحقق من السلوك الإيجاري لطرفي العلاقة، ويسمح للمستأجر بتقييم سلوك المؤجر، والعكس بالعكس. إن عقد الإيجار الإلكتروني الموحد يعتبر تفكيرا متقدما لا يطلبه المجتمع العقاري فحسب، بل تطلبه القضايا التي ظلت تشغل دوائر الحكومة لأكثر من نصف قرن دون التوصل إلى حلول نهائية، كما أنها وبشكلها المشوه لم تنصف المستأجر ولا المؤجر. إن تطبيق برامج الحكومة الإلكترونية في جميع قطاعات الدولة مطلب أساسي في “رؤية السعودية 2030″، ولذلك فإن تطبيق عقود الإيجار الإلكتروني جزء لا يتجزأ من “رؤية السعودية 2030”.
ولذلك فإن المطلوب من وزارة الإسكان أن تحرص على الترويج لاستخدام عقد الإيجار الإلكتروني بصورة مستمرة وعلى أوسع نطاق. ولا ننكر أن إدارة العلاقات العامة في الوزارة قامت بجهود طيبة عند إنزال منصة “إيجار” في الشبكة العنكبوتية، ولكن ما نقصده هو أن الوزارة اكتفت بما عملته في الأيام الأولى من بناء المنصة، ثم تركت الحبل على الغارب، ولذلك فإن ما نطالب به هو مواصلة وضع الخطط الترويجية لاستخدام “إيجار” بصورة دائمة ومستمرة، ثم متابعة النتائج ونشرها على الجمهور حتى تقف الوزارة على حجم الإقبال على المنصة، ومن خلال ذلك يمكن للوزارة أن تقف على حجم النجاح أو الإخفاق ـــ لا سمح الله. وما لاحظناه أن وزارة الإسكان طرحت موضوع عقد الإيجار الإلكتروني في منصتها الإلكترونية دون متابعة، ثم ثبت أن المشروع ما زال بعيدا عن التطبيق، وما زال المستأجرون والمؤجرون يجهلون هذا العقد، ويوثقون عقودهم من خلال عقود تقليدية ينقصها كثير من التوازن والحيدة والإنصاف، وبالتالي فإنها لا توفر مناخ العدالة لكلا الطرفين المؤجر والمستأجر.
ولا شك أن العقد الإلكتروني الموحد يوفر مناخ العدالة لكل الأطراف، كما أنه يسهل أمام القضاء سرعة اتخاذ الأحكام العادلة بعيدا عن اختلاف نصوص العقود الاجتهادية التي تصعب أمام القضاء اتخاذ الأحكام بسرعة وسهولة. والمؤسف أن وزارة الإسكان لم تقم بواجبها من ناحية الترويج لهذا العقد الموحد، ولم تتابع كيفية تطبيقه وشرح فوائده المضمونة لطرفي العقد، بل أعلنت الوزارة عن منصة “إيجار” ثم تركت للناس مهمة تطبيق العقد. ونعرف جميعا أنه في مثل هذه الحالات يحتاج المشروع إلى متابعة مستمرة من أجل تحقيق أعلى نسبة من نسب التطبيق على أرض الواقع. إذن القضية لا تنتهي بوضع العقد في منصة الوزارة، بل يحتاج الأمر إلى توعية المؤجرين والمستأجرين بكيفية تطبيقه ومزاياه العادلة لكل الأطراف، وتأكيد أن هذا العقد عمل أساسا لمصلحة طرفي القضية وهما المستأجر والمؤجر، وبالتالي فهو مشروع يخدم جميع الأطراف ويوفر مناخ العدالة والإنصاف للجميع. إن العقود الشائعة قبل ظهور عقد الإيجار الإلكتروني الموحد هي عقود فيها عوار كثير وتحتاج بالفعل إلى تجويد وإعادة صياغة حتى تغطي كل أبعاد العملية الإيجارية التي تراعي المصالح الخاصة والعامة لطرفي التعاقد المالك والمستأجر.
إذن المشكلة تكمن في أن المؤجر والمستأجر لا يعرفان كثيرا عن العقد الإلكتروني الموحد، وهنا يأتي دور الوزارة كما قلت في ضرورة قيام إدارة العلاقات العامة في الوزارة بوضع خطة لترويج العقد وإرسال رسائل توعوية من خلال وسائل الإعلام ابتداء من منصات التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الإعلام التقليدي، وعندئذ ستحقق الوزارة الهدف الرئيس من تصميم هذا العقد الذي أحسب أنه سيضع حدا للخلاف الضاري والمزمن بين المؤجر والمستأجر طوال سنين طويلة ظلت مشاكل عقود الإيجار تقلق الدوائر الحكومية. وهناك إحصائية غير رسمية تقول إن نحو 30 في المائة من القضايا التي تنظرها المحاكم هي القضايا الإيجارية، أي أن 30 في المائة من أعمال المحاكم هي أعمال تتعلق بالفصل في قضايا الإيجار العقاري، وكان يمكن لهذه القضايا أن تحسم من خلال العقد الإلكتروني الموحد الذي صمم كي يضمن حقوق طرفي القضية دون إشغال المحاكم بقضايا يمكن حلها من خلال عقود موحدة تتوافر فيها كل المواد اللازمة لتوفير العدالة بين طرفي القضية.
إن عقد الإيجار الإلكتروني الموحد يعد سندا تنفيذيا يضمن السداد إلكترونيا، وهذا من شأنه أن يقلص النزاعات ويضمن حلها بسرعة وسهولة، وإذا رجونا من وزارة الإسكان القيام بضرورة الترويج والمتابعة لضمان استخدام العقد الإلكتروني الموحد في التعاقدات، فإننا نهيب بالمواطنين الاهتمام باستخدام العقد الموحد بدلا من استخدام عقود اجتهادية وتقليدية لا تتوافر فيها شروط العدالة والحيدة والإنصاف.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً