الاعتداء المفضي إلى عاهة مستديمة في حالة المفاجأة بالزنا :
يقصد بالعاهة المستديمة الفقدان النهائي كلياً كان أو جزئياً لمنفعة أحد أعضاء الجسم سواء بقطع هذا العضو أو بفصله أو بتعطيل وظيفته. والقول بتحقق العاهة أو عدم تحققها يكون الرأي الفاصل فيه لقاضي الموضوع طبقاً لما يتبينه من وقائع الدعوى وتقدير الطبيب(1). بين قانون العقوبات العراقي صور العاهة المستديمة عندما نصت المادة (412/1) منه على أنه (…وتتوفر العاهة المستديمة إذا نشأ عن الفعل قطع أو انفصال عضو من أعضاء الجسم أو بتر جزء منه أو فقد منفعته أو نقصها أو جنون أو عاهة في العقل أو تعطيل في أحدى الحواس تعطيلا كلياً أو جزئياً بصورة دائمة أو تشويه جسيم لا يرجى زواله أو خطر حال على الحياة). وقد قضت محكمة التمييز في العراق بأن (العاهة المستديمة تنشأ بمجرد الانفصال التام للعضو المصاب كلياً أو جزئياً)(2)، كما لو (بتر جزء من الاصبع فأنه يشكل عاهة مستديمة)(3). ولو فرضنا أن زوجاً أو محرماً فوجئ بزوجته أو إحدى محارمه متلبسة بالزنى مع شريكها أو وجودهما في فراش واحد، فأنهال الزوج أو المحرم عليهما بالخنجر قاصداً الاعتداء عليهما فأدى ذلك إلى قطع كفيهما أو كف أحدهما، فلا شك أننا بصدد جريمة اعتداء افضت إلى احداث عاهة مستديمة معاقب عليها بموجب المادة (412/2) عقوبات، لكن قانون العقوبات العراقي لا يعاقب الجاني الا بموجب العقوبة المنصوص عليها بالمادة (409) منه لتوفر العذر القانوني المخفف. ويلاحظ إن بعض قوانين العقوبات تنص على تخفيف العقاب عند حصول جريمة القتل فقط ولا تنص على حالات ارتكاب جرائم الإيذاء وخاصة العاهة المستديمة، كقانون العقوبات المصري والجزاء الكويتي. ولكن الفقه في مصر مسلم باستفادة الجاني من التخفيف قياساً من باب أولى عند ارتكاب الجاني لفعل مفضي إلى عاهة مستديمة(4)، إذ إن القول بغير هذا هو من التناقض الذي ينزه الشارع عنه فضلا عن أنه حث على القتل إذ يكتفي الجاني نفسه بجريمة أخف(5)، إذ لا يصح أن يكون عقاب الزوج على القتل اخف من عقابه على ضرب احدث عاهة مستديمة(6). وتجدر الاشارة إلى أن قانون العقوبات البغدادي ايضا وفي المادة (216) منه كان ينص على حالة القتل فقط. ولكن قانون العقوبات الحالي قد تجاوز هذه الصعوبة بنصه في المادة (409) منه على جرائم القتل (المادة/405) منه والمعاقب عليها بالسجن المؤبد أو المؤقت، والاعتداء المفضي إلى الموت (المادة /410) منه والمعاقب عليها بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة، والاعتداء المفضي إلى عاهة مستديمة (المادة/ 412/2) منه والمعاقب عليها بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس. وشمل هذه الجرائم بالتخفيف ان ارتكبت حال المفاجأة بالزنى. ولكن من الواضح أن نص المادة (409) عقوبات لم يتناول جرائم الإيذاء المنصوص عليها في المادة (413) منه والتي يمكن أن ترتكب حال المفاجأة بالزنى ايضاً، فهل يمكن القول بشمولها بالتخفيف من باب أولى؟ هذا ما سيتم بحثه في الفرع الثاني الخاص بارتكاب إحدى جنح الإيذاء في الحال (الإيذاء البسيط).
______________________
1- ينظر د. رمسيس بهنام، قانون العقوبات-جرائم القسم الخاص، مرجع سابق، ص871.
2- القرار رقم 999/جنايات/74 في 28/4/1974. النشرة القضائية، ع2، س5، 1977، ص312.
3- ينظر قرار محكمة التمييز في العراق رقم 457/تمييزية/75 في 7/6/1975. مجموعة الأحكام العدلية، ع2، س6، 1975، ص247.
4- ينظر د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات- القسم الخاص، مرجع سابق، ص140. د. رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص90.
5- ينظر د. جلال ثروت، الجريمة متعددة القصد، مرجع سابق، ص596.
6- ينظر د. احمد محمد ابراهيم، قانون العقوبات وأهم القوانين المكملة له، ط3، دار المعارف، القاهرة، 1964، ص339.
الاعتداء المفضي إلى الموت عند المفاجأة :
إن الاعتداء المفضي إلى الموت(1)، هو أن يعتدي الجاني عمداً على آخر بالضرب أو الجرح أو العنف أو باعطائه مادة ضارة أو بارتكاب أي فعل مخالف للقانون ضده ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الاعتداء يفضي إلى موته (المادة/410) عقوبات عراقي. إن هذه الجريمة هي صورة من صور الجرائم التي تعدى الحدث فيها حدود القصد ليستقر عند نتيجة أشد جسامة لم يقصدها الجاني(2)، وهي في واقع الأمر تختلف عن القتل العمد، إذ فيها يقصد الجاني إلى مجرد الضرب أو الجرح أو اعطاء مادة ضارة لإيذاء المجنى عليه في سلامة جسمه، لكن النتيجة تتجاوز قصده فتحدث الوفاة، وهي نتيجة ما كان الجاني يقصدها اصلاً. أما في القتل العمد فالجاني يقصد ابتداءاً انهاء حياة المجني عليه(3). وقد يحصل أن ترتكب هذه الجريمة حال المفاجأة بالزنى، كما لو ان المتهم قام بضرب المجنى عليها (أو شريكها) بالحجارة ولم يقصد قتلها (أو قتله) لكن الحادث افضى إلى وفاتها (أو وفاته) فتكون اركان المادة (410) عقوبات هي المنطبقة على فعل المتهم(4)، لكن قانون العقوبات العراقي قد عاقب المتهم الذي يرتكب جريمة الاعتداء المفضي إلى موت حال المفاجأة بالزنى إن وقعت على الزوجة أو احدى المحارم وشريكها أو احدهما بموجب المادة (409) منه وليس بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (410) عقوبات بالنظر لتوفر العذر القانوني المخفف. وعلى أساس ما تقدم يمكن القول أنه قد يترتب على الاعتداء حال المفاجأة بالزنى إجهاض(5). المجنى عليها، في هذه الحالة نعتقد أن الجاني يسأل عن فعله وفق أحكام المادة (409) عقوبات وليس أحكام المادة (418/1) منه، ونفس الحكم يطبق في حالة ما إذا افضى الاجهاض إلى موت المجنى عليها المنصوص عليه في المادة (418/2) عقوبات. إذ إن ارادة الجاني في هذه الأحوال تتجه إلى مجرد الاعتداء عليها ولم يكن قاصداً احداث الإجهاض. أما قانون العقوبات المصري وفي المادة (237) منه فقد عاقب الزوج بالحبس أن ارتكب جريمته حال المفاجأة بالزنى بدلاً من العقوبة المقررة في المادة (236) منه. وتنص المادة الأخيرة على أنه (كل من جرح أو ضرب أحداً عمداً أو اعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه افضى إلى الموت يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث إلى سبع سنوات).
__________________
1- إن جريمة الضرب او الجرح المفضي إلى الموت في القانون الوضعي تقابل جريمة القتل شبه العمد في الشريعة الاسلامية. ينظر د. عبد الخالق النواوي، جرائم الجرح والضرب في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، المكتبة العصرية، بيروت-صيدا، بلا سنة طبع، ص13.
2- ينظر د. جلال ثروت، نظرية الجريمة المتعدية القصد في القانون المصري والمقارن، دار المعارف، القاهرة، 1964، ص8.
3- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، مرجع سابق، ص172.
4- ينظر قرار محكمة التمييز في العراق رقم 10/موسعة ثانية /99 في 29/4/1999. اشار إليه علي محمد ابراهيم الكرباسي، مرجع سابق، ع79، السنة 2000، ص7. وبنفس المعنى القرار رقم 2857/جنايات/74 في 27/5/1974. مجموعة الأحكام العدلية، ع2، س6، 1975، ص267.
5- ينظر في معنى الإجهاض د. واثبة داود السعدي، الإجهاض فقهاً وقانوناً ، مجلة القانون المقارن، جمعية القانون المقارن العراقية، ع24، مطبعة الزمان ، بغداد، 1996، ص37.
المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً