المشروع الفردي في شركة الشخص الواحد في النظام السعودي
إن من أهم وأبرز مستجدات نظام الشركات 1437هـ، إقراره للمشروع الفردي بمسؤولية محدودة والمسمى بشركة الشخص الواحد (ش.ش.و)، فأوجد الشخصية الإعتبارية التي تنشأ بإرادة منفردة خروجاً وإستثناءً على تعريف الشركة الواردة بالمادة الثانية من النظام، وإقرار المنظم السعودي لهذه الشركة لما وجده من حاجة ملحة للإقتصاد ولإستقرار المشاريع وديمومتها وتهيئة البيئة الداخلية للمنشأة التي تساهم وتدعم بقاء الكيان نشط في الإقتصاد، ويعاب على المنظم هنا عدم النص على جواز إنشاء شركة بإدارة منفردة في مادته الثانية والخاصة بتعريف الشركة، فعدم إيراد إستثناءاً لتعريف الشركة في هذه المادة بجواز تكوينها بإدارة منفردة حتى يجوز أن يُطلق مسمى شركة على المشروع الفردي، وهذا النقص يوقعه محل جدل فقهي قديم كان من الممكن تداركه وتلافيه.
وبيّن النظام أن شركة الشخص الواحد أصولاً لا تؤسس إلا كشركة ذات مسؤولية محدودة، فالمادة (151) المُعرِفة للشركة المحدودة لم تضع حد أدنى للشركاء، ومن ثم يكون هذا التعريف الخاص مقيداً للأصل المتقرر بالمادة الثانية من أن الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر ويتأكد ذلك صراحة في المادة (154) وعليه فشركة الشخص الواحد (ش . ش . و) ولادتها تحققت بين طيات النصوص النظامية للشركة ذات المسؤولية المحدودة.
فشركة الشخص الواحد والتي دُرج على تسميتها بالفقه القانوني بمؤسسة الشخص الواحد المحدودة نشأت من رحم الشركة ذات المسؤولية المحدودة في ألمانيا بحكم قضائي عام 1884م ثم تلاه التنظيم القانوني لها من ذلك: القانون الألماني والفرنسي والإنجليزي وعلى المستوى العربي الجزائر والأردن ومصر وعلى المستوى الخليجي فالبحرين وقطر والكويت والإمارات وأخيراً السعودية. والنظام السعودي عرف شركة الشخص الواحد وأوجدها قبل صدور نظام الشركات 1437هـ، إلا أن ذلك في حالات محدودة وإستثنائية من ذلك: سماح المنظم لعموم البنوك بتأسيس شركة شخص واحد، بموجب المرسوم الملكي ذي الرقم (م/49) وتاريخ 18/09/1430هـ، على أن تتخذ إما شكل شركة ذات مسؤولية محدودة أو مساهمة مقفلة.
وشركة الشخص الواحد يمكن أن تؤسس بطريق مباشر وغير مباشر، فالمباشر وفقاً للمادة (154) تقرر الجواز للشخص الطبيعي (العادي) على أن تتخذ شكل شركة شخص واحد ذات مسؤولية محدودة، ولا يجوز له تأسيس أكثر من شركة شخص واحد ذات مسؤولية محدودة.
أما الشخصية الإعتبارية وللمساهمة حصراً يجوز لها بشروط تقررت بالمادة (55) فالدولة أو إحدى شخصياتها العامة والشركات التي تملكها بالكامل فلا قيود عليها بـتأسيس شركة شخص واحد، أما المساهمة التي تشارك الدولة فيها مع الغير أو المملوكة لأشخاص طبيعيّن أو الإعتبارية الخاصة، فيجوز لها تأسيس شركة مساهمة من شخص واحد متى ما كان رأس مالها خمسة ملايين ريال وأكثر، ويحق للمساهمة برأينا تأسيس أكثر من شركة شخص واحد، إذ لم ينص المنظم على قيد يمنعها على غرار ما ورد للشركة ذات المسؤولية المحدودة لشخص واحد. أما الطريق الغير مباشر،
فالحالة الأولى: عندما يتملك ويستحوذ الشخص الطبيعي أو الإعتباري لكامل حصص الشركة ذات المسؤولية المحدودة فتبقى الشخصية الإعتبارية دون تأثير ويلزم حينها على المستحوذ الإشهار بأنها شركة ذات مسؤولية محدودة مملوكة من شخص واحد. والحالة الأخرى: تملك مساهم شخص طبيعي أو إعتباري كامل حصص الشركة المساهمة فحينها تنقضي المساهمة بقوة النظام ما لم يتم الوفاء بما أوجبه النظام بإدخال مساهم آخر خلال (12) شهراً من تحقق الإستحواذ المنفرد، لتكون من شريكين فتبقى المساهمة قائمة دون تأثير على كيانها أو تحويلها لمحدودة شخص واحد في حال عدم تحقق ذلك، أما إن كان الإستحواذ متحقق من إحدى الشخصيات العامة أو إحدى الشركات المملوكة بالكامل للدولة فلا تتأثر المساهمة. ومن أهم المزايا والمبررات لشركة الشخص الواحد:
1) إستمرار الكيان الإعتباري بعد وفاة مالكها.
2) الحد من الشركات الوهمية أو الصورية.
3) إيجاد وتحقيق فاعلية لإدارة الشركة
4) الرقابة على الكيان مالياً وإدارياً.
5) فصل الملكية عن الإدارة.
6) حماية لأملاك وأموال التاجر المؤسس الخاصة التي لم يخصصها للأعمال للتجارة.
فكل ذلك ضمانة لإستمرار وديمومة نشاط الشركة وعدم تعطله عند وفاة مالكها ودحراً للأسباب المفضية للنزاعات التي قد تقع بين الشركاء أو الورثة التي تؤثر وتعطل نشاط الكيان والمتعاملين معه، وبالتالي بقاء الكيان لتمتعه بشخصية إعتبارية مستقلة عن شخصية المالك مستمراً نشطاً بالإقتصاد، وسهولة دخول الورثة أو غيرهم كشركاء بالشركة وفقاً لأنصبتهم بالميراث بإجراء شكلي بسيط دون مساس بالشخصية الإعتبارية أو إستحداث شخصية إعتبارية جديدة.
وقد يقال بأن لها عيوب، ونقول بأنه لا يوجد أي عمل أو نشاط إلا ويعتريه ذلك، والمنطق أن يتم الموازنة بين المبررات والفوائد المتحققة والمرجوة وبين المساوئ أو العيوب، فشركة الشخص الواحد بلا شك ولا جدال يحتاجها الإقتصاد والمجتمع السعودي حاجةٍ ملحة ماسة، فقد يعيبها البعض بعدم قبول إمكانية فصل ذمة المالك الوحيد للشركة عن ذمة شركة الشخص الواحد، وأن في ذلك ضياع لحقوق الأخرين، ويُرد على ذلك بأن المساهم في الشركة المساهمة تحددت مسؤوليته بحدود السهم، وبالمحدودة حصرت بحصته فيها، ولا تتجاوز لأمواله الخاصة إلا إن ضمِنَ بشخصه أو قدم ضمانً من ماله للشركة لهذا التعامل أو عند عدم مراعاة الأنظمة أو تحولها لتضامنية متى ما بلغت خسائر الشركة نصف رأس مالها ولم يتم إتخاذ الإجراءات النظامية لإستمرار الشركة،
كما منع النظام تسمية الشركة المحدودة عموماً بإسم الشخص الطبيعي إلا في حالات معينة تأكيداً على فصل الإعتبار الشخصي عن الإعتباري، فالنظام ألزم الشركات المحدودة والمساهمة بإعلان مقدار رأس مالها للجميع في تعاملاتها وتعاقداتها، حتى يعلم المتعاقد ما هي حدود مسؤولية الشركة عند التعامل، والواقع العملي أن كثيراً وخصوصاً للشركة المحدودة يتم طلب ضمانات ورهون إضافية لإتمام التعاقد، كما يبرز ذلك الطلب أمام بعض الشركات المساهمة، فالتراخي أو تجاهل تطبيق الإعلان ترتب أن ذمة أعضاء إدارة الشركة الشخصية المالية ضامنة لجميع حقوق الغير ولكل متضرر من تغييب هذه البيانات الجوهرية الحق بالتعويض تجاههم شخصياً، فضلاً عن تطبيق عقوبة المالية قدرها خمسمائة ألف ريال على كل شخص أهمل في أداء واجبه في إشهار أي من البيانات المقررة نظاماً.
كما أُفردت وخُصصت لشركة الشخص الواحد عقوبة بكسر حدود الضمان بملاءة الشركة أو رأس مالها فتقرر مسؤولية مالكها في جميع أمواله عن إلتزامات الشركة في حالات منها عدم الفصل بين أعمال الشركة والأعمال الخاصة لمالكها التي لا تتعلق بنشاط الشركة أو وجود سوء نية من مالكها، وعليه فإن حدود مسؤولية الشركة متى ما أعلنت وفقاً للنظام ولم يطلب المتعاقد أي ضمانات إضافية أو رهون فهو قبول منه بملاءة الشركة المُشهرة المحدودة برأس مالها. فمما سبق، استعراض للملامح الرئيسة الأساسية الهامة لشركة الشخص الواحد التي يرمز لها بـــ(ش. ش. و)، ونتوقع بأن هذه الشركة ستكون النجم الساطع الغالب بين الشركات كونها تعالج الإحتياج الفعلي للتاجر السعودي الراغب بتحديد مسؤوليته وحريته بالقرار، وتقضي على الممارسات الخاطئة والصورية في الشركات، ونبين بأن هذه الشركة (ش. ش. و) خاصة يتوجب على الشخص المالك التعامل معها بحذر في تصرفاته، فالنظام حذر من أي تصرف خاطئ أو إهمال بأن رتب إنفتاح إلتزامات الشركة على عموم الذمة المالية لشخصية المالك للشركة. إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحمدلله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولوالديّ وأتوب إليه.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عبدالعزيز بن عبدالله الخريجي
محامي مستشار
اترك تعليقاً