دستورية شمول المؤسسات العامة بنظام الخدمة المدنية
د.نوفان العجارمة
تتجه الحكومة الحالية إلى تنفيذ مشروع إعادة الهيكلة الذي قررته الحكومة السابقة، وذلك من خلال تطبيق نظام الخدمة المدنية على كافة موظفي القطاع العام بما فيهم موظفي المؤسسات المستقلة، وقد طالعت بعض الآراء القانونية التي تشير إلى عدم دستورية هذا الإجراء ، نظرا لان موظفي المؤسسات المستقلة تنظم شؤونهم أنظمة خاصة صادرة بموجب قوانين صادرة عن مجلس الأمة ، الأمر الذي يحول دون تطبيق نظام الخدمة المدنية على موظفي هذه المؤسسات.
وبنظرة بسيطة إلى ظاهر النصوص نجد بان الإجراء المنوي القيام به من قبل الحكومة يتفق و أحكام القانون، وان شمول موظفي المؤسسات المستقلة بأحكام نظام الخدمة المدنية سواء بشكل مباشر أو عن طريق تضمينه أحكاما تعدل في أنظمة موظفي المؤسسات المستقلة يتفق وأحكام الدستور، وذلك للأسباب التالية:
1. لقد بين المشرع الدستوري في المادة (120) من الدستور كيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم، وذلك من خلال أنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة جلالة الملك، وهذا النوع من الأنظمة يعرف بالأنظمة المستقلة، وقد صدر نظام الخدمة المدنية الحالي رقم (30) لسنة 2007 بالاستناد إلى المادة (120) من الدستور .
2. أنظمة موظفي المؤسسات المستقلة صادرة بالاستناد إلى قوانين تلك المؤسسات،وهذه الأنظمة، تعرف بالأنظمة التنفيذية، تجد سندها في المادة (31) من الدستور و التي أجازت لجلالة الملك أن يأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذ القوانين بشرط أن لا تتضمن ما يخالف أحكام تلك القوانين .
3. من المستقر فقهاء و قضاء على إن علاقة الموظف بالدولة (سواء كان موظف خدمة مدنية أم مؤسسات مستقلة) تكيّف على أساس أنها علاقة تنظيمية أو لائحية، ومؤدى الفكرة اللائحية في تنظيم العلاقة الوظيفية، أن القوانين والأنظمة هي التي تنشيء الوظيفة، وهي التي تحدد شروط شغلها ومسئولياتها وحقوقها وواجباتها، وذلك بصرف النظر عمن يشغلها، والذي يعد – والحالة هذه – في مركز تنظيمي أو لائحي .ولهذا فإن قرار التعيين لا ينشيء لهذا الموظف مركزا ذاتيا خاصا به، فهذا المركز موجود في الواقع وسابق على قرار التعيين بمقتضى القوانين و الأنظمة. ومعنى ذلك أن قرار التعيين لا يخلق الوظيفة، وإنما يعنى التحاقه الشخصي بهذه الوظيفة. ولذا فإن قبول الموظف لهذا القرار، أي قبوله شغل الوظيفة، يعد قبولا لكافة الأحكام التي تنظمها هذه القوانين وتلك الأنظمة بما تتضمنه – بطبيعة الحال – من اختصاصات ومسئوليات، وكذلك من حقوق وواجبات.
4. و يترتب على القول بان علاقة الموظف بالدولة هي علاقة تنظيمية، أن للإدارة بمالها سلطة عامة حق تعديل كافة الأحكام المنظمة للوظيفة العامة إذا اقتضى الصالح العام ذلك، وليس للموظف في هذه الحالة التمسك بأن له حقا مكتسبا في أن يعامل بمقتضى القوانين والأنظمة السابقة، أي التي عين في ظل سريان أحكامها، ذلك أن مركزه من هذه الزاوية، إنما هو مركز قانوني عام يجوز تغييره أو تعديله في أي وقت وكلما أرادت الإدارة ولكن بشرطين: الأول: أن يتم هذا التعديل بإجراء عام وبذات الأداة القانونية التي نظمت أحكام الوظيفة وحددت مركز شاغلها. والثاني: ألا يسري التعديل بأثر رجعي بما من شأنه إهدار المراكز القانونية الذاتية التي تكون قد تحققت من قبل لصالح الموظف إلا بنص خاص في القانون وليس في أداة أدنى منه.
5. لا يمكننا أن نتصور وجود تعارض بين أحكام القانون والنظام المستقل، فإذا كانت ثمة تعارض، فيكون أحداهما غير دستوري، أما يكون القانون غير دستوري كون المشرع نظم أمرا من اختصاص السلطة التنفيذية، أو العكس أن تكون السلطة التنفيذية نظمت امرأ بموجب نظام ، والأصل أن ينظم بموجب قانون . وعلى هذا الأساس أفتى المجلس العالي لتفسير الدستور (بموجب قراره رقم 1 لسنة 1965) بعدم دستورية قانون الخدمة المدنية رقم (48) لسنة 1963 كون موضوعه ((يدخل في نطاق المسائل الواردة في المادة (120) من الدستور، والتي يجب أن يتم تنظيمها بنظام تصدره السلطة التنفيذية استنادا لهذه المادة وبذلك يعتبر القانون المشار إليه مخالفا لأحكام الدستور وهذا لا يجعله غير قائم بل لا بد من إلغائه بقانون جديد)).
6. لا يجوز للمشرع العادي(من خلال القانون) أن يتناول أي أمر يتعلق بالموظف العام في الدولة، لأنه أن فعل ذلك يكون خالف وبشكل صريح أحكام المادة (120) من الدستور، فالسلطة التشريعية لا تملك حق التشريع في المسائل المنصوص عليها في هذه المادة لان الدستور قد أناط هذا الحق بالسلطة التنفيذية على اعتبار انه من الضمانات الدستورية اللازمة لاستقلال السلطة التنفيذية. فإذا خرجت السلطة التشريعية على هذا المبدأ وتناولت تلك المسائل بالتشريع فان القانون الذي تصدره بهذا الشأن يكون مخالفا للدستور، وعليه فان كل النصوص القانونية الواردة في قوانين المؤسسات المستقلة وتتحدث عن تنظيم شؤون الموظفين بموجب أنظمة هي غير دستورية ،كونها تخالف أحكام المادة (120) من الدستور.و تطبيقا لذلك قضت محكمة العدل العليا في الدعوى رقم 27/1968 (( أن النص الوارد في المادة الثالثة من قانون مجلس الأعمار على تحديد مدة تعيين نائب رئيس مجلس الأعمار لخمس سنوات قابلة للتجديد هو نص يتعلق بكيفية تعيينه، وكان يقتضي بحسب المادة 120 من الدستور أن يتم ذلك بموجب نظام وليس بموجب قانون، وبالتالي يكون هذا النص مخالفا للدستور ولا يعمل به ….)). فالدستور هو القانون الوضعي الأسمى صاحب الصدارة فكان ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه فإذا ما تعارضت التشريعات مع أحكام الدستور، وجب الالتزام بأحكام الدستور.
7. من المستقر فقهاً وقضاءً أن النظام الذي يصدر تنفيذا لأحكام أي قانون(بما في ذلك أنظمة موظفي المؤسسات المستقلة) يجب أن تقتصر أحكامه على قواعد تنفيذية محضة لا تزيد شيئا على نصوص القانون أو تحد منها عملا بالمادة (31) من الدستور. ودائما – ولغايات وضع نظام تنفيذي- يجب النظر إلى الأهداف و المهام الكلية التي أنشئت من اجلها المؤسسة المستقلة ، فإذا خرج النظام التنفيذي عن هذا الأمر فانه يخالف أحكام المادة (31) من الدستور. والسؤال: لماذا يتم وضع أنظمة تنفيذية في قوانين المؤسسات المستقلة تتعلق بالموظفين طالما المشرع الدستور تكلف بهذا الأمر، وافرد نصا خاصا لهذا الأمر في المادة (120) منه ؟؟
8. أن الأنظمة التنفيذية الخاصة بالمؤسسات المستقلة والمتعلقة بشؤون الموظفين صدرت بالاستناد إلى نصوص قانونية غير دستورية، و لا يعمل بها، ومن حق الحكومة أن تسترجع ولايتها العامة المنصوص عليها في المادة (120) من الدستور ، وذلك بإخضاع جميع موظفي القطاع العام إلى نظام الخدمة المدنية، و الذي يتطلب بالضرورة مراجعة شاملة حتى يستوعب هذا الأمر .
9. وأخيرا ، نود القول بان تعبير الموظف الوارد في المادة (120) من الدستور ، يجب أن يفسر ضمن إطار التعبير الوارد في المادة (76) من الدستور، فالوظيفة العامة وفقا لأحكام تلك المادة هي( كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة) وعليه ، لا مجال لتطبيق مشروع إعادة الهيكلة على المؤسسات التي لا تعتبر أموالها أمولاً عامة، و التي تعرف بالمؤسسات ذات النفع العام، كالمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي مثلا فأموالها تتحصل من اشتراكات المنتسبين إليها واستثمار هذه الأموال ولا تدخل في ميزانية الدولة وتنفق من أموالها الخاصة بها.ومن ثم، لا تعتبر مؤسسة عامة تابعة للحكومة.
المحامي الدكتور نوفان العجارمة
أستاذ القانون الإداري و الدستوري المساعد
كلية الحقوق – الجامعة الأردنية
اترك تعليقاً