أولا : تعريف الحياة الخاصة
الحيـاة الخاصـة لغــة : مأخوذة من الفعل (خصص) و (خصّه) بالشيء (خصوصا) و (خصوصية) بضم الخاء وفتحها والفتح أفصح . و (اختصه) بكذا افرده به دون غيره وخصه به ، ويقال اختص فلان بالامر وتخصص له اذا انفرد به و (الخاصة) ضد العامة (1) . امـا اصطلاحـا : فعلى الرغم من حماية المشرع للحياة الخاصة للافراد وتقريره العقوبات على الاعتداء الواقع عليها والذي يمس حرمتها وينتهك قدسيتها إلاّ ان المشرع العراقي – وكذلك المصري والاردني – لم يضع تعريفا للحياة الخاصة ولا مقصوده منها ، فلم يرد في تحديد معناها ونطاقها اي بيان ، وربما كان السبب في ذلك هو صعوبة تحديد ما هو خاص أو عام في حياة الإنسان، فالحياة الخاصة للانسان تضيق وتتسع حسب الظروف والاحوال ومدى الشعوب والافراد ، واذا كان من المتفق عليه ان نطاق الحياة الخاصة يتمتع بالحماية القانونية فيقتضي ان يظل بعيدا عن تدخل الغير وعن العلانية ، إلاّ ان تعريف الحياة الخاصة ما زال من الامور التي تثير النقاش والخلاف في الدراسات القانونية (2) . وتعد فكرة الحياة الخاصة فكرة مرنة تختلف وتتطور من مجتمع إلى اخر فهي تتمتع بالنسبية وتختلف حسب الاخلاقيات السائدة في المجتمع وحسب ظروف كلّ شخص . بحسب ما إذا كان عاديا أو مشهورا ، وهكذا تضيق وتتسع نظرة كلّ مجتمع لنطاق الحياة الخاصة بحسب نظرته إلى مدى الحرية التي يتمتع بها الافراد في المجالات العامة وفي نطاق الحياة الخاصة، ولهذا فقد قررت لجنة الخبراء في حقوق الإنسان المنبثقة عن المجلس الاوربي انه بالرجوع إلى الكتابات والدراسات المختلفة عن الحق في الخصوصية فقد تبين انه لا يوجد هناك تعريف عام متفق عليه لهذا الحق سواء على مستوى التشريع أو القضاء ، أو العمل أو الفقه ، وسواء على المجال الدولي أو المجال المحلي (3) . واذا كان الاقرار بعدم التوصل إلى تعريف عام شامل للحياة الخاصة على هذا المستوى فانه لا يمنع من تلمس بعض المحاولات لدى الفقه لتعريفها ووضع حدودها وبيان نطاقها ومن خلال هذه المحاولات يتضح وجود ثلاثة اتجاهات في تعريف الحياة الخاصة ، فمن يتوسع في تعريفها ومن يضيق فيها ومن يعرفها من الناحية السلبية (4) .
1 – التعريـف الواسـع :
من اشهر التعريفات التي توسعت في بيان الحياة الخاصة ، التعريف الذي وضعه معهد القانون الامريكي الذي بات يتمتع بقيمة هامة في الولايات المتحدة (5) . فهو يعرف الحياة الخاصة من ناحية المساس بها وجاء فيه ان (كلّ شخص ينتهك بصورة جدية وبدون وجه حق، حق شخص اخر في ألاّ تتصل اموره واحواله إلى علم الغير ، وألاّ تكون صورته عرضة لانظار الجمهور ، يعد مسؤولا امام المعتدى عليه) (6) . وقيل في نقد هذا التعريف انه يصعب وضع معيار بين ما يجب اعلانه للناس وما يجب ان يظل خفيا عنهم ، فالامر بالتفرقة بينهما ما زال دقيقا ويصعب ايجاد معيار حاسم وواضح (7) وجاء تعريف الحياة الخاصة في مؤتمر فقهاء البلاد الشمالية بانها (حق الشخص في ان يترك نفسه ليعيش حياته حرا مع اقل تدخل خارجي ، ويعني ذلك ان يعيش المرء حياته دون التدخل في حياته العائلية والمساس بالكيان الجسماني والعقلي للفرد واحاديثه والهجوم على شرفه وسمعته ووضعه تحت الاضواء الخادعة وكشف بعض المواقف المحرجة من حياته والتجسس والتلصص والمراقبة والاستخدام السيء لاتصالاته الشخصية الكتابية والشفوية واستخدام المعلومات المأخوذة أو المعطاة بواسطته في حالات الثقة المهنية) (8) . ويلاحظ ان هذا التعريف لا يقدم معايير قانونية لتحديد ماهية الحياة الخاصة بقدر ما يقدم تعدادا لما يعد مساسا بحرمة الحياة الخاصة ، وواضح من كثرة الاوصاف المذكورة في التعريف انه يتوسع في بيان الحياة الخاصة حتى تقترب من مفهوم الحرية ، وهو تعريف مؤيد من جانب من الفقه المصري الذي يذهب إلى القول بان الحق في الحياة الخاصة هو جوهر الحرية بل يمكن ان يكون مرادفا في معناه للحرية على اساس ان الحرية مكنة المطالبة بالامتناع عن التدخل ، ويفترض الحق في الحياة الخاصة هذه المكنة أيضاً فالحرية هي حق الفرد في ان يترك وشأنه ، أي حق الفرد في ان ينسحب انسحابا اختياريا أو مؤقتا بجسمه أو فكره من الحياة العامة وهذا هو عين حقه في حياته الخاصة التي يرتئيها لنفسه وبالتالي يكون باستطاعة هذا الفرد منع الدولة وغيرها عن التدخل في مجال خاص محتجز ومتروك له خاصة ، وبالنتيجة يعد الحق في الحياة الخاصة حرية ما دام يخول الفرد مكنة اقتضاء منع الدولة والافراد من التدخل في هذه الحياة الخاصة به (9) . وعرفها اخر بانها (تعني ان يعيش المرء كما يحلو له، ان يعيش مستمتعا بممارسة انشطة خاصة معينة ، حتى لو كان السلوك الذي يسلكه مرئيا من جميع الناس ، فالمرء حر في ان يرتدي ما يحلو له ، وان يتخذ ه هيئة تتميز بها شخصيته ، وان يركب الدراجة البخارية بدون ارتداء الخوذة الواقية للرأس) (10) . والملاحظ على هذا التعريف انه يرسم السلوك العام للفرد وانه قد بالغ في توسيع معنى الحياة الخاصة .
2 – التعريـف الضيـق :
حاول بعض الفقه وضع تعاريف للحياة الخاصة تدور حول نطاق ضيق ، فعرف احدهم الحياة الخاصة بانها (قطعة غالية من كيان الإنسان لا يمكن انتزاعها منه والا تحول إلى اداة صماء خالية من القدرة على الابداع الانساني ، فالانسان بحكم طبيعته له اسراره الشخصية ، ومشاعره الذاتية ، وصلاته الخاصة ، وخصائصه المتميزة ، ولا يمكنه ان يتمتع بهذه الملامح إلاّ في اطار مغلق ، يحفظها ويهيء لها سبيل البقاء ، وتقتضي حرمة هذه الحياة ان يكون للانسان حق في اضفاء السرية على مظاهرها وأثارها ، ومن هنا كان الحق في السرية وجها لازما للحق في الحياة الخاصة لا ينفصل عنها) (11). والملاحظ على هذا التعريف انه يربط ربطا وثيقا بين الحياة الخاصة والسرية باعتبارها فكرة تمليها ضرورة فعلية في الحياة الاجتماعية وتجد اساسها في الفطرة الطبيعية للانسان ، فالاحتفاظ بالشيء بعيدا عن أعين الناس واختصاص الفرد به دون غيره ودون اطلاعه عليه ، وهو ما يعرف بضرورة احتفاظ المرء بخصوصياته وأسراره (12) . وعرفه اخر بربطه بفكرة السرية ، فقال بانه (حق الشخص ان يحتفظ باسرار من المتعذر على العامة إلاّ بارادة صاحب الشأن والتي تتعلق بصفة أساسية بحقوقه الشخصية) (13) . في حين ربط قسم اخر من الفقهاء بين الحياة الخاصة والخلوة بما تعنيه من هدوء وسكينة ، فعرف أحدهم الحق في الحياة الخاصة بانه (احترام الصفة الخاصة للشخص والحق في الهدوء والسكينة دون تعكير لصفو حياته) (14) . وعرفه اخر بانه (الحق في ان يترك المرء وشأنه أو حق الفرد في ان يترك وحده لا يعكر عليه احد صفو خلوته) (15) .
3 – التعريـف السلبـي :
إزاء الصعوبات التي ظهرت في المحاولات الفقهية للوصول إلى تعريف للحياة الخاصة ، فقد ذهب قسم من الفقه إلى تعريفها سلبيا ، فالحياة الخاصة حسب التعريف السلبي لها هي (كلّ ما لا يعتبر من قبيل الحياة العامة للشخص) (16) ، والملاحظ على هذا التعريف انه يترك تحديد نطاق الحياة الخاصة استنادا إلى حدود الحياة العامة التي تعد اسهل تحديدا واضيق نطاقا ومن السهل تعريفها ، ويكون ما عداها هو من الحياة الخاصة التي يفضل عدم الخوض فيها احتراما لها ، إلاّ ان معيار التفرقة بين الحياة الخاصة والعامة ليس باليسير ، فالتمييز بين الحياة الخاصة والعامة يعد من الصعوبة بمكان لان الحياة الخاصة والعامة ترتبطان ارتباطا كبيرا بحيث يصعب عملا الفصل بينهما ووضع الحدود بينهما ، فمن الصعب القول اين تنتهي الحياة الخاصة واين تبدأ الحياة العامة ، ويكاد ينعقد الاجماع على القول بان من المستحيل وضع معيار للتمييز بين ما يعد من قبيل الحياة العامة ، وما يعد من قبيل الحياة الخاصة (17) وازاء هذه الصعوبات لوضع تعريف للحياة الخاصة فقد بادر البعض إلى وضع تعريفات تمثل الحد الوسط بين من اخذ بالتعريف الواسع والتعريف الضيق ، فعرفها احدهم بانه من (حق الإنسان في العيش كيفما يشاء دون تدخل من احد في حياته واحاطته بضمانات قوية ضد أي تعرض أو مساس بها) (18) . وعرفها اخر بانها (النطاق الذي يكون للمرء في اطاره الانسحاب أو الانزواء عن الاخرين بقصد تحقيق نوع من السكينة والحفاظ على سرية الحياة الخاصة)(19). وعرفها اخر بانها (لا تعني فقط عدم الكشف عن اسرار هذه الحياة ودقائقها ، وانما تعني أيضاً ضرورة عدم التدخل في الحياة الخاصة بالامتناع عن كلّ ما من شأنه المساس بهدوء وسكينة الحياة الخاصة للشخص) (20) . ووجد البعض صعوبة في وضع تعريف محدد للحياة الخاصة معللا ذلك بارتباطها بالتقاليد والقيم الاخلاقية والدينية والثقافية والنظام السياسي والاجتماعي السائد في كلّ مجتمع ومن ثم فهي تختلف من دولة إلى اخرى ، وفي داخل الدولة من زمن إلى اخر ، ولذلك فانهم وجدوا انه من الاوفق ترك ذلك للفقه والقضاء ، وفقا لظروف كلّ مجتمع وبالرغم من ذلك حاولوا وضع اساسين يرتكز عليهما مفهوم الحياة الخاصة : اولهمـا : حق الفرد في اختيار اسلوب حياته دون تدخل من الغير في حدود النظام العام ، وثانيهمـا : فهو حق الفرد في سرية ما ينتج عن هذه الحرية في اختيار اسلوب حياته من معلومات أو وقائع بعيدا عن معرفة أي شخص كان وبأي وسيلة كانت ، إذ ان السرية هي السمة المميزة لصميم الحياة الخاصة تفرد بما يضمن له احترام ذاتيته الشخصية ويحقق له السكينة والامان بعيدا عن تدخل الاخرين(21) . واذا كان لا بد لنا من وضع تعريف للحياة الخاصة فانه بالاستعانة بالمعنى اللغوي لكلمة (الخاصة) نضع التعريف الاتي : (الحياة الخاصة هي انفراد الشخص بنفسه لما يراه من اسباب دون تدخل الاخرين الا بمقدار ما يسمح لهم به ، وفي حدود القانون) .
ثانيا : طبيعة جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة
ان طبيعة جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة تتنوع كذلك حسب مصدرها ، فالاعتداء الواقع من فرد ضد فرد اخر ينتهك به حياته الخاصة لا يستهدف الاعتداء على حرمة حياته الخاصة وحريته فيها باعتبارها احدى دعامات الحرية الفردية وانما تستهدف الاعتداء على الحق في الحياة الخاصة ذاته ، اما الاعتداء الواقع من السلطة ممثلة بافرادها ضد الافراد ، واعتمادا على هذه السلطة فان فعلهم هذا يشكل اعتداء على الحرية الفردية باعتباره اعتداء ماسا بحرمة الحياة الخاصة للفرد وانتهاكا لها ، لذلك كان تعرض السلطة لحرمة الحياة الخاصة للافراد يعد تعرضا عليهم في حرياتهم وانتهاكا لحقوقهم ، لذلك كان تجريم فعل الاعتداء انما هو تقرير من السلطة للحماية الجنائية لحياة الانسان الخاصة باعتبارها احدى نواحي نشاطه اليومي التي يتوقف على تأمينها وكفالة حرمتها صيانة احدى دعامات الحرية الفردية التي يتوقف على حمايتها تمتع الفرد بحريته الفردية ، خاصة وان فكرة الحق في الحياة الخاصة هي عبارة عن قبة – كما يراها البعض بحق – تتجمع تحت ظلالها عدة مراكز وحالات يوجد بينها القليل من النقاط المشتركة ، ولكنها جميعا تستهدف حماية الحياة الخاصة ، فهي تشمل حماية القيم التي تتعلق بالفرد والتي يجب حمايتها ضد أي تدخل خارجي من الغير(22) . وقد وضع المشرع المصري نموذجا واحدا لجريمة الاعتداء على الحياة الخاصة ، فقرر حمايتها سواء وقع الاعتداء من فرد ضد فرد اخر أو من سلطة ضد فرد ، الا انه فرق في العقوبة بين الاثنين ، وهكذا يكون المشرع المصري قد ساوى بين المسؤولية وفرق في العقاب فنص في المادة (309/مكررا) على انه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن وذلك بان ارتكب احد الافعال الاتية من غير الاحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه:-
أ . استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الاجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التلفون .
ب. التقط أو نقل بجهاز من الاجهزة ايا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص فاذا صدرت الافعال المشار اليها في الفقرتين السابقتين اثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فان رضاء هؤلاء يكون مفترضا ويعاقب بالحبس الموظف العام الذي يرتكب احد الافعال المبينة في هذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته ويحكم في جميع الاحوال بمصادرة الاجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو اعدامها) (23) .
والملاحظ على المشرع المصري انه شدد في العقوبة اذا ارتكبت من موظف عام اعتمادا على سلطة وظيفته من الحبس مدة لا تزيد على سنة إلى الحبس في حدوده العادية التي يجب ان لا تزيد على ثلاث سنوات في قانون العقوبات المصري (24) ، نظرا لما يتمتع به الموظف من سلطات غير محدودة وامكانات تتيح له فرص الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للافراد وهو امر لا يتوافر للفرد العادي الا قليلا . فالفرد حين يقع منه العدوان على حرمة الحياة الخاصة فانما يكون عدوانه منصبا بطريقة مباشرة على حرمة الحياة الخاصة في ذاتها ، ولكن حين يقع العدوان من احد الموظفين اعتمادا على سلطة وظيفته وباستخدام الامكانات التي توفرها له فان هذا العدوان لا يكون واقعا على حرمة الحياة الخاصة في ذاتها ، وانما يقع على العدوان عليها باعتبارها دعامة من دعامات الحرية الفردية التي يتوقف على حمايتها توفير الامن للافراد في حياتهم اليومية ، وهكذا يقرر المشرع المصري تنوع طبيعة هذه الجريمة بحسب ما اذا كانت مرتكبة من موظف أو فرد الا انه لا يفرق في ذلك الا في العقاب (25) .
اما المشرع الاردني فقد نص على حماية الحياة الخاصة اذا كانت الجريمة مرتكبة من موظف عام ضد الافراد فقرر في المادة (356) على ان (1 – يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة كل شخص ملحق بمصلحة البرق والبريد يسيء استعمال وظيفته هذه بان يطلع على رسالة وظروف أو يتلف أو يختلس احدى الرسائل أو يفضّ بمضمونها إلى غير المرسل اليه . 2 – ويعاقب بالحبس مدة ستة اشهر أو بالغرامة حتى عشرين دينارا من كان ملحقا بمصلحة الهاتف وافشى مخابرة هاتفية اطلع عليها بحكم وظيفته أو عمله) . ونص في المادة (357) على ان (كل شخص يتلف أو يفضي قصدا رسالة أو برقية غير مرسلة اليه يعاقب بغرامة لا تتجاوز الخمسة دنانير) (26) . والملاحظ على النص الاردني انه قرر تجريم الاعتداء الواقع على الحياة الخاصة التي حصرها بالرسالة والمخابرة الهاتفية ، ونص على تجريم الافعال الخاصة بذلك والواقعة من الموظف العام تحت عنوان (الحرمان من الحرية) الا ان ما يؤخذ عليه ملاحظتان : الاولى : هي النص على تجريم الاعتداء على الحياة الخاصة ضمن الفصل الثاني (الجرائم الواقعة على الحرية والشرف) وكان الاولى به درجها والنص عليها ضمن الفقرة (التعدي على الحرية) التي خصصها للاعتداءات الواقعة من الموظفين اعتمادا على سلطات وظائفهم . والثانيـة : انه لم يجرم الا جزءا يسيرا مما يعد من الحياة الخاصة فقصر التجريم على الرسائل ومثلها البرقيات وكذلك المخابرات الهاتفية .
واما المشرع العراقي فقد نص على تجريم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة مرتين ، الاولى في المادة 328 عقوبات التي نصت على ان (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات أو بالحبس كل موظف أو مستخدم في دوائر البريد والبرق والتلفون أو مكلف بخدمة عامة فتح أو اتلف أو اخفى رسالة أو برقية اودعت أو سلمت للدوائر المذكورة ا وسهل لغيره ذلك أو افشى سرا تضمنته الرسالة أو البرقية ويعاقب بالعقوبة ذاتها من افشى ممن ذكر مكالمة تلفونية أو سهل لغيره ذلك) والثانية في المادة (438 عقوبات) التي تنص على ان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو باحدى هاتين العقوبتين : 1 – من نشر باحدى طرق العلانية اخبارا أو صورا أو تعليقات تتصل باسرار الحياة الخاصة أو العائلية للافراد ولو كانت صحيحة اذا كان من شأن نشرها الاساءة اليهم .2 – من اطلع من غير الذين ذكروا في المادة (328) على رسالة أو برقية أو مكالمة هاتفية فافشاها لغير من وجهت اليه اذا كان من شأن ذلك الحاق ضرر باحد) . والملاحظ على المشرع العراقي انه فرق بين نموذجي الجريمة الواقعة على حرمة الحياة الخاصة حيث نص على الجريمة المرتكبة من الموظف وحدد لها عقوبة ونص في مادة اخرى على الجريمة المرتكبة من فرد وحدد لها عقوبة ، الا ان ما يلاحظ على النصين اللذين اوردهما المشرع العراقي انه جرم الافعال الواقعة من الموظف في المادة (328) ضمن موضوع (تجاوز الموظفين حدود وظائفهم) ، في حين ان موضوع هذه المادة هو حماية حرمة الحياة الخاصة التي تعد من دعامات الحرية الفردية ، أي ان المشرع العراقي في هذه المادة يقرر الحماية لحرمة الحياة الخاصة فكان الاولى به النص عليها تحت عنوان يدل عليها وليس تحت عنوان (تجاوز الموظفين) . واما في المادة (438 عقوبات) فقد جرم الافعال الواقعة من الافراد والتي تمس الحياة الخاصة تحت عنوان (افشاء السر) وقرر لها نموذجا يختلف عن الجريمة في المادة (328) بل انه استثنى المذكورين في المادة (328) الفقرة الثانية من حكم المادة (438) على الرغم من ان الذين استثناهم هم (موظفون) وبذلك يكون المشرع العراقي في تقريره للحماية الجنائية لحرمة الحياة الخاصة قد ساوى في المسؤولية والعقاب بين الموظف والفرد باستثناء ما اورده في المادة (328) .
ويلاحظ كذلك على النصين ان المشرع العراقي قصر حمايته لحرمة الحياة الخاصة ضد الافعال المرتكبة من الموظفين على جزء مما يعد من الحياة الخاصة وهي الافعال الواقعة على الرسائل والبرقيات والمكالمات الهاتفية ، وهذه امور تشكل جزءا من الحياة الخاصة وليس كلها (27) . في حين نص في المادة (438) على صورة من الحياة الخاصة اوسع بكثير مما نص عليه في المادة (328) وهو مما يؤخذ على المشرع العراقي لانه قصد تجريم الاعتداء على الحياة الخاصة بكل اشكالها سواءا أكانت واقعة من موظف أم من فرد ولم يفرق في ذلك بين السلطة والافراد وانه جرم فقط اعتداء الموظف على الرسائل والبرقيات والمكالمة الهاتفية وحدد لها عقوبة اقسى من العقوبة المحددة في المادة (438) . نخلص من ذلك ان المشرع العراقي ساوى في المسؤولية والعقاب بين الافراد والموظفين اذا ما قاموا بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة باستثناء الافعال الواقعة على الرسائل والبرقيات والمكالمة الهاتفية ، وان هذه المساواة لا تحقق العدالة لان الموظف حين يعتدي بصفته موظفا فانما يستغل سلطة وظيفته وهذه السلطة تضعه في مركز اسمى من مركز الفرد العادي وخشية من انحرافه بهذه السلطة حين يستعملها لمصالحه الخاصة معتمدا على وظيفته فقد وجب على المشرع ان يضع عقابا اشد من العقاب الموضوع للفرد العادي ، فالمغايرة في العقاب تحقق العدالة نظرا لان المغايرة في العقاب تغير من طبيعة الفعل الاجرامي اذا ما ارتكبه موظف معتمدا على وظيفته أو ارتكبه فرد عادي . والتشديد في العقوبة هو مذهب كثير من النظم الجنائية في معالجة الجرائم التي يقترفها الموظفون اثناء ممارستهم للسلطة اعتمادا عليها واستغلالا لها (28) .
___________________________
[1]- انظر : ابن منظور ، لسان العرب ، ج3 ، كلمة خصص ، ص290 . والرازي ، مختار الصحاح ، مصدر سابق ، ص177 .
2- انظر : حسام الدين كامل الاهواني ، مصدر سابق ، ص ص46-47 . وممدوح خليل بحر ، مصدر سابق ، ص33 . واسامة عبد الله قايد ، الحماية الجنائية للحياة الخاصة وبنوك المعلومات ، ط3 ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1994 ، ص9 .
3- تقرير كامبان دالوز ، 1970 ، ص466 . نقلا عن حسام الدين كامل الاهواني ، مصدر سابق ،
ص ص47-48 .
4- انظر : رافع خضر صالح ، الحق في الحياة الخاصة وضماناته في مواجهة استخدامات الكومبيوتر ، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون ، جامعة بغداد 1993 ، ص13 .
5- ان الفقه في النظم الانكلوسكونية – ومنها القانون والفقه الامريكي – يستخدم مصطلح
(الخصوصية Privacy) ، اما النظم اللاتينية – ومنها القانون والفقه الفرنسي – فيستخدم مصطلح
(الحياة الخاصة Lavie Privee) . انظر في ذلك : رافع خضر صالح ، المصدر السابق ، ص12 . واسامة عبد الله قايد ، المصدر السابق ، ص15 .
6-انظر : ممدوح خليل بحر ، المصدر السابق ، ص185 ، ورافع خضر صالح ، المصدر السابق ، ص14.
7- انظر : حسام الدين كامل الاهواني ، المصدر السابق ، ص49 .
8- مؤتمر فقهاء البلاد الشمالية المنعقد في ستوكهولم عام 1967 ، اشار اليه : رافع خضر صالح ، المصدر السابق ، ص14 . واسامة عبد الله قايد ، المصدر السابق ، ص ص13-14 .
9- انظر : نعيم عطية ، حق الافراد في حياتهم الخاصة ، مجلة ادارة قضايا الحكومة ، ع4 ، س21 ، اكتوبر / تشرين الأول – ديسمبر / كانون الأول ، القاهرة 1977 ، ص ص79-81 .
0[1]- John. H. F. Shattuck : Right of privacy، National text book Co. 1977، p. 179-198.
نقلا عن ممدوح خليل بحر ، المصدر السابق ، ص186 .
1[1]- احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية ، ج1 ، مصدر سابق ، ص254 .
2[1]- انظر : سامي حسني الحسيني ، النظرية العامة للتفتيش ، دار النهضة العربية ، القاهرة 1972 ، ص43.
3[1]- Nerson: La protection de l’ intimite، Journal des Tribunaux، 1959، P. 713. . نقلا عن : اسامة عبد الله قايد ، المصدر السابق ، ص11 .
4[1]- قال بذلك (Badinter) ، انظر : اسامة عبد الله قايد ، المصدر السابق ، ص12 .
5[1]- قال بذلك القاضي الامريكي (Cooly) ، انظر : رافع خضر صالح ، المصدر السابق ، ص17 .
6[1]- يمثل هذا الاتجاه جانب من الفقه في فرنسا بعد ان واجهتهم صعوبة الوصول إلى تعريف ايجابي للحياة الخاصة ، انظر في ذلك : ممدوح خليل بحر ، المصدر السابق ، ص ص168-183.
7[1]- انظر : حسام الدين كامل الاهواني ، المصدر السابق ، ص53-55. واسامة عبد الله قايد ، المصدر السابق ، ص ص12-13.
8[1]- محمد علي السالم عياد الحلبي ، مصدر سابق ، ص130 .
9[1]- ممدوح خليل بحر ، المصدر السابق ، ص206 .
20- حسام الدين كامل الاهواني ، المصدر السابق ، ص51 .
[1]2- انظر في هذا الرأي : احمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون الاجراءات الجنائية ، المصدر السابق ، ص ص42-43 . واسامة عبد الله قايد ، المصدر السابق ، ص18 . ورافع خضر صالح ، المصدر السابق، ص24 .
22- انظر : حسام الدين كامل الاهواني ، المصدر السابق ، ص56 . ومحمد زكي ابو عامر ، الحماية الجنائية للحريات الشخصية ، مصدر سابق ، ص85 . ومحمد علي السالم عياد الحلبي ، المصدر السابق، ص132 .
23- كان المشرع الفرنسي قد نص على حماية الحياة الخاصة بالمادة (368) المعدلة بالقانون رقم 70 – 643 الصادر في 17 يوليو / تموز 1970 . وقد اقتبس المشرع المصري النص على حماية الحياة الخاصة من النص الفرنسي اعلاه بصياغة متطابقة بالمادة (309/مكررا) المضافة إلى قانون العقوبات المصري بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المنشور بالجريدة الرسمية المصرية بالعدد 39 في 28/9/1972 . ووضعها ضمن الباب السابع تحت عنوان : القذف والسب وافشاء الاسرار . من الكتاب الثالث من قانون العقوبات .
24- نصت المادة 16 عقوبات مصري : عقوبة السجن … لا يجوز ان تنقص المدة عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة الا في الاحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونا ، ونصت المادة 18 عقوبات مصري : عقوبة الحبس … لا يجوز ان تنقص هذه المدة عن اربع وعشرين ساعة ولا تزيد على ثلاث سنين الا في الاحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونا .
25- انظر : محمد زكي ابو عامر ، الحماية الجنائية للحريات الشخصية ، مصدر سابق ، 85-86 .
26- نصت المادة (21 عقوبات اردني) على ان مدة الحبس (تتراوح بين اسبوع وثلاثة سنوات الا اذا نص القانون على خلاف).
27- قام كثير من الفقهاء بمحاولات عديدة لتعداد صور الحياة الخاصة وبيان نطاقها الا ان الملاحظ على هذه المحاولات انها لم تكن محل اتفاق من جميع الفقهاء وانها تعطي تعدادا غير جامع وغير مانع وانها تبين تعدادا يغطي البعض منه جرائم تقليدية تسمى الحياة الخاصة ، في تفصيل هذه المحاولات انظر : حسام الدين كامل الاهواني ، مصدر سابق ، ص ص56-57 . وممدوح خليل بحر ، مصدر سابق ، ص ص 228-266. ورافع خضر صالح ، مصدر سابق ، 37-47 . واسامة عبد الله قايد ، مصدر سابق ، ص ص19-29.
28- انظر : محمد عصفور ، الحد الفاصل بين التأديب والتجريم ، دار الاسراء للنشر والتوزيع ، عمان 1998 ، ص21 .
المؤلف : عبد الحكيم ذنون يونس الغزال
الكتاب أو المصدر : الحماية الجنائية للحريات الفردية
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً