أحكام وضوابط المسؤولية المدنية في النظام السعودي
د. أبو بكر المسيب
في إطار السلسلة المخصصة لموضوع المسؤولية المدنية في النظام السعودي، التي تناولنا فيها في مقال الأسبوع الماضي التعريف بالمسؤولية المدنية وماهيتها، وحيث إن معرفة الأحكام الخاصة بالمسؤولية تقتضي معرفة القواعد النظامية الذي تضمنها، وعليه؛ فإننا سنخصص هذا المقال للحديث عن القواعد النظامية التي تنظم المسؤولية المدنية في النظام السعودي.
لما كان النظام السعودي الحالي يخلو من نصوص نظامية وقانونية شاملة تحكم وتنظم المعاملات المدنية وتحدد المصادر الإرادية وغير الإرادية للالتزام وأحكامه “وهو ما يعرف بالقانون المدني في التشريعات المقارنة”، فإن المعاملات المدنية تخضع في عمومها لقواعد الشريعة الإسلامية السمحاء، وما اشتمل عليه فقه الشريعة الإسلامية من أحكام، هذا إضافة إلى السوابق القضائية الصادرة من القضاء في المملكة، كذلك ما اشتملت عليه بعض الأنظمة الخاصة من نصوص متفرقة تنظم بعض أنواع وأصناف العاملات المدنية. كما تجدر الإشارة هنا إلى مصدر استرشادي آخر للقضاء السعودي في مجال المعاملات المدنية وهي وثيقة الكويت للقانون المدني الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تهدف إلى تقنين قواعد الشريعة الإسلامية التي أقرها وزراء العدل في دول مجلس التعاون الخليجي، وتم اعتماده من المجلس الأعلى في دورته الثامنة سنة 1997 وذلك كقانون استرشادي.
ولما كان الفقه الإسلامي هو المصدر الأول الذي يحكم المسؤولية المدنية فلا بد من الحديث عن الضمان عند الفقهاء كمرادف للمسؤولية المدنية عند القانونيين؛ حيث ينقسم الضمان عند فقهاء الشريعة الإسلامية إلى قسمين رئيسين هما ضمان العقد “المسؤولية العقدية”، ضمان العدوان “المسؤولية التقصيرية”.
والضمان في الفقه الإسلامي إما أن يكون سببه مباشرة الضرر، وبالتالي فلا يشترط فيه التعمد ولا التعدي، أو يكون سببه التسبب في الضرر، وبالتالي فلا بد لاستحقاق الضمان من التعمد أو التعدي، وفي المقابل فالمسؤولية المدنية إما أن تكون مسؤولية خطئية، وهي التي تقوم على الأركان الثلاثة: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية، وإما أن تكون مسؤولية موضوعية مفترضة، وهي التي تقوم على توافر ركن الضرر وحده ولا تحتاج إلى الخطأ. كما أن الفقهاء يعبرون عن أركان الضمان الثلاثة بلفظ: التعدي أو العدوان، والضرر، والإفضاء. بينما يعبر عن هذه الأركان في المسؤولية المدنية بالخطأ، والضرر، وعلاقة السببية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً