خصوصية حقوق الإنسان في السعودية
د. محمد عرفة
لقد أضحت قضايا حقوق الإنسان ومدى الحماية التي تكفلها لها الدول من أهم المواضيع التي تُطرح على كافة الأصعدة الداخلية والدولية, فأصدرت الدول الدساتير التي تنص على الحقوق الأساسية للإنسان, وتضع الآليات اللازمة لحمايتها من أي اعتداء يُمكن أن تتعرض له من قبل الجهات ذات العلاقة بالدولة, كما أصدرت قوانين تنظم الإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية وتكفل حقوقا للإنسان في مرحلة الدعوى القضائية, ووقعت المواثيق, مثل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م, والاتفاقيات الدولية, مثل الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان المدنية والسياسية لعام 1966م, والاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966م.
وتناول العديد من المؤلفات شرح حقوق الإنسان وأهميتها, وحصل أصحاب هذه المؤلفات على جوائز تشجيعية وتقديرية ذات قيمة علمية متميزة. وتبارى المؤلفون والكتاب في سرد حقوق الإنسان وتقسيمها تقسيمات عديدة, وذهب البعض منهم إلى إظهار تفوق الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية في مجال كفالة حقوق الإنسان وحرياته, فضلاً عما تميزت به حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية من ميزات أهمها أن آليات حمايتها تستند إلى العقيدة الإسلامية مما يجعل الالتزام بتحقيقها أكثر فاعلية مما تقرره القوانين الوضعية.
ولقد قطعت المملكة العربية في هذا الصدد شوطاً كبيراً, فأصدرت النظام الأساسي للحكم بالأمر الملكي رقم (أ/90) وتاريخ 27/8/1412هـ, الذي تضمن العديد من النصوص التي تقرر حقوق الإنسان الأساسية سواء أكانت حقوقاً سياسية أم مدنية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية , ونص على أن تحمي الدولة حقوق الإنسان طبقاً للشريعة الإسلامية, وأصدر ولاة الأمر ثلاثة أنظمة ذات أهمية كبيرة في مجال حماية حقوق الإنسان وهي ما يعرف بالأنظمة العدلية الثلاثة وهي: نظام المرافعات الشرعية بالمرسوم الملكي رقم (م/21) وتاريخ 20/5/ 1421 هـ, ونظام الإجراءات الجزائية بالمرسوم الملكي رقم (م/39) وتاريخ 28/ 7/ 1422 هـ, ونظام المحاماة بالمرسوم الملكي رقم (م/38) وتاريخ 28/7/ 1422هـ.
وتتضمن هذه الأنظمة العديد من الضمانات الموضوعية والإجرائية التي تحمي حقوق الإنسان, وهي في مجملها تتفق مع العديد من القوانين المعمول بها في العديد من الدول, ولكن الأنظمة السعودية تتضمن بعض النصوص التي من النادر أن توجد في قوانين دول أخرى, ولها أثر كبير في حماية حقوق الإنسان.
ومن ثم فإنني أرى أن دراسة حقوق الإنسان في المملكة تتطلب ـ فضلاً عن إظهار الحقوق والآليات التي تنص عليها الأنظمة السعودية والتي تتماثل مع النصوص الموجودة في قوانين الدول المتقدمة ـ التركيز على الحقوق المتميزة التي تنص عليها هذه الأنظمة والتي لا يوجد لها مثيل في قوانين الدول الأخرى.
وأشير هنا إلى ثلاثة نصوص فقط هي: نص المادة (196) من نظام المرافعات الشرعية الذي يقرر أنه: “يتم التنفيذ بموجب نسخة الحكم الموضوع عليها صيغة التنفيذ، وصيغة التنفيذ هي: (يطلب من كافة الدوائر والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية المتبعة ولو أدى إلى استعمال القوة الجبرية عن طريق الشرطة)؛ ثم تضيف الفقرة الثالثة من اللائحة التنفيذية لهذه المادة أنها لا تشمل الحكم على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية, بل يُكتفى بتفهيمها عند الحكم بسقوط حقوقها الزوجية إن هي رفضت العودة , ويدون ذلك في الضبط والصك. فهذا النص لا مثيل له في قوانين المرافعات العربية وغيرها, وهو نص يهدف إلى حماية حقوق المرأة وعدم إهانتها؛ لأن وضع الصيغة التنفيذية على الحكم الصادر ضدها بالعودة إلى منزل الزوجية فيه إهانة لها إذا تم تنفيذه بالقوة الجبرية عن طريق الشرطة.
أما النص الثاني فهو نص (52) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي الذي يقرر أنه:“مع مراعاة حكم المادتين الثانية والأربعين والرابعة والأربعين من هذا النظام، إذا كان في المسكن نساء ولم يكن الغرض من الدخول ضبطهن ولا تفتيشهن، وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة، وأن يُمَكَّنَّ من الاحتجاب، أو مغادرة المسكن، وأن يُمنْحنَ التسهيلات اللازمة لذلك بما لا يضر بمصلحة التفتيش ونتيجته.”, فقد راعى النظام عند قيام رجال الشرطة بتفتيش مسكن المتهم عدم التعرض للنساء الموجودات في المسكن بالنظر أو بالقول أو بتوجيه الاتهام وأن يتم تمكينهن من الاحتجاب أو مغادرة المسكن ويمنحهن التسهيلات اللازمة.
والنص الثالث هو نص المادة (193) من هذا النظام الذي يلزم القاضي بضرورة إعلام كل من المتهم والمدعي العام والمدعي بالحق الخاص بأن له طلب تمييز كل حكم صادر في جريمة بالإدانة، أو بعدمها، أو بعدم الاختصاص؛ بحيث إنه يجب أن يتم إعلامهم بهذا الحق حال النطق بالحكم. فقد أوجبت هذه المادة على القاضي حال النطق بالحكم أن يتلوه على المتهم وأن يُخبره بأن له الحق في أن يعترض على حكمه بطريق التمييز, وهذا النص لا مثيل له في قوانين الإجراءات الجنائية المقارنة, التي تكتفي عادة بإلزام القاضي بالنطق بالحكم في جلسة علنية دون أن تلزمه بأن ينبه المتهم إلى أن من حقه الطعن في الحكم. فمن هذه الأمثلة وغيرها أرى أن دراسة حقوق الإنسان في الأنظمة السعودية لا يكفي فيها إظهار النصوص المماثلة للنصوص الموجودة في قوانين الدول الأخرى بل الأفضل هو إظهار النصوص النادرة التي لا توجد في تلك القوانين, فهذا هو الذي يوضح خصوصية حقوق الإنسان في السعودية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً