أهداف تفعيل نظام الرهن العقاري المسجل
زهير بن سليمان الحربش
صدر نظام الرهن العقاري المسجل بموجب المرسوم الملكي رقم م/49 وتاريخ 13 / 8/ 1433هـ وجاء إصداره ضمن حزمة من الأنظمة هي نظام التمويل العقاري، ونظام مراقبة شركات التمويل ونظام الإيجار التمويلي ونظام التنفيذ، وقد عرف النظام الرهن العقاري المسجل بأنه عقد يسجل وفق أحكام النظام يكتسب به الدائن حقا عينيا على عقار معين له سجل وله أن يتقدم على بقية الدائنين في تحصيل دينه، كما ميّز النظام بين حالتين عند تسجيل الرهن الأولى عندما يكون العقار مسجلا حسب نظام التسجيل العيني للعقار (الصادر عام 1423هـ)، فيكون تسجيله حسب ذلك النظام.
والثانية إذا كان العقار غير خاضع لنظام التسجيل العيني للعقار فيكون تسجيل الرهن لدى المحكمة أو كتابة العدل.
ويهدف النظام إلى تحقيق التوازن بين جانبي العرض والطلب (الدائن والمدين) فمن ناحية يضمن النظام الحماية للدائن على نحو يحفزه على تكثيف نشاطه خاصة عندما أصبح واضحا أن مشكلة التمويل بوجه عام يتطلب حلها تضافر جهود القطاعين العام والخاص، ومن ناحية أخرى وهي الأهم فإن النظام يعزز من المناخ المطلوب لحماية المدين، بل نشر ثقافة التمويل العقاري وتحديثها وهو أحد التحديات التي تتصدى لها حكومة خادم الحرمين الشريفين، بل إنها أحد الهموم الرئيسة للملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، كما يهدف النظام إلى تحقيق الضمانات اللازمة لكافة الأطراف عند ممارسة نشاط التمويل بضمان عقار من خلال ضوابط تحمي الدائن (المصرف أو شركة التمويل) والمدين المقترض وكذلك الضامن، ويحدد النظام حقوق أطراف عقد الرهن والتزاماتهم وكيفية التعامل مع الرهون أثناء سريان عقد الرهن، كما يحمي النظام المدين الراهن من التعسف عند التعثر أو التسييل.
ويهدف النظام إلى تحقيق التوازن في العلاقة بين الدائن والمدين وذلك بوضع ضوابط تؤدي إلى زيادة أنشطة التمويل العقاري ووضع تصور كامل عن الأصول محل الرهن وعن عقد الرهن وتسجيله والشروط الشكلية والموضوعية الخاصة به. كذلك يهدف النظام إلى تحقيق المرونة في تطبيق الإجراءات التنفيذية التي تتعلق بالتنفيذ على العقار المرهون بالشكل الذي يوسع دائرة التمويل بشكل عام والتمويل العقاري على وجه الخصوص، وتتلخص أبرز شروط الرهن في ألا يكون للرهن أثر ما لم يتم تسجيله الأمر الذي يعني عدم نفاذ إيداع أصول الصكوك العقارية لدى البنوك وشركات التمويل حيث لا يعد ذلك رهنا، ويجب أن يكون الراهن مالكا للعقار، وأن يكون الراهن هو المدين نفسه أو كفيلا عينيا للمدين ولو بغير إذنه، حيث من المقرر شرعا عند جماهير الفقهاء أن الضمان والأداء إن كان بإذن المضمون عنه فإن للضامن الرجوع على المضمون عنه (المغني لابن قدامة 4 /353).
ومجرد الإذن برهن العين (العقار) في أعمال التمويل هو إذن في الأداء حال التعثر، بل ذهب جمع من أهل العلم كالإمام مالك وأحمد في رواية عنه هي المذهب عند الحنابلة إلى أن كل من أدى عن غيره دينا واجبا بإذنه أو بغير إذنه فله الرجوع عليه، لأنه قضاء مبرئ من دين واجب فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه كما جاء ذلك في شرح المنتهى 2/ 129 والكشاف 3/ 371 وغيرهما، كما تطلب النظام أن يكون العقار المرهون معينا موجودا أو محتمل الوجود مما يصح بيعه.
ولا يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك، ما لم يكن العقار مسجلا وفقا لنظام التسجيل العيني للعقار فيجوز التصرف فيه وفقا للمادة الحادية عشرة الفقرة (1) من نظام الرهن العقاري المسجل. كما يجب على الراهن المحافظة على العقار المرهون، ويجوز أن يقع الرهن على العين المرهونة وما يلحقها من مشتملات وحقوق ومنافع وبناء وغراس وما أعد لخدمته وما يستحدث عليه من إنشاءات أو تعديلات بعد توقيع وثيقة الرهن. ولا يجوز التنفيذ على الراهن إلا فيما يخص العقار المرهون فقط ما لم يكن الراهن مدينا أصيلا أو كفيلا غارما.
وفيما يتعلق بالتنفيذ على الرهن فإذا لم يلتزم المدين بأداء الدين يتم بيع العقار المرهون وفقا لنظام التنفيذ ويكون للدائن الحق في التقدم على جميع الدائنين الآخرين في اقتضاء دينه.
وللدائن المرتهن الحق باتخاذ إجراءات النزع الجبري لملكية العقار إذا لم يقم المدين بالوفاء بالدين.
وإذا تم بيع العقار بالمزاد العلني فإن الذي رسا عليه المزاد يعد مالكا للعقار بموجب قرار رسو المزاد.
أما فيما يخص انقضاء الرهن فإنه ينقضي عندما يقوم المدين بالوفاء بجميع التزاماته لدى الدائن المرتهن المضمونة بالرهن أو إذا تم التنفيذ على الرهن وفقا للشرح أعلاه. وإذا تعثر المدين في السداد وباعت المحكمة العقار المرهون قبل حلول الدين كله فإن المحكمة تأمر بسداد الأقساط الحالة للدائن وإيداع باقي المبلغ في حساب مصرفي للمحكمة، وينعقد الاختصاص في منازعات التنفيذ على العقار المرهون لقاضي التنفيذ.
ولا يبطل الرهن بموت الدائن المرتهن أو المدين، فإذا مات أَحدهم يقوم الورثة مقامه، وقد جاء إصدار هذا النظام ليعالج مسألة امتناع كتابات العدل نتيجة اجتهادات فردية منذ عام 1982م عن توثيق وتسجيل الرهونات للمصارف والمصارف التجارية، إلا أنه وعلى الرغم من صدور هذا النظام فإن التطبيقات العملية له قد اقتصرت على توثيق الرهن في معاملات الأفراد والشركات غير المصرفية الأمر الذي يُبقي الوضع على ما هو عليه بالنسبة للمصارف، وهذا يشمل أيضا شركات التمويل المملوكة للمصارف، إزاء هذا فقد صدر أخيرا تعميم مهم من مؤسسة النقد العربي السعودي لغرض وضع حد لهذا الإشكال ولإيقاف العمل بالخيارات والحلول البديلة التي تلجأ إليها المصارف مع عملائها (نقل ملكية العقار باسم البنك أو الغير كضمان قبل منح التسهيلات) حيث أكدت المؤسسة في تعميمها على ضرورة توثيق الرهن العقاري وفقا لحقيقة العقد على نحو فوري مع التوقف عن نقل ملكية العقارات باسم المصرف أو الغير سواء كان الغير شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا.
إضافة إلى ضرورة توفيق وتصحيح أوضاع العقارات المسجلة بأسماء المصارف وشركات التمويل خلال مهلة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أعوام من تاريخ صدور تعميم مؤسسة النقد العربي السعودي في 26 /8/ 1438هـ وهو ما يعني نقل ملكية العقارات من المصارف وشركات التمويل إلى مالك العقار الأصلي سواء كان مقترضا أو كفيلا عينيا ويعقب ذلك إجراء الرهن وتسجيله لمصلحة المقرض سواء كان مصرفا أو شركة تمويل. لقد تم تسجيل أول حالة رهن عقاري لمصلحة شركة تمويل بتاريخ 10/ 9/ 1438هـ كأول حالة تطبيقية لتعميم مؤسسة النقد الصادر بتاريخ 26/ 8 /1438هـ وكان هذا لدى كتابة العدل الأولى بالرياض حيث تم تسجيل وتوثيق الرهن لمصلحة شركة ذات مسؤولية محدودة مملوكة بالكامل لأحد المصارف (شركة شخص واحد) حيث تضمن الرهن الذي تم توثيقه على صك العقار المرهون مبلغ القرض وعدد أقساط سداد القرض ومقدار كل قسط مع النص على إمكانية بيع العقار في حالة عدم السداد واستيفاء الرهن من ناتج البيع وبحيث يرجع المقرض (شركة التمويل) – في حال عدم كفاية ناتج البيع – على المدين.
لا شك أن مثل هذا التعميم الصادر من مؤسسة النقد العربي السعودي باعتبارها الجهة الإشرافية والرقابية على المصارف وشركات التمويل سيساعد في تطبيق وتفعيل أحكام نظام الرهن العقاري المسجل على نحو واضح وسليم كما سيعكس الرهن الذي يتم توثيقه على صك العقار المرهون ما جاء في العقود والاتفاقيات المبرمة بين الراهن والمرتهن ويطابق الواقع والسجلات وحقيقة المعاملات الأمر الذي يعني إضفاء مزيد من الشفافية والوضوح على الأنظمة الصادرة وطرق تطبيقها ويسهل ويبسط أعمال الائتمان وتوفير الضمانات وآلية التنفيذ والحجز، إلا أنه، وكما أوضحنا في مقالنا المنشور في صحيفة “الاقتصادية” بتاريخ 28 /8/ 2012م بعنوان “أنظمة التمويل والرهن والتنفيذ.. الملامح ومتطلبات النجاح”، فإنه ولضمان نجاح تطبيق هذا النظام على نحو سليم، فإن الأمر يتطلب ضرورة الإسراع في تطبيق نظام التسجيل العيني للعقار الصادر عام 1423 هـ، ومراجعة نظام البيع بالتقسيط واستصدار نظام حساب ضمان التطوير العقاري، وكذلك إصدار نظام خاص بالمنح العقارية، وإجراء التدريب اللازم للمواطنين العاملين في مجال تطبيق هذا النظام عن طريق إقامة كثير من ورش التدريب، مع قيام الجهات ذات العلاقة بتقييم شامل لهذا النظام حيث مضى على تطبيقه أكثر من خمسة أعوام. علما بأنه لا يمكن العمل بهذا النظام بمعزل عن الأنظمة الأخرى ذات الصلة، وأبرزها نظام المرافعات الشرعية ونظام ملكية الوحدات العقارية وفرزها ونظام مراقبة المصارف ونظام السوق المالية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً