إن أهمية ايجاد معيار لتمييز الأموال العامة للدولة عن اموالها الخاصة يتبين من خلال ما يسبغه القانون من الحماية القانونية للأموال العامة بأعتبارها مخصصة لتحقيق المنافع العامة ، ومن ثم يخضعها لمجموعة من القواعد القانونية الخاصة التي تكفل لها تلك الحماية ومن الملاحظ إن التفرقة بين اموال الدولة العامة والخاصة يعد حديث نسبياً ، وذلك للتطور الذي مر به فقه القانون العام في فرنسا والذي أخذ الفقه المصري بهذا التقسيم (1). فمعيار تخصيص المال لمرفق عام يرى انصاره إن فكرة المرفق العام بنظرهم هي أساس القانون الأداري والقضاء الإداري وفي هذا قصور واضح ، فعلى أساس هذا المعيار تعد دور الوزارات ومكاتب الموظفين أموالاً عامة ولكن بعض الأموال ( كأدوات المكاتب والأقلام …. ) مما هو مخصص للمرفق العام ولكنها لا تستوجب الحماية الخاصة المقررة كأموال عامة تخدم مرافق عامة جوهرية ، ولا تكون للأستعمال المباشر للجمهور كالطرق والأنهار وهي أموال عامة بطبيعتها ليست مخصصة لمرفق عام بذاته (2) .
أما المعيار الثاني وهو التخصيص للمنفعة العامة فأمام قصور المعيار السابق ، ولتفادي الأنتقادات الموجهة اليه ، فإن الأتجاه الآخر هو الأخذ بمعيار يعتمد على التخصيص للمنفعة العامة ذلك أن تحديد الأموال العامة لا يستفاد من طبيعة المال ذاته وإنما من تهيئة الدولة له وتخصيصه للنفع العام .على إن الأخذ بهذا المعيار سيؤدي الى توسيع نطاق الأموال العامة . أكثر مما يجب لذا أدخلت عليه بعض التحفظات والضوابط ، ومع ذلك فإن هذا المعيار بعد أكثر وضوحاً وتجاوباً مع مقتضيات المصلحة العامة ، كما أخذت به بعض من التشريعات العربية كمصر والعراق . فنص المادة 87 مدني مصري و71 مدني عراقي فقد تضمنتا تعتبر اموالاً عامة جميع العقارات والمنقولات التي للدولة والأشخاص المعنوية العامة والتي تكون مخصصة للمنفعة العامة …. (3).
على إن تخصيص المال العام للمنفعة العامة يضفي عليها القانون الحصانة وتبقى هذه الصفة الى حين يصبح فاقداً بالفعل لها بصورة تامة وبطريقة مستمرة لا لبس فيها ولا انقطاع . مما يحمل على محمل التسامح أو الأهمال من جانب جهة الأدارة ، لا يصلح سنداً للقول بأنهاء تخصيص المال العام للمنفعة العامة التي رصد لها ، وزوال صفة العمومية على هذا الأساس(4) . فإن قانون بيع وإيجار أموال الدولة المرقم 32 لسنة 1986 المعدل وقانون اصلاح النظام القانوني المرقم 35 لسنة 1977 فقد عد هو الآخر ملكية الدولة الشكل القيادي للملكية العامة ، حيث دعا الى توسيع نطاق الملكية العامة لتشمل أموال الدولة والتعاونيات والمنظمات الأجتماعية (5) . وبعد هذا العرض يتبين لنا إن المشرع العراقي لم يأخذ بفكرة التمييز بين المال العام والخاص كما هو الحال في المادة 71من القانون المدني ، بل أخذ بمبدأ مؤداه إن جميع الأموال المملوكة للدولة تخضع لنظام قانوني واحد دون تمييز عن المال الخاص على أعتبار كل ما هو مملوك للدولة هو ملك الشعب وهو أيضا من المال العام ، وهو الواقع الفعلي والقانوني في مختلف مرافق الدولة ومن ثم لا يجوز التجاوز عليه .
________________________________
1- د. احمد حافظ نجم ، مرجع سابق ، ص 269 .
2- ومن أهم انصار هذا المعيار في فرنسا ، برتميلي ، وجيز ، وديجي ، ينظر LOUIS ROLLAND ، PRECIS DE DROIT ADMINISTRATIF PARIS ، DALLOZ ، 11 ED ، 1957 ، P435
وينظر كذلك
– د. خالد سمارة ، مرجع سابق ، ص 271 .
– محمد عبد الحميد ابو زيد ، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية ، ج 108 ، لسنة 1982 ، ص 34 .
3- ينظر
– د. ماجد راغب الحــــــــلو ، القانـــــون الأداري ، دار المطبـــوعات الجامعة ، 1983 ، ص 168 .
– د. خالد سمارة الزغبي ، مرجع سابق ، ص 273 .
– د. فؤاد العطار ، القانون الإداري ، القاهرة النهضة ، بدون تاريخ ، ص 539 .
– د. نواف كنعان ، مرجع سابق ، ص 384 .
4 – ينظر حكم محكة النقض المصرية ، طعن رقم 293 لسنة 33ق ، لسنة 1967 ، منشور في مجلة المحاماة المصرية ، ع5 ، س48 لسنة 1968 ، ص115 .
5 – ينظر مواد قانون بيع وإيجار أموال الدولة المرقم 32 لسنة 1986 و مواد قانون اصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977.
المؤلف : ذكرى عباس علي ناصر الدايني
الكتاب أو المصدر : وسائل الادارة لازالة التجاوز على الاموال العامة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً