مقال قانوني حول الشرط في القانون

القانونية: أمل عبد الهادي مسـعود

 

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

يُعرَف الشرط عند الفقهاء بأنه: أمر أو حادث مستقبل غير محقق الوقوع وهو نوعين؛ شرط واقف وشرط فاسخ؛

والشرط الواقف أمر يترتب على وقوعه نشوء الالتزام، أما الشرط الفاسخ فيترتب على وقوعه انقضاء الالتزام، وفي الحالين يجب أن يكون هذا الأمر مستقبلاً وغير محقق الوقوع. فإذا كان الأمر ليس مستقبلاً بل أمراً تم في الماضي لم يكن شرطاً. وعلى ذلك إذا تعهد شخص بدفع مبلغ من النقود لابنه إذا نجح في الامتحان وثبت أن الابن كان قد نجح قبل صدور هذا التعهد فإن الالتزام يكون قد نشأ منجزاً لا معلقاً على شرط. وكذلك إذا كان الأمر المستقبل محقق الوقوع فإنه يعتبر أجلاً لا شرطاً ولو كان وقت حصوله غير معلوم مقدماً.

والمصدر الوحيد للشرط كوصف من أوصاف الالتزام هو اتفاق ذوي الشأن أو الإرادة بصفة عامة؛ فلا ينشأ الشرط عن حكم القضاء ولاعن نص القانون، والشرط عنصر عرضي أي عنصر خارج عن أركان الالتزام يمكن تصور الالتزام بدونه؛ فالالتزامات ليست كلها معلقة على شروط فهناك التزامات غير شرطية.

وفي ضوء ما تقدم يمكن التمييز بين الشرط كوصف من أوصاف الالتزام وبعض الأمور الأخرى التي يطلق عليها كذلك اسم أو اصطلاح الشروط في النقاط التالية:

أولاً: يجب التمييز بين الشرط كوصف للالتزام وهو لا ينشأ إلا عن اتفاق ذوي الشأن كما قدمنا، وبين الشروط التي يتطلبها القانون لترتيب آثار معينة أو نشوء مركز قانوني ما. فالقانون يتطلب الأهلية وسلامة الإرادة من العيوب لصحة التعاقد. وقد جرت العادة على اعتبار الأهلية شرطاً من شروط صحة التعاقد بين الناس. ولكن الأهلية في الحقيقة لا تعتبر وصفاً من أوصاف الالتزام فهي ركن من أركان التعاقد ومصدرها القانون، ولا يتصور نشوء الالتزام صحيحاً بدونها؛ فهي ليست أمراً خارجياً بل تدخل ضمن ما يلزم لأركان الالتزام الذي يدور معها وجوداً وعدماً. وثمة مثال آخر على الشروط القانونية التي لا تندرج ضمن مفهوم الشرط بالمعنى الصحيح؛ تسجيل المبيع في السجل العقاري إذا كان المبيع عقاراً حتى تنتقل الملكية للمشتري. وعلى هذا الأساس يقال أن التسجيل شرط لانتقال الملكية ولكن هذا غير صحيح، فالتسجيل لا يعتبر وصفاً من أوصاف الالتزام؛ فهو واجب بحكم القانون لا باتفاق المتعاقدين، وهو أمر ضروري وليس عارض؛ فلا يمكن أن تنتقل الملكية ويحتج بها في مواجهة الغير بدونه، لكن عقد البيع بدون التسجيل في السجل العقاري يكون صحيح وينشأ التزام شخصي بنقل الملكية.

ثانياً: لا يعتبر شرطاً أي وصف من أوصاف الالتزام البنود التي يتفق عليها عند التعاقد والتي جرى على تسميتها شروطاً. ومثال ذلك اتفاق البائع والمشتري على أن يكون دفع الثمن في مكان معين أو القيام ببعض الاصلاحات في الشيء قبل تسليمه؛ فكل هذه الأمور وإن نشأت عن الاتفاق إلا أنها لا تعتبر شروطاً بالمعنى الصحيح، لأن نشوء أو انقضاء الالتزام لا يتوقف عليها.

وبالاستناد إلى ذلك يمكن تحديد خصائص الشروط الواجب توافرها في الأمر حتى يعتبر شرطاً وهي:

أولاً: أن يكون هذا الأمر ممكناً؛ فإذا كان هذا الحادث مستحيلاً استحالة مطلقة لم يصح اعتباره شرطاً صحيحاً، ويختلف أثر الاستحالة بحسب ما إذا قصد بالحادث أن يكون شرطاً واقفاً أو شرطاً فاسخاً؛ فإذا علق نشوء الالتزام على حادث غير ممكن، فإن الالتزام لا ينشأ في أي وقت من الأوقات. ومثال ذلك أن يتعهد شخص بإعطاء جائزة لمن يطير مستعملاً يديه فقط، أما إذا كان الشرط المستحيل فاسخاً بأن علق الالتزام على حادث غير ممكن تحققه، فإن الشرط يعتبر غير قائم. ومثال ذلك من يهب شيئاً إلى شخص إذا عاد ابنه المتوفى إلى الحياة ففي هذه الحالة ينشأ التزام الواهب ولا يكون معلقاً على أي شرط.

ثانياً: أن يكون الأمر مشروعاً ولا يخالف القانون والنظام العام. فإذا كان غير مشروع لم يصح اعتباره شرطاً صحيحاً كمن يهب لشخص مبلغاً من المال بشرط أن يقتل شخصاً معيناً، فإن الهبة تكون باطلة؛ فإذا كان الشرط غير المشروع هو السبب الدافع للتعاقد بأن كان المدين لم يقبل الالتزام إلا على أساس وجود هذا الشرط، فإن الالتزام لا ينشأ منذ البداية ولا يكون له وجود.

ثالثاً: ألا يكون تحقق الأمر متوقفاً على إرادة المدين وحدها فلا يصح هذا الشرط، كمن يقول لشخص آخر أبيعك هذا المنزل عندما أريد وقال الآخر قبلت فلا ينعقد البيع ولا ينشأ الالتزام. ولكن لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى ضرورة التمييز بين الشرط الإرادي المحض والشرط الإرادي البسيط، الذي يتوقف تحققه على إرادة أحد الطرفين مضافاً إليها القيام بعمل معين: ومثاله أن يتعهد شخص باستخدام عامل معين إذا فتح محلاً في منطقة معينة فهنا الالتزام بالاستخدام متوقف على إرادة صاحب العمل وعلى القيام بفتح محل في تلك المنطقة.. وهذا الشرط الإرادي البسيط شرط صحيح يجوز تعليق نشوء الالتزام أو انقضاء الالتزام عليه.

أما الشرط الإرادي المحض، فهو الذي يتوقف تحققه على محض إرادة المدين، أي على مجرد التعبير عن الإرادة فقد أبطله القانون إذا كان شرطاً واقفاً، وكان تحققه متوقفاً على محض إرادة الملتزم. أما إذا كان شرطاً فاسخاً فإنه يكون صحيحاً ولا يمنع نشوء الالتزام.. ومثال ذلك أن يؤجر شخص سيارة لآخر لمدة معينة ويشترط عليه أن يكون له إنهاء الايجار واسترداد السيارة في أي وقت يشاء ولو لم تنقض المدة المتفق عليها.

وهنا لابد من التفريق بين أثر الشرط في فترة التعليق أي قبل تحقق الشرط، والأثر بعد تحقق الشرط أو تخلفه؛ ففي مرحلة التعليق على شرط واقف لا يكون للحادث المستقبل وجود يقيني بل يكون وجوده محتملاً ويترتب على ذلك اعتبار الالتزام محتملاً وليس مؤكداً خلال فترة التعليق:

1ـ لا يكون الالتزام نافذاً وبالتالي لا يكون للدائن أن يباشر أي إجراء من إجراءات التنفيذ فلا يكون له رفع دعوى للمطالبة بتنفيذه ولا يكون له أن يحجز على مال مدينه ولا يكون له أن يطعن في تصرفات هذا المدين بالدعوى البوليصية.

2ـ إذا وفى المدين بالالتزام فإنه يعتبر موفياً بغير المستحق ويكون له أن يسترد ما وفاه.

3ـ لا يبدأ سريان مدة تقادم حق الدائن لأنه لم يصبح بعد مستحق الأداء.

4ـ ينتقل حق الدائن عند وفاته إلى ورثته كما يجوز للدائن أثناء حياته أن يحول حقه للغير بمقابل أو بدون مقابل.

5ـ للدائن أن يتخذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على حقه كوضع الأختام على تركة المدين إذا توفي.

وينتهي التعليق بأحد أمرين:

الأول: تحقق الشرط أي حصول الحادث المستقبل؛

الثاني: تخلف الشرط وثبوت عدم إمكان تحققه نهائياً. وفي هذه الحالة إذا كان المتخلف هو الشرط الواقف فإن الالتزام المعلق عليه وقد كان محتملاً يعتبر كأن لم ينشأ في وقت من الأوقات وتزول آثار كل الإجراءات التي يكون الدائن قد اتخذها استناداً إلى الوجود الاحتمالي لهذا الالتزام.

أما إذا كان الشرط الفاسخ هو من تخلف فإنه يترتب على ذلك زوال الخطر الذي كان يهدد الالتزام خلال فترة التعليق فيتأكد الالتزام ويستمر نافذاً.

وختاماً، لا بد من الإشارة إلى أنه سواء كان الشرط واقفاً أو فاسخاً فإن تحققه يكون بأثر رجعي؛ وفكرة الأثر الرجعي هذه فكرة نص عليها المشرّع لاعتبارات رآها كاستثناء من القاعدة العامة بعدم الأثر الرجعي للعقود؛ فنصّ على استبعادها وترك تقريرها لإرادة المتعاقدين أو إذا اقتضت ذلك طبيعة العقد، إلا أنه استبعد الأثر الرجعي بالنسبة لأعمال الإدارة حيث تبقى نافذة رغم تحقق الشرط. وعلى ذلك إذا اشترى شخص شيئاً وعلق الالتزام نحوه على شرط فاسخ، وخلال فترة التعليق قام المشتري في سبيل استثمار الشيء الذي اشتراه بإجراء بعض الأعمال مما اصطلح على تسميته بأعمال الإدارة، كتأجير الشيء للغير، وتحقق الشرط الفاسخ واسترد البائع ملكية هذا الشيء، ففي هذه الحالة تظل أعمال الإدارة نافذة في حق البائع ولا يكون له استرداد الشيء من المستأجر إلا بعد انقضاء مدة الإيجار، ويعتبر هذا الحكم استثناء من قاعدة الأثر الرجعي للشرط إذ

لو طبقت هذه القاعدة سيعتبر المشتري لم يتملك في أي وقت، وبالتالي سيكون الإيجار الصادر منه من غير مالك ولا يكون البائع ملزماً باحترامه، وهذا لا يجوز، وفيه إضرار بالغير حسن النية الذي هو المستأجر. كما أن تعطيل الشيء خلال فترة التعليق هو تعطيل للغاية التي وجد الشيء لأجلها وهي النفع والاستثمار، وهذا لا يستقيم وقصد المشرّع في استثمار الملكية على أحسن وجه.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.