إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يعتبر البعض فعل الفضالة أو الحشرية من الأعمال المذمومة في عرف الكثيرين وتدخٌل في شؤون الغير، ولكن هذا القول بإطلاقه وتعميمه أمراً لا يقره القانون ولا يجاريه؛ فهو يعدّ الفضالة والفضولي في بعض الأحيان من الأعمال الإيجابية التي يجب الثناء عليها وتقديرها. لذلك سعى ومنذ قديم الأزمان إلى تنظيم هذا الأمر وترتيب نتائج قانونية عليه ضمن شروط وحدود نبينها فيما يلي:
الفضالة بالتعريف القانوني لها هي أن يتولى شخص (الفضولي) عن قصد ودون أن يكون ملزماً بذلك شأناً عاجلاً لحساب شخص آخر (رب العمل) كأن ينهض شخص بإقامة جدار يوشك أن ينقض في بيت جاره الغائب أو يبادر إلى إسعاف ابن هذا الجار من إصابة مفاجئة. وينشأ عن هذا التدخل في شؤون الغير التزامات متبادلة على عاتق كل من الفضولي ورب العمل. ويبدو الوضع الناشئ عن الفضالة شديد الشبه بما ينشأ عن عقد الوكالة (م 659 وما بعد). ويرجع الفرق بينهما إلى تخلف إرادة رب العمل. ولذا وصفت الفضالة على شبه عقد وليست بالعقد الكامل عند الحديث عن مصادر الالتزام. وتتبدى الفضالة هنا على أنها من بعض الأفراد في شؤون الآخرين وينظم القانون الفضالة ويترتب عليها آثار قانونية وذلك إعمالاً لواجب أخلاقي وديني هو (وتعانوا على البر والتقوى)، “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض”، بحيث يعد الفضولي متفضلاً لا متطفلاً، وهو أمر مندوب إليه في تشريع تسوده النزعة الاجتماعية وروح التعاون في المجتمع.
شرائط الفضالة:
تنص المادة 188 من القانون المدني السوري على أن:
“الفضالة هي أن يتولى شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر ودون أن يكون ملزماً بذلك” وتنص المادة 190 من ذات القانون على أن الفضالة تتحقق ولو كان الفضولي في أثناء توليه شأناً لنفسه قد تولى شأن غيره لما بين الشأنين من ارتباط لا يمكن معه القيام بأحدهما منفصلاً عن الآخر؛ وبالتالي يتبين أنه يجب لقيام الفضالة توافر شرائط ثلاثة هي:
1ـ أن يقوم شخص بشأن عاجل لشخص آخر، وهذه شريطة تتعلق بالعمل الذي يقوم به الفضولي ويعبّر عنها أحياناً بالركن المادي؛ كأن يتعاقد الفضولي مع مقاول لإصلاح منزل رب العمل من خلل يهدده بالسقوط، أو أن يتوفى شخص على إثر حادث فيقدم صديق له على تجهيزه ودفنه، أو أن يدفع دين الغير دون علم ورثته، أو أن يبيع محصولات زراعية لرب العمل مما يسارع إليها التلف أو أن يوفي عن رب العمل ضريبة واجبة تحاشياً لتوقيع الحجز الاداري، أو أن يقبل هبة صدرت من الواهب إلى رب العمل؛ وغالباً ما تقع الفضالة في أعمال الإدارة ويندر أن تقع في أعمال التصرف ويرجع ذلك إلى أن طابع العجلة الذي يجب أن يتوافر في العمل الذي يقوم به الفضولي يمكن تصوره بسهولة في أعمال الإدارة لا في أعمال التصرف.. والعبرة في تقدير صفة الضرورة للعمل بالوقت الذي يقوم فيه الفضولي بهذا العمل، ولا يعتد بزوال الصفة بعد ذلك لأنه إذا لم تتوافر صفة العجلة في عمل الفضولي فلا يلتزم به رب العمل إلا إذا أقره.
2ـ نية الفضولي في أن يعمل لمصلحة شخص آخر، وهي شريطة تخص رب العمل ويعبر عنها بالركن المعنوي. ويراد بالنية هنا مجرد القيام بأعمال الفضالة، وليس البتة ترتيب آثار قانونية على هذه الأعمال. وهذه النية هي التي تميز بين الفضالة والاثراء بلا سبب، ومثال ذلك المستأجر الذي يقوم بالترميمات الضرورية للعين المؤجرة؛ فهو لا يقصد بذلك خدمة المؤجر ولكنه يقصد مصلحة لنفسه وهي الانتفاع
بالعين على الوجه الأكمل؛ وهو يرجع على المؤجر فإنما يرجع بدعوى الاثراء بلا سبب لا بدعوى الفضالة، لأن القيام بهذه الترميمات واجب على المؤجر أصلاً (م 535/1)؛ ولا يشترط أن تكون نية الفضولي متجهة إلى إسداء خدمة لشخص معين بالذات، بل يكفي أن تتجه النية إلى العمل لمصلحة الغير أياً كان هذا الغير. ونشير أخيراً إلى أن تدخل الفضولي في شؤون الغير يجب أن يكون عفوياً، وإذ حدا بالمتدخل في شؤون غيره واجب أدبي أو شفقة، فلا يعد فضولياً لأن المراد بعبارة الالتزام الواردة في نص القانون “دون أن يكون ملزماً بذلك” إنما هو الالتزام القانوني.
3ـ ألا يكون رب العمل قد ارتضى عمل الفضولي أو نهاه ابتداء أو أقره انتهاء وهي شريطة تتصل برب العمل ويعبر عنها البعض بالركن القانوني وفي هذه الحالة لا يعد تدخل الغير فضالة وإنما يعد عملاً من أعمال العنف ويجب أن يتنزه عنه وإلا جاز لرب العمل الرجوع عليه على أساس المسؤولية التقصيرية إذا ترتب على ذلك ضرر لرب العمل أما إذا عاد التدخل بالمنفعة على رب العمل فإن الغير يرجع عليه بدعوى الاثراء بلا سبب وبالتالي استبعاد أحكام الفضالة وفي هذا الصدد يشترط لقيام الفضالة أن يعلم رب العمل بتدخل الفضولي ثم يسكت أي يقف منه موقفاً سلبياً “لا ينبت ببنت شفة” لا يعارضه ولا يقره ففي هذه الفرض يعد المتدخل فضولياً.
آثار الفضالة:
إذا توافرت شرائط الفضالة، أنشأت باعتبارها شبه عقد ملزم للجانبين، التزامات على عاتق الفضولي وأخرى على رب العمل:
أولاً: التزامات الفضولي
يترتب على عاتق الفضولي طبقاً لأحكام المواد 192ـ 194 التزامات أربعة هي:
1ـ أن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه؛
2ـ أن ينذر رب العمل بتدخل متى استطاع ذلك؛
3ـ أن يبذل في القيام بالعمل عناية الشخص المعتاد؛
4ـ أن يقدم حساباً لرب العمل عما قام به وأن يرد إليه ما استولى عليه بسبب الفضالة.
ثانياً: التزامات رب العمل
تنص المادة 196 من القانون المدني على أنه:
“يعتبر نائباً عن رب العمل متى كان قد بذل في إدارته عناية الشخص العادي ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة، وفي هذه الحالة يكون رب العمل ملزماً بأن ينفذ التعهدات التي عقدها الفضولي لحسابه وأن يعوضه عن التعهدات التي ألزم بها، وأن يرد له النفقات الضرورية والنافعة التي سوغتها الظروف مضافاً إليها فوائدها من يوم دفعها، وأن يعوضه عن الضرر الذي لحقه بسبب قيامه بالعمل، ولا يستحق الفضولي أجراً على عمله إلا أن يكون من أعمال مهنته”.
وتسقط الدعوى الناشئة عن الفضالة بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم كل طرف بحقه وكذلك بانقضاء خمس عشرة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق.
وختاماً، نرى أن المشرّع في هذا المصدر من مصادر الالتزام حقق التوازن بين السعي إلى نشر روح التعاون بين أفراد المجتمع وتعزيز واجب تقديم العون، وبين حفظ الحقوق ومنع التعسف في التدخل
بشؤون الآخرين بدون مبرر وانتهاك حق الفرد في الخصوصية. وحبذا لو يلقي الإعلام الضوء على هذا الفصل من أحكام القانون وفي هذه الظروف التي تعيش فيها بلادنا، حيث يوجد الكثير من الأفراد غائبين عن بيوتهم، وقد تستدعي الضرورة تقديم المساعدة لهم من قبل جار أو صديق، وقد يخشى هذا الصديق تقديم العون بلا طلب أو صفة مما يفوت على هؤلاء الأفراد النفع ويلحق بهم الضرر لا لسبب سوى الجهل بالقانون.
اترك تعليقاً