إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدماً قيمة التعويض المستحق في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزاماته أو التأخير فيها (مدني224) ويسمى الاتفاق المحدد لهذا التعويض البند أو الشرط الجزائي، نظراً لأنه يحدد الجزاء المترتب على عدم تنفيذ الالتزام. وقد يتم التراضي على البند الجزائي في ذات العقد المنشئ للالتزامات أو يحصل في اتفاق لاحق، ويراعى في هذه الحالة أحكام المواد 216 إلى 221 مدني.
وجوهر البند الجزائي أن الاتفاق عليه يجب أن يحصل مقدماً؛ أي قبل حصول أي إخلال بالالتزامات الناشئة عن العقد على اعتبار أنه إذا تم تحديد التعويض الاتفاقي بين الدائن والمدين بعد حصول الإخلال بها، فإنه لا يكون بنداً جزائياً وإنما عقد صلح.
ويجوز اشتراط البند الجزائي أيا كان موضوع الالتزام؛ فقد يكون موضوع الالتزام عملاً أو امتناعاً عن عمل أو إعطاء حق عيني؛ ومثال ذلك أن يبرم شخصان عقد مقاولة ويتفقان على إلزام المقاول بدفع عشرة آلاف ليرة عن كل يوم يتأخر فيه عن تسليم البناء في الموعد المحدد لتسليمه. وقد يكون موضوع الالتزام دفع مبلغ من النقود فيتفق الطرفان على إلزام المدين بدفع مبلغ إضافي زيادة عن المبلغ الأصلي في حال تأخره في الوفاء. وهو في ذلك يتميز عن الفائدة القانونية التي تستحق حيث لا يوجد اتفاق مقدم على الفائدة.
وفي ضوء ذلك، فإن البند الجزائي هو عبارة عن اتفاق على مقدار التعويض يتم مقدماً بين طرفي العقد أو الالتزام، وهذا الأمر ينشأ عنه عدة نتائج أهمها:
1ـ إذا بطل العقد الأصلي المنشئ للالتزام أو فسخ، فإن الاتفاق على التعويض الناشئ عن الإخلال بهذا الالتزام يبطل بدوره أو يفسخ. فالاتفاق على البند الجزائي اتفاق تابع للعقد الأصلي المنشئ للالتزام وليس اتفاق مستقلاً ولو تم في وقت لاحق للعقد الأصلي.
2ـ إذا طلب الدائن التنفيذ العيني للالتزام وكان هذا التنفيذ ممكناً وغير مرهق للمدين حكم له به، كما لا يجوز للدائن أن يرفض قبول التنفيذ العيني من المدين، ويصرّ على استيفاء التعويض الذي يوجبه البند الجزائي إذا ما كان المدين مستعداً وراغباً في التنفيذ العيني؛ إذ أن التنفيذ العيني هو الأصل فلا يعدل عنه إلى التعويض إلا برضاء كل من الدائن والمدين.
3ـ يشترط لاستحقاق التعويض الاتفاقي المنصوص عليه في البند الجزائي توافر الشروط العامة لاستحقاق التعويض، وهي الخطأ والضرر والرابطة السببية بينهما والأعذار؛ فإذا انتفى شرط من هذه الشروط لم يكن للدائن أن يطالب المدين بقيمة البند الجزائي؛
ولكن خلافاً للقواعد العامة في التعويض والتي توجب على الدائن إثبات وجود الضرر الذي يطالب بالتعويض عنه وإثبات قيمته، فإنه في حالة الاتفاق على البند الجزائي لا يلتزم الدائن بإثبات وجود الضرر ولا قيمته؛ إذ يفترض أن كل إخلال من المدين بالتزاماته يسبب ضرراً للدائن، وأن قيمة هذا الضرر تساوي قيمة التعويض المتفق عليه. وعلى ذلك يستطيع الدائن أن يطالب المدين بأداء التعويض المحدد في البند الجزائي دون حاجة إلى إثبات إصابته بضرر أو أن قيمة الضرر الذي أصابه تساوي قدر ذلك التعويض. ولكن افتراض حصول الضرر هو افتراض بسيط قابل لإثبات العكس؛ وعلى ذلك يستطيع المدين أن يثبت أنه رغم إخلاله بالتزامه، فإنه لم يترتب على هذا الإخلال حصول أي ضرر بالدائن. كما لو التزم المدين بتوريد بضاعة بثمن معين واتفق على إلزامه بدفع تعويض مليون ليرة إذا لم يقم بالتوريد ولم يقم المدين فعلاً بالتوريد المطلوب منه، ولكنه استطاع أن يثبت أن ثمن البضاعة في السوق قد انخفض وأن الدائن يستطيع الحصول عليها من غيره بهذا الثمن المنخفض، فلا يكون هناك ثمة ضرر أصابه نتيجة إخلاله (أي المدين) بالتزامه بالتوريد؛ أما إذا لم يستطع المدين إثبات انتفاء الضرر في جانب الدائن، فالأصل أنه يلتزم بدفع قيمة التعويض المتفق عليه بلا زيادة ولا نقصان.
ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه عن سلطة القاضي في تخفيض قيمة التعويض الاتفاقي إذا كان مبالغاً فيه أو كان الالتزام الأصلي قد نفذ جزء منه أو حتى في زيادة قيمة التعويض الاتفاقي؟
الأصل أن العقد شريعة المتعاقدين ومتى ثبت إخلال المدين بالتزامه ولم يستطع إثبات أن الدائن لم يلحقه ضرر وجب عليه أن يدفع التعويض المتفق عليه بمقداره المحدد في البند الجزائي إعمالاً لهذا المبدأ، ولكن يراعى من ناحية أخرى أن البند الجزائي ما هو إلا تعويض مقدّر اتفاقاً ومقدماً، وأن الغرض من التعويض أساساً هو جبر الضرر، وأن الأصل فيه أن يقدر بقدر هذا الضرر ولذلك أجاز المشرّع للقاضي صراحة أن يخفّض مقدار التعويض الاتفاقي في حالتين:
الأولى: إذا ثبت أن تقدير التعويض في البند الجزائي كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة ـ المادة 225 فقرة 2 من القانون المدني والتي تنص أنه:
“ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ جزء منه”.
ولإثبات ذلك يتعين المقارنة بين مقدار هذا التعويض وبين قيمة الضرر الذي حصل فعلاً؛ فإذا وجد عدم تناسب واضح بين القيمتين أمكن القول أن التعويض مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة. ويقع عبء إثبات ذلك على المدين؛ أما إذا كان التعويض يزيد قليلاً على قيمة الضرر ولم يصل إلى حد عدم التناسب الواضح والبيّن بين القيمتين فلا تكون هناك مبالغة في تقدير التعويض. وإذا أثبت المدين المبالغة بين القيمتين جاز للقاضي أن يتدخل بناء على طلب المدين فينقص من مقدار هذا التعويض، ولا يكون الانقاص إلى الحد الذي يجعل قدر التعويض مساوياً تماماً لقيمة الضرر، بل يكون الإنقاص إلى الحد المعقول الذي يزيل المبالغة وإن ظل مقدار التعويض يزيد على قيمة الضرر.
الثانية: إذا ثبت أن الالتزام الأصلي قد نفّذ جزء منه وكان الإخلال جزئياً بأن قام المدين بتنفيذ جزء من الالتزام فيجوز في هذه الحالة أن يخفّض من مقدار التعويض بما يتناسب مع الجزء الذي تم تنفيذه ويقع على المدين هنا أيضاً عبء إثبات قيامه بتنفيذ جزء من التزامه.
وسلطة القاضي في تخفيض مقدار التعويض في الحالتين السابقتين من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على حرمانه منها.
أخيراً، ثمة فرضية تتعلق بالبند الجزائي وتتعلق بسلطة القاضي في زيادة قيمة التعويض المتفق عليه، حيث أن الأصل أن يلتزم المدين بقيمة التعويض المتفق عليه بلا زيادة حتى لو زادت قيمة الضرر الحاصل فعلاً على مقدار ذلك التعويض. ولكن المشرّع قدّر أنه لا يجوز للمدين أن يتمسك بالبند الجزائي إذا كان إخلاله بالتزامه قد أخذ صورة الغش أو الخطأ الجسيم؛ حيث أجاز للدائن في هذه الحالة وبعد إثبات الغش أو الخطأ الجسيم، أن يطالب بأكثر من قيمة التعويض الاتفاقي.. وهذا الخروج من المشرّع على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين في هذه الحالة، يبرره الرجوع إلى الفكرة الأساسية في التعويض، وهي جبر الضرر فيجب أن يحدد مقداره بقيمة هذا الضرر.
اترك تعليقاً