إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اختلف الفقه حول طبيعة الحقوق الذهنية، فاتجه جانب من الفقه والقضاء في البداية إلى اعتبار أن الحق الذهني يعطي لصاحبه سلطات معينة على شيء معنوي ونتاجه الذهني أو الفكري، ولذلك سميت بالملكية الأدبية أو الفنية. والخلاف ينحصر بين الملكية العادية والملكية الفنية والأدبية على الشيء الذي ترد عليه كل منهما؛ ففي الملكية العادية حق الملكية يرد على شيء مادي أما الملكية الأديبة أو الفنية الحق يرد على أشياء غير مادية.
وقد كان ومازال لهذا الاتجاه صداه في مجال التشريعات والاتفاقيات لاسيما أنّ الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات أشارت إلى هذا المصطلح خلال تنظيمها لهذا الموضوع عام 1995.
ولكن هذا الرأي كان محل انتقادات كثيرة من جانب الفقه الغالب؛ وأول هذه الانتقادات أن اعتبار الحقوق الذهنية من قبيل الملكية يخرج الملكية عن معناها الفني التقليدي باعتبارها لا ترد إلا على الأشياء المادية؛ كما أننا لو أمعنا النظر سنجد أن الحقوق الذهنية تختلف اختلافاً جوهرياً عن حق الملكية بالمعنى الفني؛ فجوهر حق الملكية الاستئثار الحاجز لصاحبه، في حين أن الحق الذهني في جوهره لا يمكن استعماله إلا من خلال وضع الإنتاج الفكري تحت تصرف الكافة ليتداوله الناس فيما بينهم؛ كما أن حق الملكية يرد على أشياء مادية مما جعله يتسم بالدوام،
في حين أن حق المؤلف في استغلال نتاج ذهنه موقوت دائماً بزمن يحدده القانون؛ وأخيراً أن الحقوق الذهنية تتضمن جانباً معنوياً غير مالي يتصل اتصالاً وثيقاً بشخصية صاحبه، مما كان له انعكاس على الجانب المادي في الحق، وهو الذي يخوّل صاحبه الاستغلال المالي لحقه الذهني؛ كأن يمنع نشره مرة أخرى أو يسحبه من التداول وغير ذلك من أمور لا تتوافر البتة في حق الملكية بالمعنى التقليدي.
ذلك، فإن الاتجاه الفقهي السائد الآن يرى أن حق المؤلف ليس حق ملكية، وإنما هو حق من نوع خاص ذو طبيعة مزدوجة، وينطوي على جانبين جانب معنوي أو أدبي وجانب مادي أو مالي. وقد تأيد هذا الاتجاه في القانون المدني في المادة 89 بإعراضه عن تسمية هذه الحقوق بالملكية؛ فنصّ على أن الحقوق التي ترد على شيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة وهو ما فعله المشرّع بالمرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1946، والذي ألغي بالقانون رقم 12 لعام 2001 والذي عدل بالمرسوم رقم 62 لسنة 2013 وبدأ العمل به بعد ستة أشهر من تاريخ نشره عام 2014.
مضمون حق المؤلف:
وفي ضوء الطبيعة المزدوجة لحق المؤلف، فإن هذا الحق يتسم بالخصائص التالية: الحق الأدبي ويعتبر من أهم ما يميز حق المؤلف، بل هذا الجانب هو الذي أعطى لحق المؤلف طابعه الخاص، وهو الذي يبرز الصلة الوثيقة بين الإنتاج الذهني وبين شخص مبدعه ومفكره، أو بين المصنف وبين مؤلفه، مما يجعل هذا الحق من الحقوق المتعلقة بالشخصية.
وهذه الصلة هي التي تعطي المؤلف السلطات اللازمة لحماية شخصيته، وتؤكد أبوته على مصنفه، وتكفل احترام هذا المصنف؛ فيكون للمؤلف وحده سلطة تقرير نشر مصنفه من عدمه. ولذلك قرر القانون احتراماً لهذا الحق باعتباره من الحقوق اللصيقة بالشخصية، أنّ للمؤلف وحده الحقّ في نشر مصنفه من عدمه (5 فقره أ من المرسوم 62 لعام 2013)؛ بل إن الأمر لا يقف عند هذا الحد؛ إذ يثبت للمؤلف “طريقة النشر وشكله”..
ولكن هذه السلطة المطلقة في تقرير النشر من عدمه أخضعها القانون لبعض القيود التي تمليها اعتبارات معينة جديرة بالاعتبار؛ كما لو أن المصلحة العامة اقتضت إعادة النشر أو إعادة تقديمه في شكل آخر جديد دون إذن المؤلف أو دون تعويضه إذا قُدِّم المصنف بعد النشر في تجمع معين، أيا كان طبيعته؛ عائلي، جمعية، منتدى، مدرسة، بدون مقابل، أو يتم عرض المصنف بعد نشره لإخضاعه للتحليل أو النقد أو الاقتباس منه بقصد البحث العلمي وغير ذلك من الأمور.
ولكن هذه الاعتبارات الاستثنائية لا تحول دون أن يكون للمؤلف الحق في أن يدفع أي اعتداء على هذه الحقوق الملازمة لشخصيته في أبوة المصنف وسحبه من التداول ولو بعد النشر عملاً بالفقرة 5ـ 6 من المادة 5 من ذات القانون. ومن السمات المميزة للحق الأدبي للمؤلف باعتباره من الحقوق الملازمة للشخصية أنها تنتقل بالميراث إلى الورثة استثناء من هذا الأصل المقرر لهذا النوع من الحقوق؛ فالمشرع قرر انتقال الحق الأدبي للمؤلف إلى ورثته بعد الوفاة عملاً بالمادة 8 من القانون. ولكن دور الورثة يقتصر على حفظ كرامة المؤلف وسمعته فليس لهم سحب المصنف من التداول بعد نشره في حياة مؤلفه؛ كما أن لهم الحق في دفع اعتداء يقع على هذا الحق.
وإذا ما تنازل المؤلف عن الحقوق المالية في استغلال المصنف فإنه يبقى له دائماً على هذا المصنف حقه المعنوي الذي لا يجوز له التنازل عنه. كما يقع باطلاً تصرف المؤلف في مجموع إنتاجه الفكري في المستقبل. ويعتبر الحق المالي للمؤلف عنصراً من عناصر الذمة المالية، وينتقل إلى الورثة بعد الوفاة. ولكن هذا الحق موقوت بمدة معينة ينقضي بعدها هذا الحق ويصبح جزءاً من الثروة الفكرية العامة. وقد نص القانون على انقضاء حقوق الاستغلال المالي بمضي خمسين سنة على وفاة المؤلف. ولكن إذا كان المصنف مشتركاً، فإن مدة الخمسين سنة تحسب من تاريخ وفاة آخر من بقي حياً من المشتركين. وبالنسبة للمؤلفات الجماعية أو المصنفات المنشورة باسم مستعار، وكذلك بالنسبة لحقوق الاستغلال في المصنفات التصويرية المرئية أو السمعية أو البصرية التي ليس لها طابع إنشائي، تنقضي بمضي مدة خمسين سنة تبدأ من أول السنة الميلادية التالية لنشرها لأول مرة. وفي حال عدم النشر خلال خمسين سنة من تاريخ إنجاز المصنف، تحسب هذه المدة ابتداء من أول السنة الميلادية التالية لتاريخ هذا الإنجاز عملاً بالمادة 21 من القانون.
حماية حق المؤلف: حدد القانون وسائل حماية حق المؤلف بالتدابير التحفظية والجزائية.
ويقصد من هذه الإجراءات المحافظة على حق المؤلف من الاعتداء عليه إلى أن يفصل القضاء في دعواه ضد المعتدي، وذلك حتى لا يلحقه ضرراً كبيراً من جراء الاعتداء؛ فقد نصت المادة 75 من القانون على أنه:
“أ/ لصاحب الحق ولوكيله ولجمعيات إدارة الحقوق الجماعية عند التعدي أو لتجنب أي تعدٍّ على حق من حقوقهم المحمية طبقاً لأحكام هذا القانون أن يستصدروا قرارات من النيابة العامة أو صادرة بغرفة المذاكرة عن المحكمة المختصة بأصل النزاع لضبط المصنف أو الأداء أو التسجيل السمعي أو البصري أو مادة محطات البث موضوع التعدي والأدوات والمواد والآلات والأجهزة التي استخدمت في التعدي.
ب/ يتعين في حال كون الطلب يرمي إلى تجنب تعدٍّ محتمل أن ترفق بالطلب الأدلة الكافية على أن مقدمه هو صاحب الحق وأن هذا الحق على وشك التعدي عليه ولرئيس المحكمة أو رئيس النيابة أن يلزم مقدم الطلب بتقديم الوثائق اللازمة.
ج/ موظفو الضابطة العدلية المحددون في المادة /89/ من هذا القانون ملزمون بناء على طلب صاحب الحق أو وكيله أو جمعيات إدارة الحقوق الجماعية أو بناء على أمر النيابة العامة بتنظيم محضر ضبط بالمصنف أو الأداء أو التسجيل السمعي أو البصري أو مادة محطات البث موضوع التعدي وضبط الأدوات والمواد والآلات والأجهزة التي استخدمت في التعدي وإيداعها في المرجع القضائي المختص بلا إبطاء”.
وإذا ما طرح النزاع على المحكمة فإن لها أن تأمر بإتلاف نسخ أو صور المصنف الذي نشر بوجه غير مشروع والمواد التي استعملت في نشره وذلك على نفقة الطرف المسؤول إضافة إلى التعويض العادل الذي تقدره المحكمة الناظرة بالدعوى.
وإلى جانب الإجراءات التحفظية السابقة والجزاءات المدنية، قرر المشرع جعل الاعتداء على حق المؤلف جريمة جنائية وعاقب مرتكبها بالغرامة والحبس، حيث جاء في المادة 82 أنه:
أ/ يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مئة ألف إلى مليون ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين:
1/ من وضع بقصد الغش اسماً يعود للغير أو كلف غيره بوضعه على مصنف أدبي أو فني أو علمي.
2/ من قلد بقصد الغش وخداع المشتري إمضاء المؤلف أو من آلت إليه حقوق المؤلف من بعده أو الاشارة المميزة التي يستعملها أي منهم.
ب/ يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من خمسين ألفاً إلى ثلاثمائة ألف ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين:
1/ من اقتبس بوجه غير مشروع أو نسب لنفسه جزءاً من مصنف أو تسجيل سمعي أو بصري متجاوزاً الحدود المألوفة.
2/ من باع أو أودع عنده أو عرض للبيع أو وضع في التداول عن معرفة عملاً مقلداً أو موقَّعاً عليه باسم منتحل.
ج/ وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين /أ/ و/ب/ من هذه المادة في حال التكرار ولا يؤثر في العقوبة دخول المصنفات الأدبية أو الفنية أو العلمية أو التسجيلات السمعية أو البصرية أو الأعمال المقلدة في ملكية الجمهور أو عدم دخولها فيه.
ونرى أن قانون حماية حقوق المؤلف جاء منسجماً مع ما يجب توافره من الحرص على هذا الحق وكيانه، لنبالة مبناه ومؤداه للفرد والجماعة؛ وحبذا لو سلّطت أجهزة الإعلام والثقافة الضوء على هذا القانون وأهميته في عملية التنمية الفكرية والاقتصادية، ودور مديرية حماية الملكية الفكرية في توثيق الحقوق الفكرية وحفظها وحسم المنازعات بشأنها لما تتمتع به قيودها من حجية قانونية في هذا المجال.
اترك تعليقاً