العلامة التجارية في القانون
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
استخدم الأقدمون العلامات التجارية أو ما تسمى اليوم بالعلامة الفارقة للدلالة على السلع والبضائع التي تعود لهم وللدلالة على أصلها وجودتها ومصدر إنتاجها، ولتمييز السلع والبضائع عن غيرها. وكان استعمالها فيما مضى اختيارياً، لكنها اليوم غدت إلزامية تنظمها تشريعات واتفاقيات دولية ومحلية، وذلك نتيجة للدور المميّز لها في التجارة الدولية والمحلية؛ فهي لم تعد أداة لتمييز مصدر المنتجات، بل أصبحت ترمز إلى صفات المنتجات وخصائصها.
من هنا ظهرت أهمية التعرف على ماهية العلامة التجارية وبيان مضمونها ومكوناتها الأساسية بغرض التوصل إلى تعريف مناسب لها يتلاءم مع طبيعتها الخاصة؛ فالعلامة التجارية تعدّ أحد العناصر المعنوية للمحل التجاري وفي مضمونها هي الشارة أو السّمة التي يتخذها التاجر أو الصانع أو مقدم الخدمة لتمييز منتجاته أو بضائعه أو خدماته عن غيرها.
وتمثل العلامة التجارية أحد حقوق الملكية الصناعية التي تشمل ـ بالإضافة إلى العلامات التجارية ـ الرسوم والنماذج الصناعية وبراءات الاختراع والأسماء التجارية. وهذه الحقوق في ذاتها تنتمي إلى طائفة من الحقوق تسمى الحقوق المعنوية أو الذهنية؛ فهي لا تندرج تحت أي طائفة من الحقوق التقليدية المعروفة في الفقه القانوني (الحقوق الشخصية والحقوق العينية). ولكي تكون العلامة التجارية محمية قانوناً يجب أن تتوفر فيها شروط موضوعية، وأخرى شكلية؛
تتمثل الشروط الموضوعية، في أن تكون العلامة ذات صفة مميزة لا مجرد اسم أو شعار أو شارة عادية متعارف عليها بين التجار. كما ينبغي أن تكون جديدة والمقصود بجدتها أنه لم يسبق لأحد استعمالها على ذات الصنف من البضائع. وأن تكون مشروعة؛ أي لا تكون مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة أو لأي نص في القانون؛ أما الشروط الشكلية، فقد بيَّن القانون رقم 8 لعام 2007 أنه يشترط لتوفير الحماية بموجب أحكامه أن تكون العلامة التجارية مسجلة. وقد حدد القانون إجراءات تسجيل العلامة التجارية وإجراءات تجديدها بعد انتهاء مدة الحماية المقررة لها بالقانون.
ولكون العلامة التجارية مالاً منقولاً، أي ذات قيمة مالية، فهي بذلك قابلة للتملك والتداول وأساس ملكيتها يقوم على تسجيلها المقترن باستعمالها المستمر لمدة خمس سنوات استعمالاً هادئاً بدون منازعة من أحد. وبعد انتهاء هذه المدة تصبح العلامة التجارية ملكاً تاماً لمن قام بالتسجيل لا يجوز منازعته فيه.
وفي ضوء ذلك، فإن ملكية العلامة التجارية ليست ملكية بالمعنى التقليدي المعروف في القانون المدني؛ فهي تختلف عنه في أنها تمتاز بكونها حقاً نسبياً ودائماً في الوقت نفسه.
وقد أجاز القانون استثمار العلامة التجارية واستغلالها والتصرف بها تصرفات ناقلة للملكية كالبيع، وتصرفات أخرى لا تنقل الملكية كالرهن والحجز، أو منح استعمالها للغير مقابل أجر محدد.. لكن يشترط القانون لنفاذ هذه التصرفات في حق الغير أن تسجل لدى الدائرة المختصة بالتسجيل، وإلا فلا يستطيع المتصرف الاحتجاج بهذه التصرفات قِبَل الكافة.
وعلة هذا التنظيم والتدخل التشريعي هو الحد من المنافسة غير المشروعة بين التجار؛ فليس من العدل أن يستعمل شخص ما العلامة المميزة لمنتجات غيره طالما أن هذه العلامة مملوكة للغير؛ كما أن العدالة توجب حماية جمهور المستهلكين من الغش والخداع، وأن يسهل عليهم التعرف على البضائع التي يفضلونها. لذلك نجد أن المشرّع وفر حماية مدنية للعلامات التجارية وفق القواعد العامة للمسؤولية عن الفعل الضار،
وحماية جنائية تتضمن العقوبة على الجرائم التي تمثل اعتداء على ذاتية العلامة وعلى ملكيتها، إضافة إلى حماية دولية تضمن الحماية للعلامات التجارية خارج حدود إقليم الدولة التي نشأت فيها وذلك بموجب اتفاقيات دولية أبرمت لهذا الغرض.
ونرى أنّ من المفيد الإشارة إلى أن سورية انضمت إلى اتفاقيات باريس لحماية الملكية الصناعية المؤرخة في 1883 والمعدلة بموجب وثيقة استوكهولم لعام 1967 بموجب المرسوم التشريعي رقم 47 لعام 2002؛ وإلى اتفاق وبروتوكول مدريد بشأن التسجيل الدولي للعلامات لعام 1891 وبرتوكول عام 1989 بموجب المرسوم 92 لعام 2004. كما انضمت سورية إلى اتفاق نيس بشأن التصنيف الدولي للسلع والخدمات لأغراض التسجيل لعام 1957 وتعديلاته بموجب القانون رقم 37 لعام 2004. وقد كرّس المشرع السوري هذه الاتفاقيات جميعاً بالقانون رقم 8 لعام 2007 الذي يُعدّ عصرياً وتلافى الكثير من العيوب والثغرات التي كانت موجودة في المرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1946.
اترك تعليقاً