هل تتمتع المؤسسة الفردية بالشخصية القانونية؟ – بقلم علي العريان
بينما كنت أشرح بحثا كتبته حول الوعاء الضريبي في محاضرة أستاذة المالية العامة الدكتورة الفاضلة وئام المصري في كلية القانون الكويتية العالمية ثار نقاش فرعي شيق ومثر من قبل بعض الزملاء في القاعة حول تمتع المؤسسات بالشخصية الاعتبارية ، وقد أجبت انطلاقا من خبرتي العملية إجابة قطعية بعدم تمتع المؤسسات الفردية بالشخصية القانونية ، فسألني زميل عما لو كانت “جميع المؤسسات لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية؟” وكان سؤاله فخا نصبه لي فوقعت فيه وقلت بلى ، فقال “إذن فهل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية سابقا لم تكن تتمتع بالشخصية الاعتبارية؟” فاستدركت قائلا بأن قانون إنشائها منحها الشخصية الاعتبارية ، هذا النقاش كان انطلاقا من معلوماتي الحاضرة في الذهن حينها ، ولكن الموضوع قد شدني إلى درجة أنني لم أتمالك أن أعود إلى بيتي قبل أن أحصل على الإجابة القطعية من خلال الخوض في كتب القانون المتوافرة في مكتبة الكلية ، و كان هذا ما توصلت إليه ، و هو يؤكد جزما وقطعا صحة ما قلته في المحاضرة وأمام الطلاب والدكتورة:
– أولا: العبرة والمناط والمعيار في تمتع مجموعة من الأشخاص والأموال بالشخصية الاعتبارية هو في توافر عنصرين: العنصر الموضوعي والعنصر الشكلي ، فأما العنصر الموضوعي فهو وجود جماعة من الأشخاص أو الأموال بقصد تحقيق غرض معين ، و أما العنصر الشكلي فهو اعتراف القانون لهذه المجموعة بالشخصية المعنوية ، فالنص هو المعيار والضابط وهذا ما صرح به المشرع في المادة 18 مدني كويتي وبينه قضاء محكمة التمييز الكويتية صراحة [الطعن 1127/2004 تجاري] ، و بالتالي فمحدودية المسؤولية من عدمها واستقلال الذمة المالية و الحق في التقاضي والأهلية تعد خصائص للشخصية لا مناطا لها ، و بهذا يرتفع الإشكال الذي دار حول ما لو كانت شركة التضامن تتمتع بالشخصية الاعتبارية ، فهي تتمتع بذلك – بلا شك – على الرغم من إمكانية مطالبة الشركاء المتضامنين بالديون في حال إفلاس الشركة.
– ثانيا: تتمتع بعض المؤسسات العامة بالشخصية الاعتبارية لا لكونها مؤسسات وإنما لوجود نصوص في القانون تمنحها تلك الشخصية مع توافر العنصر الموضوعي أيضا ، فقانون إنشاء مؤسسة البترول الوطنية ومؤسسة الخطوط الجوية الكويتية سابقا و المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هو سبب منحها الشخصية الاعتبارية ، ومثل ذلك يقال أيضا عن الشركات التجارية والجمعيات التعاونية والأندية وجمعيات النفع العام وبعض الهيئات العامة [انظر الطعنان بالتمييز رقم 17،36/2002 مدني].
– ثالثا: لا تتمتع المؤسسة الفردية بالشخصية القانونية و تكون ذمتها المالية جزءا من ذمة مالكها الشخص الطبيعي المالية ولا تتمتع – دون مالكها – بأهلية الاختصام والتقاضي ، و هذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز في الكويت ، وشاهدا على ذلك نذكر الاقتباسات التالية:
– (( المنشأة الفردية المملوكة لشخص معين هي جزء من ذمته المالية وهو صاحب الصفة في المخاصمة بشأنها أمام القضاء )) الطعن 548/98 تجاري جلسة 23-10-1999
– (( من المقرر أنه ولئن كانت المنشأة التي لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية لا تكون أهلا لتلقي الحقوق وتحمل الالتزامات ولا تثبت لها أهلية الاختصام إذ ليس لها بحكم القانون كيان أو وجود مستقل عن شخص صاحبها إذ لا تعدو أن تكون عنصرا من عناصر ذمته المالية ومن ثم فلا يجوز لها أن تخاصم أو تختصم كمدعية أو مدعى عليها وإنما يباشر صاحبها الخصومة بشأنها باعتبارها جزء من ذمته المالية ترتبط به ولا تنفك عنه وأن المناط في صحة انعقاد الخصومة هي أن تكون صادرة من خصم أو موجهة إلى خصم يتمتع بأهلية الاختصام والتقاضي بيد أنه متى ثبت مثول صاحب المنشأة الفردية المقصود بالخصومة في الدعوى فإنه ينتفي موجب تقرير البطلان )) الطعن 78/99 مدني جلسة 5/6/2000
– الطعن 914/2004 تجاري جلسة 16/3/2005 أكد ما سبق أيضا
– الطعن 938/2004 تجاري جلسة 16/3/2005 أكد ما سبق أيضا
– من والأحكام التي فصلت في الأمر بعبارة واضحة هو الطعن رقم 1127/2004 تجاري والذي نص على ما يلي (( من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه و إن كان من المقرر أن أهلية التقاضي لا تثبت إلا للشخص الطبيعي أو الشخص الاعتباري الذي لا ينشأ إلا إذا توافر له عنصر موضوعي هو وجود جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال بقصد تحقيق غرض معين وعنصر شكلي هو اعتراف القانون لهذه المجموعة بالشخصية الاعتبارية ، مما مؤداه أن أية مجموعة من الأموال لم يعترف القانون لها بهذه الشخصية لا تعد ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية لصاحبها وإنما هي عنصر من عناصر ذمته ، إلا أنه متى ثبت أن الخصم المقصود بالخصومة هو الشخص الطبيعي الذي يملك هذه المجموعة المالية فإنه يكون هو صاحب الحق في التقاضي مدعيا أو مدعى عليه ، طاعنا أو مطعونا ضده ، لما كان ذلك وكان الثابت من صحيفة افتتاح الدعوى أن المطعون ضدها أقامت الدعوى على الطاعن باعتباره صاحب المؤسسة ومن ثم فإن الخصومة تكون قد انعقدت بينهما على هذا الأساس .. الخ )) .
وبعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، و اتضح صحة ما ذهبنا إليه ، نذكر لكم حكمين صادرين عن قضاء التمييز الأردني استئناسا و تعزيزا لقولنا:
حكم رقم 1993/785 فصل بتاريخ 1993/10/10 (هيئة عادية). منشور على الصفحة (377) من العدد (1) من مجلة نقابة المحامين لسنة (1994)
(( ينتصب صاحب المؤسسة التي لم تثبت لها الشخصية الحكمية بمقتضى نص المادة 50 من القانون المدني خصما للبنك الذي وقع عقد القرض باسمه الشخصي ، لعدم تمتع المؤسسة بحق التقاضي )).
حكم رقم 1989/145 فصل بتاريخ 1989/01/01 (هيئة عادية). منشور على الصفحة (2154) من العدد (6) من مجلة نقابة المحامين لسنة (1990)
(( إن المؤسسة لا تملك شخصيه حكمية مستقلة عن شخصية أصحابها إلا اذا كانت شركة )) .
بل إن الواقع العملي في الكويت – وهو انطلقنا منه بدءا – يبين بما لا يدع مجالا للشك بأن المؤسسة الفردية تعامل معاملة الشخص الطبيعي ، فالحساب البنكي يكون باسم الشخص الطبيعي و الديون المترتبة على المؤسسة الفردية تتعلق بالذمة المالية للشخص الطبيعي ، و إجراءات تأسيس المؤسسة الفردية تختلف عن إجراءات تأسيس الشركة ، و هو ما يشير دائما إلى الروح القانونية والطبيعة القانونية لهذا الكيان.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً