إعادة نشر بواسطة محاماة نت
كثيراً ما نسمع في حياتنا اليومية وفي معرض التحقيق في قضايا الفساد والمخالفات الإدارية بمصطلح “كف اليد”؛ فما هو المقصود به، ومن هي الجهة المختصة بإصداره وحالاته وأحكامه؟
تُعرّف المادة الخامسة من القانون رقم 7 لعام 1991 كف اليد، بأنه: توقيف العامل عن عمله مؤقتاً. ويسمى عند فقهاء القانون الإداري بأنه الوقف الاحتياطي، وهو إجراء تلجأ إليه الإدارة بقصد إبعاد العامل المتهم جزائياً أو تأديبياً عن عمله بشكل مؤقت، لأن بقاء العامل على رأس عمله قد يضرّ بالمصلحة العامة أو بالتحقيق الذي تجريه، بغية منعه من العبث بالأدلة أو الضغط على الشهود. وكفّ اليد يكون بصك من السلطة التي تمارس حق التعيين، أما المعينون بمرسوم فيتم كف يدهم بقرار يصدر عن رئيس مجلس الوزراء. وبموجب المادة 47 من القانون رقم 24 تاريخ 8/7/1981، المتضمن إحداث الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش يمكن للعاملين في التفتيش الطلب إلى الجهات المعنية عن طريق رئيس الهيئة أو بتفويض منه،
اتخاذ التدابير التي تقتضيها مصلحة التفتيش والتحقيق بما في ذلك كف أيدي العاملين عندما تستدعي المصلحة العامة عدم مثابرتهم على العمل وفق القواعد والأصول التالية:
1ـ يتم كف اليد بقرار يصدره رئيس الهيئة بناء على تقرير تمهيدي يُعده المفتش ويجوز للمفتش إصدار قرار كف اليد في حالات الضرورة على أن يُعلم رئيس الهيئة بذلك.
2ـ ينفّذ قرار كف اليد فوراً ويبلغ مع تقرير أولي إلى السلطة التي تمارس حق التعيين لاتخاذ التدابير المنصوص عليها في القوانين النافذة بحق مكفوف اليد.
3ـ يُلغى قرار كف اليد بقرار من رئيس الهيئة بعد انتهاء التحقيق واعتماده من رئاسة الهيئة أو في حال انقضاء السبب الذي استدعى إقراره، ولا يسري ذلك على مكفوف اليد المتواري عن الأنظار. وكذلك يجوز للجهاز المركزي للرقابة المالية بموجب المادة 23 من المرسوم 2571 لعام 1986، وفي سبيل القيام بأعمال التفتيش الحق في الاتصال المباشر بجميع العاملين في الجهات الخاضعة لرقابته والإطلاع على أي مستند أو سجل أو أوراق يراها لازمة للقيام باختصاصاته. كما أن له حق اتخاذ جميع الوسائل اللازمة لتحري المخالفات المالية والكشف عنها والاستماع إلى الشهود والتحقيق مع العاملين وكف يدهم عن العمل والحجز على الأموال والاستعانة بالقوة الإجرائية، واستعمال جميع الوسائل اللازمة للمحافظة على الخزانة واسترداد الأموال الضائعة أو المدفوعة على غير وجه حق.
كما يمكن أن يتم كف اليد بقرار من المحكمة المسلكية بموجب المادة 11 من القانون رقم 7 المتضمن إحداث المحكمة المسلكية إذا ظهر للمقرر أن الفعل المنسوب إلى المحال يشكل جناية أو جنحة مخلة بواجبات العمل أو بالثقة العامة ارتكبت أثناء تأديته العمل أو بسببه، أن يطلب من المحكمة بتقرير مسبب اتخاذ قرار بتوقيف المحال وأن يطلب كف يده من المرجع المختص.
إلغاء كف اليد:
يعني ذلك إعادة العامل الموقوف عن العمل إلى عمله بقرار من السلطة ذات الصلاحية؛ فإذا كان كف اليد من السلطة التي تمارس حق التعيين واستندت في قرارها لمجرد توقيف العامل من قبل القضاء، فإنها تملك بعد إخلاء سبيل الموظف ممارسة حقها الجوازي الممنوح لها بإلغاء قرارها المذكور؛ أما إذا كانت السلطة التي تمارس حق التعيين قد استندت في إصدار قرارها إلى الأحكام العامة الأخرى التي تجيز لها إصدار قرار كف يد موظف، فهي لا تملك بعد إخلاء سبيل العامل لأي سبب ممارسة حقها الجوازي وإلغاء قرارها المشار إليه بكف اليد وإنما يتوجب عليها الانتظار حتى ظهور نتيجة الدعوى الجزائية المرفوعة بحق الموظف، ويلغى قرار كف اليد الذي يصدر عن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بقرار من رئيس الهيئة بعد انقضاء السبب الذي استدعى إقراره.
وثمّة صورة أخرى من صور كف اليد وهي كف اليد الحُكمي والتي تكون عند انقطاع العامل عن عمله بسبب توقيفه لأي سبب من الأسباب من قبل الجهات المختصة.
وهذه الحالة تقوم دون الحاجة إلى إصدار قرار بكف اليد، حيث يعتبر العامل مكفوف اليد حكماً خلال فترة توقيفه ويلغى هذا الكف بعودة العامل إلى عمله دون الحاجة إلى صدور قرار بذلك. ولكن إذا كان توقيف العامل نتيجة جرم جزائي ارتكب أثناء تأدية العمل أو بسببه يمكن للسلطة التي تمارس حق التعيين في هذه الحالة أن تقرر استمرار كف يده بعد إطلاق سراحه قضائياً.
وعندما يباشر العامل عمله بعد إلغاء كف يده الحكمي يصبح مستحقاً لرواتبه عن الفترة التالية لتلك المباشرة؛ أما الرواتب عن فترة التوقيف وكف اليد فتبقى معلقة إلى حين البت في أمره مسلكياً؛ أما إذا كان الموظف المكفوف يده حكمياً قد أخلي سبيله بكفالة، فليس بمقدوره أن يعود إلى مباشرة عمله بعد إخلاء سبيله إلا إذا صدر صك أصولي يتضمن إلغاء كف اليد الحكمي. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن عدم تبرئة العامل الموقوف جزائياً ينفي استحقاق الأجر عن مدة كف يده ولا تحتسب مدة كف اليد في عداد خدماته الفعلية وذلك مهما كان نوع أو مدة العقوبة المحكوم بها، والعكس صحيح.
وختاماً، وإيماناً منا بمبدأ سيادة القانون وضرورة خضوع الإدارة في كافة تصرفاتها القانونية والمادية لسلطان مبدأ المشروعية، وانسجاماً مع أحكام الدستور التي تمنع النص على عدم تحصن أي قرار إداري من الرقابة القضائية، فإننا نرجو من المشرّع فيما خلا حالة كف اليد الصادر عن المحكمة المسلكية، جواز الطعن فيه أمام القضاء بغية التحقق من مشروعيته، وأنه قام على أسس سليمة ومنعاً للتعسف في استعمال الحق من قبل السلطة التي تمارس حق التعيين أو أي سلطة أخرى تملك كف يد العامل، طالما أن الهدف هو الإصلاح الإداري لاسيما أن سيادة مبدأ المشروعية في أعمال الإدارة يكفل حماية المصلحة العامة، وفيه ضمان حقوق الأفراد وهي غاية المشرع وهدفه الأسمى من كل تدبير يجيزه أو يقرره.
القانونية أمل عبد الهادي مسعود
اترك تعليقاً