عقد بيع البناء على الخارطة وضماناته
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يشكل بيع الشقق السكنية على المخطط صيغة مستحدثة في القانون السوري, يلتزم البائع من خلالها بإنجاز بناء للمشتري مقابل ثمن تقديري يدفعه المشتري دفعة واحدة أو على أقساط تدفع في آجال يتفق عليها الطرفان؛ فالمشتري يعاين العقار على مخططات من الورق قبل وجوده على أرض الواقع. ولما كانت الممارسة الفعلية لهذه الصيغة أظهرت مخاطر عدة أهمها عمليات الاحتيال وتكرار البيوع مما حدى بالمشرّع السوري فيما مضى إلى إصدار قانون إعمار العرَصات رقم 14 لعام 1974، والذي ألغي لاحقاً بالمرسوم التشريعي رقم 82 لعام 2010 مما خلق حماية قانونية للمتعاقدين، وخاصة المشتري، تتمثل في النواحي التالية:
أولاً- انتقال الملكية: وهذا الالتزام يحتوي على مظهرين له:
1ـ نقل الملكية إلى المشتري:
فالمشتري في البيوع العقارية يهدف إلى أن يصبح هو مالكاً للشيء المبيع, ويستوي عنده أن يكون انتقال الملكية حالاً أو مؤجلاً. كما يستوي في ذلك أن تنتقل الملكية على دفعات وفقاً لمراحل التقدم في البناء؛ المهم أن يوجد انتقال حقيقي للملكية، خاصة وأن عمليات احتيال كثيرة جرت قبل صدور القانون رقم 14 لعام 1974، والمعدل بالقانون رقم 82 لعام 2010, حيث كانت بعض شركات المقاولة وبعض المقاولين يفتحون الاكتتاب على مشاريع سكنية ويحصلون على دفعات نقدية من المشترين، ثم يتبيّن بعد ذلك أنها مشاريع وهمية. وبموجب القانون الجديد يكون البائع ملزم بنقل ملكية المبيع إلى المشتري. ويسري على بيع العقار على المخطط أو قيد الإنشاء أحكام نقل الملكية العقارية الواردة في القانون المدني والقوانين الخاصة، وكذلك الأحكام المنصوص عليها في قانون إعمار العرَصات .
إن نقل ملكية العقار لاسم المشتري في السجل العقاري هو التزام ناتج عن عقد البيع المبرم مع المشتري. ويُسأل البائع أمام القضاء في حال عدم تنفيذ التزامه بنقل الملكية لاسم المشتري في السجل العقاري، غير أن طريقة انتقال ملكية عقار على المخطط أو قيد الإنشاء, وتاريخ انتقالها تخرج بهذا العقد عن الأحكام المعروفة في انتقال الملكية في البيع العادي للعقار؛ فالمشرّع ألزم البائع بتسجيل البيوع الواردة على البناء المرخص والمراد بناؤه في السجل المؤقت ـ سواء كان البيع على المخطط قبل الإنجاز أو قيد الإنجاز. واعتبر المشرّع السوري أن قيود السجل المؤقت توازي قوتها الثبوتية قيود السجل العقاري، وتكون مرحلة سابقة للتسجيل في السجل العقاري الدائم.
كما جاء في ذات القانون حكم جديد آخر يتعلق بنقل ملكية العقار ويكون المشتري مالكاً للعقار المبيع ابتداءً من تاريخ التسجيل في السجل المؤقت؛ حيث يكون هذا السجل المؤقت رديفاً في بياناته للسجل العقاري في مرحلة معينة من مراحل بناء العقار، ويخوّل المشتري التمتع بسلطات المالك؛ وطبقاً لهذا القانون يتم نقل ملكية العقار إلى المشتري على مرحلتين :
المرحلة الأولى: تنتقل ملكية العقار إلى المشتري ابتداءً من تاريخ تسجيل المسكن أو القسم المعين في العقد في السجل المؤقت, ويكون له حق التصرف المقيد فيه من دون أن يكون له الحق في التمتع بالانتفاع والاستعمال؛ فما ينتقل إليه هو ملكية الرقبة فقط.
المرحلة الثانية: والتي تبدأ منذ الانتهاء من إنجاز البناء والتوقيع على محضر التسليم حيث ينتقل إلى المشتري حق الملكية كاملاً بعناصرها “الاستعمال والاستغلال والتصرف”.
وبناءً على ما تقدّم، فإن انتقال الملكية يتم فور تسجيل عقد البيع المبرم بين البائع والمشتري لدى السجل المؤقت, ويخوّل صاحبه التمتع بحق مكتسب لا يمكن لأحد المساس به، بمجرد الانتهاء من التوقيع على محضر التسليم الذي يحرر أمام الموثق. وأجاز المشرّع للمشتري إنشاء حقوق تبعية على هذا الحق، وهو ما أثار عدة انتقادات من قبل فقهاء القانون؛ من حيث إنشاء حق الملكية على أشياء مستقبلية غير محددة بذاتها. لكن إعمال هذا الأثر القانوني مبني على افتراض توافر الشروط المقررة في قانون إعمار العرَصات، وعلى التزام البائع بالوفاء بالتزاماته على أحسن ما يرام وفي الوقت المحدد. وهو ما يوفر الحماية القانونية اللازمة للمشتري للإقدام على شراء العقار الذي لم يبنَ بعد, وبالتالي يصبح المشتري مالكاً للعقار على السجلات الرسمية ويتراخى التسليم لحين إتمام عملية البناء.
2- تحديد ثمن العقار المبيع:
يشكل الثمنُ في عقد البيع أحد الالتزامات الرئيسية للمشتري, وضمان دفع الثمن هو لمصلحة البائع، لكن الإشكال المطروح في عقد بيع العقار قبل الإنجاز هو كيفية تحديد الثمن لعقار لم يبنَ بعد؛ فإن تم تحديده مسبقاً ربما يطرأ تغييرات على أسعار مواد البناء فيما بعد، زيادة أو نقصاناً؛ فهل يتم تحديد الثمن بشكل نهائي وملزم للطرفين، أم يجوز مراجعته وقت استحقاقه؟ وإذا كان يجوز مراجعة الثمن، يجب أن يذكر في عقد البيع على المخطط كبيان أساسي السعر التقديري وكيفية مراجعته إن اقتضى الأمر، وكذلك شروط الدفع وشكلها, مع اشتراط قيام المشتري بالدفعات المقسطة تبعاً لمراحل تقدّم الأشغال.. وإن كانت طريقة المراجعة الدورية للثمن تصبح وسيلة لابتزاز المشتري كلما طالت مدة الإنجاز حيث يبتز فيها البائع الباني المشتري لزيادة الثمن مما يصبح مرهقاً للمشتري الذي يكون من ذوي الدخل المحدود.
ونجد أنّ المشرّع قد ترك مسألة المراجعة إلى اتفاق الطرفين، وكان من الأفضل الاشتراط على ألا يتجاوز مبلغ المراجعة نسبة معينة متفق عليها من الثمن التقديري القاعدي؛ فمن الضروري تحديد حد أقصى برقم مرصود لنسبة مراجعة ثمن العقار، وذلك تلافياً لرفع الثمن مستقبلاً بشكل فاحش بدعوى التضخم وارتفاع كلفة الإنجاز، لاسيما أنه لا توجد عناصر موضوعية يُحدد على ضوئها مقياس تذبذب الأسعار وارتفاعها وإن كان القانون المدني السوري في المادة 635 ينص على أنه:
“1ـ إذا أبرم عقد بمقتضى مقايسة على أساس الوحدة، وتبيّن في أثناء العمل أن من الضروري لتنفيذ التصميم المتفق عليه، مجاوزة المقايسة المقدرة مجاوزة محسوسة وجب على المقاول أن يخطر في الحال رب العمل بذلك، مبيناً مقدار مـا يتوقعه من زيادة في الثمن, فإن لم يفعل سقط حقه في استرداد ما جاوز به قيمة المقايسة؛
2- فإذا كانت المجاوزة التي يقتضيها تنفيذ التصميم جسيمة، جاز لرب العمـل أن يتحلل من العقد ويقف التنفيذ على أن يكون ذلك دون إبطاء، مع إيفاء المقاول قيمة ما أنجزه من الأعمال، وما أنفقه من المصروفات مقدرة وفقاً لشروط العقد، دون أن يعوضه عما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل”.
ثانياً- تشييد العقار وإتمامه في الآجال المتفق عليها:
إن تشييد العقار وإنجازه في الوقت المتفق عليه يشكل ضماناً حقيقياً للمشتري خاصة وأن محل البيع قد ظهر للوجود بعد أن كان مجرد رسمة على الورق, وهذا الالتزام يقسم إلى فرعين أيضاً هما 1- حسن الانجاز2 – الوقت المحدد لإتمام الإنجاز.
1- حسن الإنجاز:
نجد أن المشرّع السوري لم يقم بتفصيل هذا النوع من الضمان وأوجز كثيراً في تنظيمه؛ فهو لم يوليه العناية اللازمة التي يجب أن تفّصل باعتباره من الضمانات المهمة من جهة، والحديثة من جهة أخرى؛ فقد جاء في قانون إعمار العرَصات رقم 82 لعام 2010م في نص المادة الرابعة: “يجوز للأشخاص… أن يسلموا الأقسام المتعاقد عليها للمشترين مُنفّذاً فيها على الأقل الاكساءات الأساسية بعد الحصول من الجهة الإدارية على وثيقة تفيد بإنجاز البناء مستكمِلاً الاكساءات الأساسية، أو إجازة سكن وفق ما ينص عليه عقد البيع مع تنفيذ جميع الالتزامات المنصوص عليها في هذه المادة”.
إن الملاحظ على هذا النص أنه يتضمن حصول البائع على وثيقة من الجهات الإدارية تفيد بأنه استكمل الإكساءات الأساسية اللازمة لاستخدام العقار فيما أُعِّد له, وبالتالي ترك المشرع أحكاماً عديدة أخرى دون بيان؛ فلم يرد في النص ماهية الإكساءات التي يتوجب على البائع إنجازها، والتي تشكل موضوع ضمان للمشتري؛ لكن من جهة أخرى نجد أن المشرّع لم يترك هذا الموضع خاضعاً لإرادة البائع، وإنما ترك موضوع حسن إنجاز العقار لما أُعُّد لاستخدامه لطرف ثالث وهو الجهة الإدارية التي منحت الترخيص بالبناء, والتي تقرر فيما إذا كان العقار قد تم تشييده بشكل حسن، وأنه مطابق للمواصفات المتفق عليها، ولمعايير البناء المعتمدة في البلد، وموافق للمخططات الموضوعة لذلك.
2- مدة الإنجاز:
بالرجوع لقانون إعمار العرَصات نجد أنه أوجب على المتعاقدين أن تكون هناك مدة لإنجاز وتسليم العقار يتفق عليها الطرفان في عقد البيع, إلا أنه لا يشترط أن يُحدّد تاريخ الانتهاء على وجه الدقة, أي باليوم, وإنما يكفي أن يُحدد بصفة تقريبية, كأن يتحدد ببداية السنة أو نهايتها مثلاً، إلا أنه لم يرتّب أي جزاء جراء عدم ذكر المدة في العقد. وهنا نتساءل عن حكم عدم تحديد المدة, فمتى يتم إتمام البناء في حال عدم ذكر المدة؟!
إن المشرّع ترك تحديد المدة اللازمة لإنجاز وتسليم البناء لاتفاق البائع والمشتري لكن يجب أن تذكر في عقد البيع؛ فالبائع ملزم بإتمام إنجاز البناء وتسليمه في الأجل المتفق عليه في العقد، على ألا تتجاوز هذه المدة ثلاث سنوات من تاريخ الحصول على رخصة البناء من قبل الوحدة الإدارية؛ فقد نصت المادة الثامنة من القانون المذكور، أنه: “يترتب على مالكي العرَصات المحددة في المادة الثانية من هذا المرسوم التشريعي ما يلي: القيام بإشادة كامل المساحة الطابقية التي يسمح بها نظام البناء في المنطقة وإنجاز الأجزاء والمرافق المشتركة بصورة كاملة بما في ذلك الاكساءات الأساسية وفقا لما يلي:1 – خلال مدة ثلاث سنوات تلي تاريخ منح الرخصة بالنسبة للأبنية التي لا يزيد عدد طوابقها على الستة؛ 2- يضاف مدة أربعة أشهر عن كل طابق إضافي للأبنية التي يزيد عدد طوابقها على ستة طوابق على ألا تزيد مدة كامل الترخيص على خمس سنوات”.
وهنا لا بد من عدم الخلط بين الأجل المحدد للإنجاز والأجل المحدد للتسليم؛ فأجل الإنجاز تحددت مدته من خلال القانون, أما أجل التسليم فتُرك تحديد مدته لإرادة المتعاقدين, إلا أنه أوجب غرامة على البائع في حال تأخر في تسليم العقار إلى المشتري، وذلك وفقاً لنص المادة 14 من المرسوم التشريعي 82 لعام 2010.
ما نودّ قوله، إنّ المشرّع السوري أوجد نوعاً من الضمانات لمشتري العقار على المخطط، يوفر الحد الأدنى من الضمانات التعاقدية لأطراف العقد وبخاصة المشتري. ولكن حبذا لو أنه عزز هذه الضمانات ليصبح من العقود المسماة, وتحديد حد أقصى برقم مرصود لنسبة مراجعة ثمن العقار المبيع التقديري المذكور في العقد، وذلك تلافياً لرفع الثمن مستقبلاً. وحبذا أيضاً، لو ضبط طريقة دفع الثمن لاسيما تاريخ استحقاق الدفعة الأخيرة منه، وضرورة إجراء التسليم والتسلم بمحضر رسمي يحرره الموثق.
اترك تعليقاً