التزام المعلوماتيين بكشف معلوماتهم في جرائـم المعلوماتية في القانـون السـوري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يقصد بالشاهد في جرائم المعلوماتية : الفني صاحب الخبرة والتخصص في تقنية المعلومات وعلوم الحاسب، الذي تكون لديه معلومات جوهرية لازمة لولوج نظام المعالجة الآلية للبيانات إذا كانت مصلحة التحقيق تقتضي التنقيب عن أدلة الجريمة داخله.
والشاهد المعلوماتي بهذا المفهوم يشمل عدة طوائف من أهمها (ما خلا المشتبه به)؛ مشغلو الحاسب، وخبراء البرمجة، والمحللون، ومهندسو الصيانة، والاتصالات، ومديرو النظم.. وهم الذين يوكل إليهم أعمال الإدارة في النظم المعلوماتية. وثمة سؤال يطرح نفسه عند التحري عن جريمة معلوماتية؛ هل يوجد التزام قانوني يفرض عليهم طباعة ملفات البيانات المخزنة في ذاكرة الحاسب أو الإفصاح عن كلمات المرور السرية أو الكشف عن الشفرات المدونة بها الأوامر الخاصة بتنفيذ البرامج؟ بعبارة أخرى؛ هل التزام هؤلاء بتأدية الشهادة يشمل التعاون الفعال المتمثل في القيام بطباعة الملفات والإفصاح عن كلمات المرور و الشفرات؟ أم أن هذا الالتزام يزيد عن نطاق الشهادة؟
إن جوهر الالتزام بالإعلام في الجرائم المعلوماتية يتجلى بأن الشاهد المعلوماتي الحائز لمعلومات جوهرية لازمة لاختراق نظام المعالجة الآلية للبيانات بحثاً عن أدلة للجريمة تتطلبها مصلحة التحقيق، يكون مطالباً بأن يُعلم بها سلطات التحقيق على سبيل الالزام، وإلا تعرّض للعقوبات المقررة للامتناع عن الشهادة، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له القانون فيها ذلك.
وقد يبدو غريباً للوهلة الأولى طرح هذا السؤال، وأن نطلب من المهنيين والحرفيين ومستخدمي أجهزة الحاسب الاعلام عن المعلومات والبيانات الجوهرية التي في حوزتهم حتى يتسنى للسلطات التحقيق والتحري وأداء المهام المناطة بها في محيط الجرائم المعلوماتية، دون وجود نص قانوني صريح يفرض مثل هذا الالتزام؛ إذ أن الفرد لا يلزم في مثل هذه الحالة إلا بمقتضى نص في القانون يطالبه بتقديم هذه المعلومات، لاسيما وأن هذا الالتزام مستقل في مواجهة غيره من الالتزامات التقليدية للشهادة التي يمكن أن يتجشم بها الشاهد؛ إذ يمثل هذا الالتزام واجباً جديداً مفروضاً بواسطة القانون، لا سيما على بعض الفنيين والحرفيين من شهود أو مستخدمي الحواسب الآلية، بتقديم المعلومات الجوهرية التي تتصل بموضوع النظام المعلوماتي. وخاصية الاستقلال فيه تتسم بتفرده عن غيره من الالتزامات التي تقترب منه أو تتشابه معه؛
فهو التزام وقائي؛ إذ يترتب على مراعاة هذا الالتزام والأخذ به، تجنب ضبط شبكات الحاسب الآلي، وبالأخص الكبيرة والممتدة؛ فمن الملاحظ أن الشكوى تثور في الحالات التي تكون فيها البيانات مخزنة في وحدة معالجة مركزية في حاسب ضمن شبكة معلوماتية ممتدة؛ ففي هذه الحالة لا يعدّ شرعياً ضبط النظام الشبكي بأكمله وعزله عن البيئة المعلوماتية المحيطة به، طبقاً لمبدأ التناسب لما فيه من مساس بحقوق الغير في النظام محل الضبط.
وهكذا يلعب الالتزام بالإعلام في الجرائم المعلوماتية دوراً وقائياً، بحيث لا تسبب إجراءات التحقيق سوى الحد الأدنى من إعاقة الأنشطة القانونية للفرد؛ وبذلك تتجلى الحكمة المتوخاة من المناداة بالتزام الإعلام في جرائم المعلوماتية، وذلك في؛
أولاً، تحقيق مبدأ التوازن في المعلومات الجوهرية المتصلة بالنظم المعلوماتية بين شهود ومستخدمي الحاسبات الآلية وسلطات التحقيق والتحري؛
ثانياً، تحقيق روح التعاون والتضامن بين المتعاملين في بيئة التكنولوجيا والمعلومات؛
ثالثاً، تدارك أوجه القصور والعجز الذي يعتري الوسائل التقليدية، ومنها الشهادة التي تعد من أدلة الاثبات الجنائي ذات الأهمية البالغة في هذا السياق. ولكن هل من واجب الشاهد ـ وفقاً للالتزامات التقليدية للشهادة ـ طباعة ملفات البيانات المخزنة في ذاكرة الحاسب أو الإفصاح عن كلمات المرور السرية أو الكشف عن الشفرات المدونة بها الأوامر الخاصة بتنفيذ البرامج؟
اختلف الفقه المقارن في الإجابة عن هذا السؤال بين مؤيد ومعارض ويمكن بلورة هذا الخلاف في اتجاهين رئيسين:
الاتجاه الأول: يذهب القائلون به إلى أنه ليس من واجب الشاهد وفقاً للالتزامات التقليدية للشهادة أن يقوم بطباعة ملفات البيانات المخزنة في ذاكرة الحاسب أو الإفصاح عن كلمات المرور السرية أو الكشف عن الشفرات المدونة بها الأوامر الخاصة بتنفيذ البرامج؛ إذ لا يمكن إجبار الشاهد على التعاون في كل ما يعرفه. وتعاون الشاهد هنا أقرب إلى الخبرة منه إلى الشهادة، وهذا رأي الفقه الألماني.
الاتجاه الثاني: يرى أنصاره أن من الالتزامات التي يتجشم بها الشاهد القيام بطباعة ملفات البيانات المخزنة في ذاكرة الحاسب أو الإفصاح عن كلمات المرور السرية أو الكشف عن الشفرات المدونة بها الأوامر الخاصة بتنفيذ البرامج؛ ففي فرنسا يرى بعض الفقهاء أنه طالما أن المشرع لم ينظم هذه المسألة، وبالتالي لا مناص من تطبيق القواعد العامة في الشهادة. وعلى ذلك فإن الشهود الذين يقع على عاتقهم الالتزام بالشهادة يكونوا مكلفين بالكشف عن كلمات المرور السرية التي يعرفونها وشفرات تشغيل البرامج، ما عدا حالات المحافظة على السرية؛ فإنهم في حل من الالتزام بأداء الشهادة.
وإذا كان القانون السوري نص في المادة 17 من المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012 أنه: “يعاقب بالحبس من ثلاث أشهر إلى سنتين، والغرامة من مئة ألف ليرة إلى خمسمائة ألف ليرة سورية كل من أعاق أو منع قصداً بأي وسيلة كانت الدخول إلى منظومة معلوماتية أو الشبكة أو عطلها أو أوقفها عن العمل أو أعاق أو منع قصداً بأي وسيلة كانت الوصول إلى الخدمات أو البرامج أو المواقع الالكترونية أو مصادر البيانات أو المعلومات المخزنة عليها”.
وإذا كانت المادة 26 من ذات المرسوم نصت على أن: “على كل صاحب أو مدير أي منظومة معلوماتية تُرتكب جريمة معلوماتية باستخدام منظومته أن يتيح للضابطة العدلية تفتيش وضبط البيانات والمعلومات والبرمجيات الحاسوبية والحصول على نسخة منها، ويمكن في حالات الضرورة ضبط الأجهزة والبرمجيات الحاسوبية المستخدمة أو جزءاً من مكوناتها، ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف ليرة سورية إلى خمسمائة ألف كل من يخالف هذه المادة”.
وعليه، هل تسمح هذه النصوص بالقول بوجود التزام بالإعلام في الجرائم المعلوماتية في القانون السوري؟
قد يتوهم البعض أن هذه النصوص تسمح بالقول بوجود مثل هذا الالتزام، وتسمح بإلزام الشاهد المعلوماتي بالإدلاء بمعلوماته، لكن هذا الظن سرعان ما يتبين خطأه؛ إذ أن الالتزام بالإعلام أو الالتزام بأداء الشهادة لا يشمل أو يتضمن التعاون الفعال بطباعة ملفات البيانات المخزنة في ذاكرة الحاسب أو الإفصاح عن كلمات المرور السرية أو الكشف عن الشفرات المدونة بها الأوامر الخاصة بتنفيذ البرامج؛ فهذا الالتزام يزيد عن نطاق الشهادة وأقرب إلى الخبرة المعلوماتية.
فالمشرّع عاقب من أعاق أو عطّل الوصول إلى الشبكة أو البرمجيات، وألزم مدير المنظومة المعلوماتية التي ترتكب الجريمة باستخدام منظومته أن يسمح بالضبط والتفتيش، وأغفل ذكر الالتزام بالإعلام في الجرائم المعلوماتية بالنسبة للأشخاص الذين تكون لديهم معلومات ممن لم يرد ذكرهم في النص. ومثال ذلك أب يعلم كلمة السر للحاسب أو المنظومة المعلوماتية العائدة لابنه المتهم بجريمة معلوماتية؛ فهل نستطيع إجبار ذلك الأب على الإدلاء بمعلوماته أو خبرته ضد ابنه دون نص قانوني صريح يلزمه بذلك؟!
إن هذه الفرضية وأمثالها تدفعنا إلى المطالبة بضرورة تدخل المشرّع على النحو الذي يقرّ فيه مبدأ الالتزام بالإعلام في الجرائم المعلوماتية. ولا شك أن وجود مثل هذا النص سوف يساعد العدالة في الكشف عن الجرائم، وتكون فيه الإجراءات المتخذة في ضبط الجريمة والتحري عنها أكثر موثوقية واتفاقاً مع الشرعية الإجرائية. والحقيقة، فقد كانت هذه النقطة مدار بحث في المؤتمر الدولي الخامس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات الذي عقد في البرازيل عام 1994.
اترك تعليقاً