عبء الإثبات
إن القاعدة السائدة في المسائل المدنية هي المساواة المطلقة بين طرفي الخصومة بمعنى انهما يتقاسما عبء الإثبات فيما بينهما بذات الوسائل المرسومة في القانون بينما القاضي يلتزم الحياد بين الطرفين فلا يتدخل القاضي لإثبات الحقيقة إلا بصفة استثنائية وذلك في المسائل المتعلقة بالنظام العام .
غير انه في القانون الجنائي فالأمر مختلف فقاعدة ان الاصل البراءة يعطى ذاتية خاصة للاثبات الجنائي لما كان الاصل في كل انسان البراءة سواء من الجريمة او من الالتزام فان من يدعي على خلاف هذا الاصل فعلية ان يثبت ادعاءة .وعلى ذلك يتعين على سلطة الاتهام او المدعي المدني اثبات توافر جميع أركان الجريمة وفي هذا بعض التشابه بين الدعوى الجنائية والدعوى المدنية غير أنه يثور البحث حول من يتحمل عبء الاثبات هل هو المتهم أم سلطة الإتهام؟
اثبات الجريمة:
في المواد الجنائية يقع عبء الإثبات على عاتق المدعى وهو سلطة الإتهام وبالتبعية على المدعى المدني قبجب عليه اثبات عناصر الجريمة وتحقق الضرر ورابطة السببية التي تربط هذا الضرر بسلوك المتهم وهنا عليه اثبات العناصر المكونة للجريمة فيجب جمع عناصر الاثبات التي في صالح المتهم إذا ظهرت لها وتقدمها للقضاء لأنها بإعتبارها نائبة عن المجتمع يهمهما اثبات براءة البرئ ، كما يهمها اثبات ادانة المدان.
وهكذا يجب على النيابة أن تثبت كل العناصر المكونة للجريمة سواء كانت هذه العناصر عامة أو خاصة كما يجب عليها أن تهدم كل عناصر قرينة البراءة .
أ- بالنسبة لإثبات الركن المادي:
أن سلطة الإتهام والمدعي المدني على كل منهما اثبات هنا الركن أيا ما كانت طبيعة الجريمة والمدعى المدني عليه فوق ذلك اثبات وجود الضرر ويجب على سلطة الاتهام اثبات أي عنصر يتوقف على تخلفه عدم قيام الجريمة فعليها اثبات كل العناصر المادية والسلبية حتى ولو كانت غير محددة طالما لم يوجد نص مخالف.
وإذا كان الاتهام بجريمة شروع فيها فإنه يجب على سلطة الاتهام بيان البدء في التنفيذ والذي يتميز به الشروع عن المراحل السابقة للإعداد للجريمة.
كذلك في حالة الاشتراك فإنه على سلطة الإتهام أن تثبت الواقعة الرئيسية المكون للجريمة والقصد الجنائي وأحد أفعال الإشتراك المنصوص عليها قانوناً.
ب-بالنسبة لإثبات الركن المعنوي:
لا يكفي لإدانة المتهم مجرد اثبات الفعل والإمتناع من جانبه إنما يجب بالإضافة إلى ذلك اثبات أن هذا الفعل أو الإمتناع كان بمحض ارادته أي ارتكبه عمداً أو قصد فالعمد أو القصد يعني العلم بإرتكاب فعلا اجرامياً وارادة ارتكاب هذا الفعل وهذا القصد يوصف بأنه قصد عام ويقع على عاتق سلطة الاتهام اثباته.
وفي بعض الجرائم يتطلب القانون نوعاً خاصاً من القصد ومن أمثلة ذلك نية ازهاق لروح في القتل العمد ، ونية التملك في جريمة السرقة ففي هذين الغرضين وفي كل الجرائم ذات النتائج ينبغي على سلطة الاتهام أن تثبت أن الجاني كان يريد الوصول إلى نتيجة اجرامية محددة بنص القانون .
والعنصر المعنوي لا يقتصر فقط على حالة الجريمة التامة بل يكون واجباً ايضا في حالة مجرد الشروع وفي هذا الغرض الأخير فإن عبء الاثبات للقصد الجنائي على عاتق سلطة الاتهام.
كذلك في حالة الاشتراك فإنه يجب يجب توافر القصد الجنائي والذي يتمثل في إرادة أو نية المشاركة في تحقيق الجريمة المرتكبة ولذا يقع على عاتق سلطة الاتهام أثبات أن الشريك قصد الاشتراك في الجريمة وهو عالم بها وأن تثبت ايضا ان هذا الشريك مع علمه بالواقعة قد ساعد في الاعمال المجهزة او المسهلة لارتكاب جريمة محددة في الواقع بحيث لا يتحقق الاشتراك إذا ارتكب الفاعل جريمة مختلفة تماماً عن تلك التي قصدها الشريك أما بالنسبة للباعث فإنه شئ متميز عن القصد الجنائي وبالتالي فإنه لا يؤثر على العقاب ولا تلتزم سلطة الاتهام باثباته.
وإذا كانت الجريمة غير عمدية فإنه يجب على سلطة الاتهام اثبات خطأ المتهم وهذا الخطأ قد يكون بسبب عدم التبصر أو الإهمال أو عدم مراعاة اللوائح وفيما يتعلق بخطأ عدم التحرز أو الإهمال فيجب على سلطة الإتهام أن تثبت الخطأ حسب الأوصاف المنصوص عليها في النص فعلى النيابة العامة أن تثبت ليس فقط الخطأ الذي ارتكبه المتهم بل أن تثبت ايضا النتيجة الضارة التي نجمت عن خطئة أما في حالة الخطأ في عدم مراعاة اللوائح فإن سلطة الإتهام لا يقع عليها اثبات عدم التحرز أو الإهمال بل يكفي أن تثبت أن اللائحة قد خالفها المتهم وأن هناك علاقة سببية بين مخالفة هذه اللائحة وتحقيق الضرر.
2- عبء اثبات ظروف الجريمة:
أ- الظروف التي تغير من وصف الجريمة أو من طبيعتها:
مثالها جريمة السرقة بإكراه.
فإنه ينبغي اثبات وجود أكراه مادي موجه إلى إنسان ويكون معاصراً لارتكاب السرقة أي من وقت الشروع فيها حتى تمامها وأن يكون هناك ارتباط بين الإكراه والسرقة أي أن تقوم بين الإثنين علاقة سببية فلا إكراه إذا انتفت هذه العلاقة ولو كانا متعاصرين ويكفي اثبات الإكراه بالنسبة لمن صدرت منه هذه الأفعال حتى يتعدى أثرها للمساهمين معه في أرتكاب الجريمة سواء أكان هؤلاء فاعلين أو مجرد شركاء أو سواء علموا بها أو لم يعلموا ذلك لأن الإكراه ظرف عيني يستنبع التشديد على جميع من قارف السرقة.
أما إذا وقعت السرقة ليلاً فعلى سلطة الإتهام أن تحدد الوقت الذي وقعت فيه الجريمة وما إذا كان هذا الوقت يقع في الفترة ما بين غروب الشمس وشروقها.
ب- الظروف التي تغير مقدار العقوبة:
وهي التي تغير العقوبة بالتشديد أو التخفيف أو الاعفاء مع بقاء الجريمة على وصفها فإذا تعلق الأمر بتشديد العقاب كما هو الحال في ظرف العود فإن على سلطة الإتهام أن تثبت حالة العود بمقتضى صحيفة الحالة الجنائية.
3- عبء اثبات الشروط المفترضة للجريمة:
قد يتطلب القانون بجانب عنصر الجريمة بعض الشروط الأخرى التي يلزم توافرها لأمكان القول بقيام الجريمة فمثلاً يشترط في جريمة خيانة الأمانة بجانب ركن الإختلاس والتبديد يكون سبق استلام الجاني المال بناء على عقد من عقود الأمانة.
وإذا كان الأصل أن الإثبات الجنائي يخضع لمطلق تقدير القاضي إلا أن مجال هذا الاصل ينحصر في اثبات اركان الجريمة لا شرطها المفترض فهذا الشرط يخضع لحكم القانون الذي ينظمة.
فالقاضي الجنائي في اثباته للشروط المفترضه للجريمة التي تستمد مصدرها من عمل قانوني يكون مقيداً بطرق الاثبات المقررة لاثبات هذا العمل وفيما عدا ذلك يجري اثباته بكل الطرق وفقا لمبدأ حرية الاثبات وإذا كان العمل القانوني ركنا في الجريمة فإنه يصبح مسألة جنائية تخضع لمبدأ حرية القاضي في الاقتناع وبالتالي يجوز اثباته بكافة طرق الاثبات .
4- عبء اثبات طرق الدفاع:
إذا دفع المتهم بتوافر سبب من أسباب الإباحة كالدفاع الشرعي أو مانع من موانع المسؤلية كالإكراه أو سبب من أسباب انقضاء الدعوى الجنائية كالتقادم فمن الذي يتحمل عبء الاثبات؟
استقر قضاء النقض على أنه يكفي بالنسبة للمتهم أن يتمسك بالدفع الذي يواجه به المتهم دون أن يكون ملزماً بإثبات صحته وعلى النيابة والمحكمة التحقق من صحة هذا الدفع وإذا لم يتمسك المتهم بمثل هذا الدفع أمام المحكمة لم يخل ذلك دون واجب هذه المحكمة في التحقيق من انتفائها قبل أن تقضي بالإدانة.
وأساس ذلك أن سلطة الإتهام أقدر من المتهم من حيث المكنات والصلاحيات التي يملكها وبالتالي فهي أقدر منه على أن تكشف للقاضي الحقيقة كما أن القضاة يفرض عليهم القانون أن يتحروا الحقيقة بأنفسهم طبقاً لمبدأ حرية الإثبات ولذا يجب عليهم أن يحلوا محل المتهم في استظهار وسائل الدفاع أن لم يقدر المتهم على ذلك.
غير أن هناك حالات استثنائية معينة يلغي عبء نفي الاتهام على عاتق المتهم ومثال ذلك المحاضر فالمشرع في بعض الحالات يسبغ حماية وحجية مطلقة على المحضر بحيث لا يجوز للمتهم اثبات عكس ما ورد فيه إلا عن طريق النعي بالتزوير.
كما يوجد عدد من الحالات يفترض فيها القانون وجود العنصر المعنوي للجريمة ومثالها الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا طبقا للمادة (276) عقوبات مثل وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم فتتحقق الجريمة بمجرد وجود الشخص في حجره نوم الزوجة بدون مسوغ مشروع.
كما يوجد عدد من الحالات يفترض فيها القانون وجود العنصر المعنوي ومثالها افتراض العلم بالغش أو الفساد إذا كان المخالف من المستغلين بالتجارة وعليه اثبات عدم علمه طبقا لنص المادة الثامنة من القانون رقم(48) لسنة 1941م بشأن قمع الغش كما يوجد عدد من الحالات يفترض وجود العنصر بواسطة القضاء ومن تطبيقاتها افتراض علم الشريك في الزنا بزواج من زنى بها وافتراض علم المتهم بجريمة هتك العرض بدون قوة أو تهديد فقد استقر القضاء على أن النيابة العامة لا تحمل عبء اثبات علم المتهم بهذه الأمور ولا تقبل من المتهم الدفع بجهلة بل يتعين عليه أن يثبت هذا الجهل راجعا إلى قوة قهرية أو ظروف استثنائية وأنه لم يكن في مقدورة ايضا بحال أن يقف على الحقيقة.
د” عبدالحميد الشواربي صـ 40-44 الاثبات الجنائي في ضوء القضاء والفقه – النطرية والتطبيق.
مناقشة الدليل:
تعني قاعدة وجوب مناقشة الدليل في المواد الجنائية أن القاضي لا يمكن أن يؤسس اقتناعه إلا على عناصر الاثبات التي طرحت في جلسات المحاكمة وخضعت لحرية مناقشة أطراف الدعوى وفي هذا تنص المادة (2-3) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه لا يجوز للقاضي أن يبني حكمه على أي دليل لم يطرح أمامه في الجلسة.
فعلى القاضي أذن أن يطرح للمناقشة كل دليل قدم فيها حتى يكون الخصوم على بنية مما تقدم ضدهم من أدلة ومن ثم يبطل الحكم إذا كان مبناه دليلاً لم يطرح للمناقشة أو لم تتح للخصوم فرصة ابداء الرأي فيه ومن باب أولى إذا لم يعلموا به أصلاً .
ويترتب على ذلك أن القاضي الجنائي ليس ملزماً بتسبيب طرحه لبعض الأدلة أو الأخذ ييعضها الآخر فهو حر في اقتناعه بالدليل الذي يراه طالما تحقق فيه شرط ثبوته بالاوراق وطرحه بالجلسة ليتمكن الخصوم من مناقشته بل للقاضي أن يستعين في اقتناعه بالقرائن التي تعزز الأدلة وتساندها طالما أن هذه الأدلة لها اصل بالاوراق وطرحت بالجلسة.
وقاعدة وجوب مناقشة الدليل تعتبر ضمانة هامة وأكيدة للعدالة حتى لا يحكم القاضي الجنائي من معلوماته الشخصية أو بناء على رأي الغير.
1- عدم جواز قضاء القاضي بناء على معلوماته الشخصية :
فلا يسوغ للقاضي أن يحكم بناء على معلوماته الشخصية في الدعوى أو على ما رآه بنفسه أو حققه في غير مجلس القضاء وبدون حضور الخصوم ذلك أن هذه المعلومات لم تعرض في الجلسة ولم تتح مناقشتها وتقييمها ومن ثم يكون الاعتماد عليها مناقضا لقاعدة الشفوية والمواجهة التي تسود مرحلة المحاكمة.
لذلك يجدر بالقاضي الذي توافرت لديه معلومات خاصة في الدعوى أن يتنحى عن نظرها وابداء أقواله كشاهد فحسب حتى يتمكن الخصوم من مناقشتها بحرية ويبتعد هو عن الدعوى خشية تأثره بمعلوماته ولو لم يكن لهذا التأثير من صدى ظاهر في اسباب حكمه.
أما المعلومات العامة عن الأشياء بصفة عامة فغير محظور الحكم بمقتضاها إذ أن هذه المعلومات يفترض في كل شخص الإلمام بها ، كما إذا بني حكمه على أن الحادث وقع في ليلة توافق آخر الشهر القمري وأن الرؤية تتعذر فيها حيث يسود الظلام والقاعدة سالفة الذكر لا يجب أن تتعارض مع حرية القاضي في الاثبات ولذلك من واجب القاضي البحث لكن بشروط أن يكون في نطاق اجراءات الدعوى,.
2- عدم جواز قضاء القاضي بناء على رأي الغير:
يجب على القاضي أن يستمد الاقتناع من مصادر يستقيها بنفسه من التحقيق في الدعوى وتطبيق لذلك لا يجوز أن يحيل الحكم في شأن وقائع الدعوى ومستنداتها إلى دعوى أخرى غير مطروحة أو تعتمد المحكمة على أدلة وقائع استقتها من أوراق قضية أخرى لم تعرض أثناء مناقشة الدعوى التي تنظرها للفصل فيها ولا مطروحة على بساط البحث بالجلسة تحت نظر الخصوم.
غير أن ذلك لا يعني حرمان القاضي بصفة مطلقة من الأخذ برأي الغير متى اقتنع هو به بل يتعين عليه في هذه الحالة أن يبين أسباب اقتناعه بهذا الرأي بإعتباره من الأدلة المقدمة إليه في الدعوى المطلوب منه أن يفصل فيها.
3- قرينة البراءة:
قرينة البراءة تعني افتراض براءة كل فرد مهما كان وزن الأدلة أو قوة الشكوك التي تحوم حوله أو تحيط به فهو برئ هكذا ينبغي أن يعامل وهكذا ينبغي أن يصنف طالما أن مسؤليته لم تثبت بمقتضى حكم صحيح نهائي صادر من القضاء المختص وهذه القرينة ضمانة هامة من ضمانات الحرية الشخصية للفرد ضد عسف السلطة من جهة وضد انتقام المجني عليه وهي ضمانة مطلقة يستفيد منها المتهم سواءاً كان مبتدئاً أم كان عائداً ويستفيد منها المتهم مهما كانت جسامة الجريمة المسندة إليه وعلى امتداد المراحل التي تمر بها الدعوى الجنائية منذ حامت حوله الشبهات المقضي فيه.
فإذا ما صدر الحكم النهائي بالإدانة وحاز هذا الحكم حجية الشئ المقضي فيه انقلبت قرينة البراءة التي كان المتهم يعتصم بها في مختلف المراحل التي مرت بها الدعوى حتى صدور الحكم الحائز لحجية الشئ المقضي فيه إلى قرينة ضده.
وقرينة البراءة لا تعود بعد أن سقطت إذا ما طعن في الحكم بطريق إعادة النظر وبالتالي فإن المحكوم عليه الذي تقرر إعادة نظر دعواه يتحمل وحده عبء تقديم الدليل القاطع على براءته لان المحكوم عليه اثناء اعادة نظر دعواه عند قبول الطعن بإعادة النظر لا تفترض براءته بل تفترض على العكس مسؤليته .
وافتراض البراءة في المتهم إلى أن يصدر حكم نهائي بإدانته هي قرينة قانونية بسيطة أي تقبل اثبات العكس.
وافتراض براءة المتهم تعزز الكثير من الاعتبارات العملية ، فحماية الحرية الشخصية للفرد وحماية أمنه الشخصي نفرض أن يكون تعامل السلطة معه قائماً على أساس براءته لأن التعامل على أساس آخر سوف يكون عدواناً على حريات الفرد ومقدساته.
وافتراض براءة المتهم هو الضمانة الأولى التي تقي الفرد من مخاطر الإتهام ويترتب على قرينة البراءة عدم جواز الطعن بطريق اعادة النظر في الحكم الحائز لحجية الشئ المقضي فيه.
كما يترتب على قرينة البراءة وجوب الإفراج في الحال عن المتهم المحبوس احتياطياً إذ كان الحكم صادر بالبراءة أو بعقوبة أخرى لا يقتضي تنفيذها الحبس أو إذا أمر في الحكم بوقف تنفيذ العقوبة أو إذا كان المتهم قد قضى في الحبس الاحتياطي مدة العقوبة المحكوم عليه بها أو كان مطلق السراح قبل صدور الحكم الإبتدائي عليه بالإدانة أو مطلق السراح مؤقتا خلال الميعاد المقرر للطعن وأثناء نظره وذلك في الحدود التي يوجب فيها القانون وقف تنفيذ الحكم حتى يصبح نهائيا.
وإذا كان مضمون قرينة البراءة هو أفتراض البراءة في المتهم فإن ذلك معناه أن هذه القرينة هي التي تحكم أو ينبغي أن تحكم الاثبات في المواد الجنائية فالمتهم لا يكون ملزماً بإثبات البراءة لأن ذلك أمر مفترض فيه وإنما تلتزم النيابة العامة بإعتبارها ممثلة الاتهام بإثبات الجريمة ونسبتها إلى المتهم فإذا كان الدليل الذي قدم قاصراً أو غير كاف وجب القضاء ببراءة المتهم لأن الشك ينبغي أن يفسر لصالحه.
وافتراض البراءة في المتهم إلى أن تثبت مسؤليته بمقتضى حكم صحيح ونهائي صادر عن القضاء المختص تفرض معاملة المتهم خلال مراحل الإجراءات معاملة الابرياء وبالتالي لا يجوز منطقياً سلب حريته أو تقييدها أثناء المراحل التي تمر بها الدعوى الجنائية إلى أن يصدر حكم نهائي بإدانته وإذا كان لرجال الضبط القضائي اتخاذ بعض الاجراءات التحفظية كإجراء القبض أو الحبس الاحتياطي فينبغي أن يكون تقرير تلك الإجراءات استثناء وأن يكون محاطاً من حيث نطاقه وشروطه وصفة القائم به وطريقة تنفيذه بكافة الضمانات التي تكفل حصراً في اضيق نطاق ممكن.
4- الشك يفسر لصالح المتهم:
عندما لا يطمئن القاضي لثبوت التهمة أو لثبوت نسبتها إلى المتهم أو عندما تكون الأدلة المقدمة ضده غير كافية يكون القاضي الجنائي ملزماً بإصدار حكمه ببراءة المتهم وهو ما يعبر عنه بأن الشك لصالح المتهم.
وهذه القاعدة هي أحدى نتائج قرينة البراءة.
وقد أستقر قضاء النقض على أن الأحكام في المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال فإذا كانت المحكمة لم تنته من الأدلة التي ذكرتها إلى الجزم بوقوع الجريمة من المتهم بل رجحت وقوعها منه فحكمها بإدانته يكون خطئاً واجباً نقضه وأنه يكفي لسلامة اقتناع القاضي ببراءة المتهم .
التشكك في صحة اسناد التهمة للمتهم.
والشك الذي يمكن أن يقوم في عقيدة القاضي في عملية التقدير القانوني التي يبذلها لاصدار الحكم الجنائي يمكن أن يكون محله أمورا عديدة لكن الشك الوحيد الذي يلزم القاضي الجنائي بإصدار الحكم ببراءة المتهم هو الشك الذي محله الوقائع التي تأسس عليها المسؤلية الجنائية.
فإذا كان الشك متعلقاً بمسألة من مسائل القانون فلا أثر ولا تأثير على مبدأ المسؤلية الجنائية سواء أكان هذا الشك متعلقاً بالمتهم أو القاضي فلا يقبل الاعتذار بالجهل بالقانون ولا يقبل القول بوجود غموض أو شك احاط بمضمون النص للقضاء بالبراءة أما إذا كان الشك قد تعلق بمسألة واقع فإن هذا الشك ينبغي تفسيره في المعنى الذي يكون في مصلحة المتهم يستوي أن يكون الشك موضوعيا وهو الشك الذي يوجد عندنا يتأرجح مضمون الدليل بين معنيين متناقضين أو أن يكون هذا الشك شخصياً مصدره عدم الاطمئنان بصدق الدليل .
ويترتب على تطبيق الشك يفسر لصالح المتهم هو القضاء ببراءة المتهم لأن وجود هذا الشك معناه أن اقتناع القاضي يتأرجح بين ثبوت التهمة .
ومسؤلية المتهم عنها وبين عدم ثبوتها ويكون لهذا الحكم قوة الشئ المقضي به أمام المحاكم المدنية.
وقاعدة الشك يفسر لصالح المتهم تقف قيداً في مواجهة حرية القاضي في الاثبات لتقييم التوازن الدقيق في مجال تقدير الأدلة.
وتتجه محكمة النقض إلى أنه ينبغي لسلامة اقتناع القاضي ببراءة المتهم لتشكك في صحة اسناد التهمة للمتهم وهو بالتالي غير ملزم بالرد على أي دليل من أدلة الثبوت مادام قد داخله الريب والشك في عناصر الاثبات على اساس ان اغفال التحدث عن تلك الأدلة يفيد ضمناً اطراحها بشرط أن تورد في حكمها بالبراءة مما يدل على أنها واجهت عناصر الدعوى والمت بها على نحو يفصح عن انها فطنت اليها ووزنت بينها عن بصر وبصيرة لأن التهمة لا تدفع بغلبة الظن في مقام اليقين .
المسؤلية الجنائية في قانون العقوبات والاجراءات الجنائية / مستشار عزالدين الدناصوري ، د/ عبدالحميد الشواربي. صـ 867-871.
المحامي اليمني أمين حفظ الله الربيعي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً