ما المقصود بالهدنة في القانون الدولي

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

أعلنت مجموعة دعم سورية التي اجتمعت في مدينة ميونيخ الألمانية عن هدنة مؤقتة لوقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وما سمّي بالفصائل المسلحة كخطوة في إطار الحل السلمي للأزمة السورية، على أن لا تشمل هذه الهدنة تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” والفصائل الإرهابية المرتبطة بها. فما هو المقصود بهذا الإجراء في القانون الدولي وما هي أحكامه وشروطه والنتائج التي تترتب عليه؟

الهدنة حسب تعريف فقهاء القانون الدولي العام هي: “وقف العمليات الحربية بين طرفي القتال بناء على اتفاق المتحاربين”، وهي إجراء ذو طابع سياسي بجانب صفته العسكرية، يلجأ إليه المتحاربون عادة كتوطئة لعقد الصلح. لذلك فالذي يملك عقد الهدنة هي حكومات الدول المتحاربة ذاتها وليس رؤساء القوات المتقاتلة الذين يملكون بحسب قواعد القانون الدولي فقط وقف القتال المؤقت، ويتولى الكلام في شأن الهدنة وفي تحديد شروطها ممثلين عن الطرفين يعينون خصيصاً لذلك، ولا تصبح الهدنة ملزمة إلا إذا أقرتها حكومات الدول الأطراف فيها.

والهدنة قد تكون عامة تشمل وقف جميع العمليات الحربية بين طرفي الحرب في جميع الميادين، وقد تكون محلية قاصرة على مناطق معينة كما هو الحال في الهدنة السورية اليوم؛ فهي محلية قاصرة على المناطق التي لا توجد فيها تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” والفصائل الإرهابية الأخرى. وعادةً يحدد للهدنة أجل تنتهي بانقضائه ويكون لكل من الفريقين العودة للقتال إن لم يتفقا على الصلح. فإذا لم يحدد أجل للهدنة، كان لكل من طرفيها استئناف القتال في أي وقت على أن يخطر الطرف الآخر في الموعد الذي يكون متفقاً عليه لذلك في شروط الهدنة.

وعلى كل من الفريقين أن يبلغ قواته خبر الهدنة ويوقف القتال فوراً بمجرد هذا الإبلاغ، أو في الوقت المحدد في اتفاق الهدنة. وبمجرد وقف القتال يحرّم على كل من الطرفين القيام بأي أعمال هجومية أو دفاعية كان يمكن للطرف الآخر أن يوقف في وجهها القتال لو كان القتال مستمراً. إنما هذا لا يمنع من أن يقوم كل من الفريقين وراء خطوط القتال باتخاذ الاستعدادات اللازمة من إعداد الذخائر وحشد الجيوش وغير ذلك مما لم يكن في مقدور خصمه منعه من اتخاذها أثناء القتال وذلك حسب المادة 38 من لائحة لاهاي.

وكل إخلال جسيم بشروط الهدنة من جانب أحد الطرفين يعطي للطرف الآخر الحق في نقضها، وله في حالة الضرورة القصوى أن يستأنف القتال مباشرة.. إنما إذا كان الإخلال من أفراد من تلقاء أنفسهم، فللطرف الآخر أن يطلب معاقبة المسؤولين ودفع تعويض عن الأضرار التي نتجت عن هذا الإخلال، وذلك بموجب المواد 40 و 41 من لائحة لاهاي.

والهدنة مهما طال أمدها لا تعني إلا مجرد وقف القتال بين طرفيها، ولا تنهي قانوناً حالة الحرب القائمة؛ فهذه الحالة لا تنتهي إلا بإبرام الصلح.. ولا يتغير الوضع حتى لو تعهد طرفا الهدنة بعدم العودة إلى القتال إطلاقاً ما دام أنه لم يتبع ذلك، الاتفاق على إنهاء حالة الحرب بينهما وتسوية أسباب النزاع التي أدت إلى نشوبها. ومما لا يمنع استمرار الهدنة، إمكانية ممارسة كافة الحقوق فيما عدا أعمال القتال كحق تفتيش السفن وضبط المهربات ومصادرة أموال العدو في الحدود المسموح بها والاستمرار في الحصار ما لم تتضمن شروط الهدنة النص صراحة على خلاف ذلك.

وفي ضوء ما تقدم من قواعد قانونية، يلزم لتطبيق الهدنة المعلن عنها موافقة الحكومة السورية أولاً، وقبل ذلك لابد من تحديد التنظيمات الإرهابية المرتبطة بـ”داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها، وأن تعلن الفصائل المسلحة غير “الإرهابية” ـ إن وجدت ـ التزامها الهدنة والموافقة عليها، وأن يكون ثمة طرف محايد يراقب وقف إطلاق النار، ويرفع تقاريره عن الأطراف التي تنتهك قواعد وقف إطلاق النار.

ختاماً، نحن واثقون من قدرة الحكومة السورية على الالتزام بالهدنة إن تمت، ولكن من يستطيع الرهان على مدى التزام التنظيمات الإرهابية المسلحة بما يُتفق عليه من شروط، ومن سوف يحدد لنا من هو المسلح المعتدل، وغير المعتدل إذا كان القائد السابق لـ”جيش الاسلام” الإرهابي زهران علوش قال في تصريح تلفزيوني أنه لدى مراجعة الفكر والعقيدة بين جبهة النصرة وجيش الإسلام لم يجد ثمة اختلاف أو تباين؟! وهل سوف نحتاج لجان تحقيق واستقصاء دولية كلما حدث خرق أو إخلال في بنود تلك الهدنة.. وتجربة “خان العسل” حاضرة وخير شاهد على كيفية تعاطي الأمم المتحدة مع الأزمة السورية!!

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.