توثيق وقائع الأحوال المدنية للسوريين المقيمين في الخارج
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تأخذ مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على الزواج أهمية كبرى في القانون الدولي الخاص. وترجع هذه الأهمية إلى اختلاف نظم الزواج والأفكار التي يقوم عليها باختلاف الدول, لا بل باختلاف الجماعات والطوائف ضمن الدولة الواحدة؛ فهو في البلاد الإسلامية غيره في البلاد الغربية أو الإفريقية، والزواج في بعض الدول يقوم على أساس وحدانية الزوجة، كما هو الحال في النظم غير الإسلامية..
أما في النظم الإسلامية فيتميز بإمكان تعدد الزوجات في الأسرة الواحدة. وفي بعض النظم الغربية يُعتبر الزواج نظاماً دينياً تتدخل الكنيسة في انعقاده.. وفي دول أخرى يعد نظاماً مدنياً يتم بمجرد الايجاب والقبول من قبل الزوجين وبحضور بعض الشهود كما هو شأنه في الدول الإسلامية وغيرها. ولا يقتصر الاختلاف على شروط انعقاده بل يتناول أيضاً طرق انقضائه؛ فبعض النظم تسمح للزوج بفصم عُرى الزوجية بإرادته المنفردة، وبعض الدول تسمح للزوجين بالاتفاق على إنهائها، وبعضها الآخر يعتبر الزواج رابطة مؤبدة لا تنحل إلا بالوفاة.
ومما زاد في أهمية وضرورة دراسة هذه الاختلافات هو انتشار الزواج المختلط بشكل واسع نتيجة تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووسائل الاتصال، وكثرة هجرة الشباب إلى الخارج. ففي سورية أدى تطور العلاقات الثقافية والعلمية والاجتماعية مع الدول الأجنبية في السابق، ونتيجة الظروف الحالية، إلى انتشار ظاهرة الزواج المختلط ـ ونقصد بذلك زواج المواطنين العرب السوريين من أجنبيات أو بالعكس ـ مما نجم عن ذلك قيام منازعات قضائية سواء أمام المحاكم السورية أو في الخارج، بشأن بعض حالات الزواج التي تمت، حيث يتوقف الفصل فيها على تحديد القانون الواجب التطبيق. فالزواج إذا كان صحيحاً وفق قانون الزوج قد لا يكون كذلك وفق قانون الزوجة؛ وإذا كان قانون الزوجة لا يجيز الطلاق، فالقانون السوري يسمح به.. وهذا الاختلاف يحتاج إلى تحديد القانون الواجب تطبيقه على الزواج لمعرفة ما إذا كان الزواج صحيحاً والطلاق جائزاً أم لا، وغير ذلك من أمور النسب والميراث ومتفرعاتها.
لذلك حرص المشرّع السوري على اعتبار الزواج في القانون الدولي الخاص من أهم المسائل اللصيقة بحالة الشخص التي تحدد مركزه من أسرته ويجب أن تخضع بالتالي للقانون الشخصي، أي قانون الجنسية. ولكن الزواج على خلاف بقية المسائل المتعلقة بحالة الشخص هو رابطة بين شخصين؛ فهل يخضع لقانون الزوج أم الزوجة أم لقانون كلٍّ منهما؟ وهل تخضع الشروط الشكلية لانعقاد الزواج للقانون نفسه الذي يحكم شروطه الموضوعية؟ وهل يسري على آثار الزواج وطرق انقضائه القانون ذاته الذي يحكم شروط انعقاده؟
في الحقيقة فرّق القانون السوري في تحديد القانون الواجب التطبيق على الزواج باختلاف جوانبه وباختلاف أشخاصه؛ فشكل الزواج يخضع للقواعد العامة التي تحكم شكل التصرفات عموماً والمحددة في المادة 21 من القانون المدني، أما بالنسبة لشروط انعقاد الزواج الموضوعية وآثاره وانقضائه، فلقد ميّز المشرّع من حيث القانون الواجب التطبيق بين حالة الزواج بين السوريين، وحالة الزواج بين الأجانب على الأرض السورية، وأخذ في الحالة الأولى بوحدة القانون الواجب تطبيقه على مختلف هذه الجوانب وأخضعها للقانون السوري، وذلك في المادة 15 من القانون المدني. أما في الحالة الثانية فقد وضع قواعد إسناد تفصيلية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية جوانب الزواج من جهة، وإمكانية تغيير الزوج لجنسيته بعد الزواج من جهة أخرى، حيث يمكن أن يخضع الزواج من حيث شروط انعقاده الموضوعية وآثاره وطرق انحلاله لقوانين مختلفة.
ولكن يبقى السؤال الأهم، أين يستطيع السوري المقيم في الخارج توثيق زواجه ومن هي الجهة المختصة بذلك؟
بيّنت المادة 13 من المرسوم التشريعي رقم 73 لعام 1947 المتضمن تحديد مهام البعثات القنصلية في الخارج، أن وظائف القناصل تتناول القيام بأعمال الكتّاب بالعدل وضابط الأحوال المدنية (أي أمين السجل المدني)، ويقوم القنصل بهذه الصفة بتسجيل واقعات الأحوال المدنية من ولادة ووفاة وزواج وما يتفرع عنها من وقائع طارئة. وجاء في التعليمات التنفيذية لقانون الأحوال المدنية رقم 376 لعام 1957 ما يلي:
“القنصل السوري المسلم نائب عن القاضي الشرعي في اجراء عقد الزواج والطلاق وفق أحكام التشريع المعمول به في سورية”. ويتم الزواج أمام القنصل بتبادل “عبارات الايجاب والقبول المتعارفة في الشرع الإسلامي”.
فالقنصل السوري المسلم يختص في مسائل الزواج بإجراء زواج السوريين المسلمين وتوثيقه وفقاً لأحكام القانون السوري. أما بالنسبة للسوريين غير المسلمين من أبناء الطوائف الأخرى التي تعتبر الزواج نظاماً دينياً، فيقتصر اختصاصه على تسجيل الزواج الذي تم في الخارج بالشكل الديني المطابق لديانة أحد الزوجين بوصفه أمين للسجل المدني للرعايا السوريين المقيمين في الخارج، إقامة مؤقتة أو دائمة.
كذلك يدخل في اختصاصه إجراء عقد زواج المواطن السوري سواء أكانت الزوجة أجنبية مسلمة أم غير مسلمة، وكذلك زواج المواطنة السورية المسلمة من رجل أجنبي مسلم، باعتباره نائباً عن القاضي الشرعي وهو ما نص عليه المرسوم التشريعي رقم 26 لعام 2007 في المادة 17 التي تنص على أنه:
“1ـ كل واقعة أحوال مدنية حدثت لشخص عربي سوري في بلاد أجنبية تعتبر صحيحة إذا جرت معاملتها وفقاً لأحكام قوانين تلك البلاد وكانت غير منافية للقوانين السورية، وعلى صاحب العلاقة أن يقوم بتسجيل هذه الواقعة لدى قنصل سورية أو القنصل المكلف بمصالح السوريين في محل إقامته، ويُعنى القنصل الموما إليه بإرسال صورة عن وثيقة السجل بطريق التسلسل إلى مديرية الأحوال المدنية في الإدارة المركزية، ومنها إلى مديرية الشؤون المدنية المختصة، ويكون للوثائق المرسلة على هذه الصورة قوة الاعتبار التي للبيانات والوثائق المعتمدة في سورية.
2ـ إذا كان الشخص السوري مقيماً في غير البلد الذي يقيم فيه القنصل السوري وكان يصعب عليه الوصول إليه لتسجيل واقعة الأحوال المدنية المتعلقة به، فعليه الحصول على صورة عن المعاملة بعد تسجيلها وفقاً لأحكام قوانين تلك البلاد وتصديقها بطريق التسلسل من وزارة الخارجية السورية لتقديمها إلى وزارة الداخلية التي تقوم بإبلاغها إلى مديرية الشؤون المدنية المختصة عن طريق الأحوال المدنية “.
والواقع أنّ هذا النص يقدم حلاً لجميع السوريين المقيمين في الخارج، والذين لا توجد سفارة أو قنصلية سورية حالياً في بلاد اغترابهم، وكل ما هو مطلوب منهم توثيق الوقائع التي تحدث معهم بشكل قانوني وسليم وفقاً لقانون البلد الذي يقيمون فيه، لأنه عند انعدام توثيق هذه الوقائع سيتعذر تسجيلها مستقبلاً، وسيكون الشخص عرضة للعقوبة المنصوص عليها في المادة 76 من المرسوم التشريعي رقم 26 للعام 2007 وهي الغرامة 500 ليرة سورية أو الحبس من عشرة أيام حتى الشهر، إذا لم يقم بالتبليغ عن الواقعة ضمن المهلة المحددة خلال 30 يوماً من حدوثها، إذا وقعت داخل القطر و60 يوماً إذا وقعت خارج القطر، ولا تسجل ولادات المواليد غير المسجل والدهم أو والدتهم إذا كانوا يتبعونها في الجنسية إلا بناء على قرار يصدر عن لجنة مركزية تؤلف بقرار من وزير الداخلية عملاً بالمادة 20 من المرسوم المذكور.
وختاماً، وتلافياً لاستغلال “مجاهدات النكاح” من الجنسية السورية وطلب قيد أبنائهن مجهولي الأب في سجلات الأحوال المدنية، وبالتالي حملهم للجنسية السورية لاحقاً، ندعو المشرّع من الآن إلى إصدار تشريع يحول دون منح هؤلاء النسوة، للجنسية السورية لأبنائهن مستقبلاً، لأن الأمر لم يعد مجرد قيد في الأحوال المدنية أو منح بطاقة شخصية أو جواز سفر فقط، بل هو منحهم زوراً وثيقة شرف عمّدت بدماء الشهداء من أبناء سورية الشرفاء.
اترك تعليقاً