تسـليم المجرمين فـي القانـون السـوري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تسليم المجرمين عمل تقوم بمقتضاه الدولة التي لجأ إلى أراضيها شخص متهم أو محكوم عليه في جريمة بتسليمه إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه. وحتى زمن ليس بالبعيد لم يكن من مستند لهذه العملية إلا الاتفاقيات الدبلوماسية الثنائية أو الجماعية بين الدول، ولم تكن إجراءات التسليم قد تبلورت بعد بالشكل المعروف اليوم، وتأخذ شكل تعامل دولي، ولم يبدأ استخدام المعاهدات كإجراء من إجراءات العدالة إلا ابتداءً من القرن السابع عشر. وهذا ما أشارت إليه المادة 30 من قانون العقوبات السوري بالقول: “لا يسلّم أحد إلى دولة أجنبية فيما خلا الحالات التي نصت عليها أحكام هذا القانون إلا أن يكون ذلك تطبيقاً لمعاهدة لها قوة القانون”.
والأصل أن جميع الأشخاص اللاجئين إلى أرض الدولة يجوز تسليمهم، ولكن العرف الدولي أتى باستثناءات أخرجها من هذا الأصل، وهي:
1ـ الدولة لا تسلم رعاياها:
نصت المعاهدات الدولية الخاصة بالتسليم على استثناء رعايا الدولة المطلوب منها التسليم وقضت بعدم جواز تسليمهم أغلب قوانين الجزاء في العالم، ومنها قانون العقوبات السوري الذي نص في المادة 32 منه على أنه:
“لا تبيح الاسترداد الجرائم الداخلة في نطاق القانون السوري الاقليمية والذاتية والشخصية كما حددتها المواد الـ 15 إلى الـ17 ونهاية الفقرة الأولى من المادة 18 والمواد الـ 19 إلى الـ 21”.
2ـ الدولة لا تسلم الماثلين أمام قضائها:
من المتفق عليه أن الدولة لا تسلم من يكون خاضعاً لسلطة قانونها مهما كانت جنسيته وذلك لأن مشروعية التسليم قائمة على أنّ الغرض منه منع إفلات الجاني من العقاب، فإذا كانت الدولة التي يطلب منها التسليم تستطيع أن تعاقبه بنفسها فلا تلزم بتسليمه لغيرها، وهذا ما أكدت عليه المادة 33 من قانون العقوبات فقرة 3 والتي تنص على أنه:
“يُرفض الاسترداد إذا كان قد قضي في الجريمة قضاء مبرماً في سورية أو كانت دعوى الحق العام أو العقوبة قد سقطتا وفقاً للقانون السوري، أو قانون الدولة طالبة الاستراد، أو قانون الدولة التي اقترفت في أراضيها”.
3- رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي: وهؤلاء لا يسلمون لغير دولتهم التي ينتمون إليها ويمثلونها رسمياً.
4ـ الأرقاء (م43 ف 2 قانون العقوبات): وهؤلاء لا يجوز تسليمهم سواء أكان هروبهم من أسيادهم تخلصاً من الاسترقاق واسترداداً لحريتهم، أم كان هروباً من مسؤوليتهم عن جرائم اقترفوها مهما كان نوعها، والهدف من هذا النص هو حماية الأرقاء من ظلم أسيادهم ومن التعسف في توقيفهم ومحاكمتهم وتنفيذ العقوبة فيهم.
5ـ أن لا تكون الجريمة مما يحظر التسليم فيها قانوناً أو عرفاً: ومن هذه الجرائم نذكر ما يلي:
1ـ الجرائم السياسية:
عدم تسليم المجرمين السياسيين مبدأ معمول به في أكثر دول العالم، لأن المجرم السياسي في الأصل لا يقوم بفعله بدافع الجشع أو الطمع أو حب المال أو الأنانية، وإنما يقوم به دفاعاً عن عقيدة آمن بها وفكر عمل من أجله، ومثل أعلى يطمح للوصول إليه. ونصت المادة 34 من قانون العقوبات صراحة على رفض طلب الاستراد إذا ظهر أنه لغرض سياسي، أو كانت الجريمة ذات طابع سياسي، وأكدت على هذا الرفض المادة 41 من اتفاقية الرياض للتعاون القضائي بين دول الجامعة العربية الموقعة بتاريخ 4/4/1983 والمصدّقة في سورية بالقانون رقم 14 تاريخ 10/10/1983
وقد جاءت هذه الاتفاقية منسجمة مع نص المادة 196 من قانون العقوبات السوري في استثناء جرائم القتل العمد والإرهاب من الجرائم السياسية، فنصت المادة 38 من اتفاقية الرياض على أنه:
“يتعهد كل طرف من الأطراف المتعاقدة أن يسلم الأشخاص الموجودين لديه الموجه إليهم اتهام من الجهات المختصة أو المحكوم من الهيئات القضائية لدى أي طرف من الأطراف المتعاقدة الأخرى وذلك وفقاً للقواعد والشروط الواردة في هذا الباب”.
وعليه نجد أن اتفاقية الرياض استثنت الجرائم الإرهابية من قاعدة التسليم لأن جامعة الدول العربية اعتبرت الجرائم الإرهابية من الجرائم العادية التي يجوز فيها التسليم. ولعل اتفاقية جامعة الدولة العربية كانت محقة في استثناء هذا النوع من الجرائم من قاعدة عدم التسليم لما في تلك الجرائم من تعدّ على الأرواح والأملاك العامة والخاصة للأفراد الآمنين، وهي غالباً جرائم غير مجدية أو منتجة لهدفها، لأن اغتيال فرد أو رجل أمن أو جندي لن يغير من نظام سياسي قائم، بل يكون أثرها مقتصراً على نشر الذعر بين أفراد الشعب.
وهذا الاستثناء جاء في المادة 41 فقرة 3 من الاتفاقية المذكورة حيث نصت على أنه يستثنى من الجرائم ذات الصبغة السياسية ـ ولو كانت بهدف سياسي ـ الجرائم التالية: “القتل العمد والسرقة المصحوبة بالإكراه ضد الأفراد أو السلطات أو وسائل النقل والمواصلات”..
ومن نافلة القول الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية خير دليل على أن الأعراب لا يحترمون عهداً أو ميثاقاً!!
2ـ الجرائم العسكرية:
لم ينص قانون العقوبات السوري على رفض التسليم في الجرائم العسكرية، ولكن اتفاقية الرياض المصدق عليها بالقانون رقم 14 لعام 1983 أخذت بالعرف الدولي الذي تبنّى ما أقره مجمع الحقوق الدولية المنعقد في اكسفورد لعام 1880.
3ـ الجرائم التي تخالف عقوباتها النظام الاجتماعي:
ويقصد بمخالفة العقوبة للنظام الاجتماعي أن العقوبة هي الحرق أو الوشم أو القطع أو التشويه الجسدي، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 43 من قانون العقوبات السوري.
إجراءات التسليم:
تتبع سورية الأسلوب المختلط (الإداري ـ القضائي) وإن كان يغلب على اسلوبها الطابع القضائي؛ فالدولة طالبة التسليم تتقدم بطلبها إلى السلطات السورية بالطرق الدبلوماسية ثم يحال هذا الطلب إلى لجنة في وزارة العدل تسمى (لجنة تسليم المجرمين)، وهذه اللجنة تدرس الطلب من ناحيتين:
1ـ الناحية الشكلية: وفيها تبحث توافر الشروط القانونية للطلب، كأن يكون المطلوب تسليمه من غير المواطنين السوريين، أو يكون الجرم غير سياسي، أو أن لا تقل عقوبة الحبس المنصوص عليها للجريمة عن السنة حبس، عملاً بالمادة 33 من قانون العقوبات.
2ـ الناحية الموضوعية: للجنة تسليم المجرمين حق البحث في الأساس ووقائع الدعوى لمعرفة ما إذا كانت التهمة ثابتة، كون هذه اللجنة مشكلة من قاضيين ويرأسها معاون الوزير، وتستطيع توقيف المطلوب واستجوابه وإجراء جميع التصرفات القانونية التي تراها لازمة للوصول إلى الحقيقة، ثم تصدر قرارها بالتسليم أو الرفض، وهذا القرار مبرم لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة.
واللجنة، إذا قررت رد طلب التسليم، يكون قرارها ملزماً للسلطات التنفيذية، وعليها أن تمتنع عن التسليم عملاً بالمادة 35 فقرة 1 من قانون العقوبات. أما إذا كان القرار يقضي بقبول طلب التسليم فهو غير ملزم للسلطة التنفيذية، وتبقى لها حرية تنفيذه أو عدم الأخذ به. وفي جميع الأحوال فإن قرار التسليم لا يصبح نافذاً إلا إذا صدر بمرسوم.
اترك تعليقاً