القانونية: أمل عبد الهادي مسعود
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تعد حرية الرأي والتعبير من أقدس الحقوق التي تناضل البشرية من أجلها والتي عنيت بها المواثيق الدولية. وإذا ما أخذنا هذه الحرية بشكلها البسيط نجد أنها تعني التعبير عن الرأي دون خوف أو وجل، ونشر هذه الآراء والمعلومات بمختلف الوسائل. كما أنها تعني حرية البحث عن المعلومات وعن الأفكار وحرية الحصول على هذه المعلومات. وما دامت الآراء شخصية لا يمكن للغير الإطلاع عليها إلا إذا عبّر عنها صاحبها، فإن حرية التعبير تعترف في هذه الحال بحرية الرأي وتلتقي مع حرية الاعلام التي تبدو امتداداً طبيعياً لحرية الفكر. وإذا كانت حرية الفكر تعد فردية، فإن حرية الاعلام هي في الوقت نفسه حرية فردية وحرية جماعية، ويزداد طابعها المركب هذا بازدياد التقنيات الحديثة وتطورها.
وكان دستور الجمهورية العربية السورية قد كرس حرية الرأي والتعبير في نص واضح وصريح بالمادة الثانية والأربعين فقرة2، بالقول: “لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلانية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة”.
ومن الوسائل الحديثة التي أفرزتها التقنية المعلوماتية شبكات التواصل الاجتماعي ومنها “الفيسبوك” الذي أصبح مع بداية القرن الحالي أحد المصادر الرئيسة للحصول على المعلومات وتبادل الآراء والتعبير عنها، وذلك بسبب الميزات التي يقدمها من سرعة الوصول والتفاعلية وتنوع المحتوى والجمهور الذي يمكن الوصول إليه في أي زمان وأي مكان.. وهذا ما يثير التساؤل عن مدى الحرية في التعبير عن الرأي في صفحات التواصل الاجتماعي؛ هل هي مطلقة من كل قيد أم مقيدة بالقانون؟
في الحقيقة إن حرية التعبير في تلك المواقع ليست مطلقة بل إن هذه الحرية تمارس في حدود القانون، حيث عرّفت المادة الأولى من قانون الاعلام السوري صاحب الكلام بأنه: “كل من يورد أو يدون محتوى أو مادة أو معلومة أو خبر أو تحقيق أو ملاحظة أو تعليقاً في وسيلة اعلامية سواء أكان اعلامياً أم لا”. وكون التعبير يتم عبر استخدام موقع الكتروني عرّفه قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم17 لعام 2012 بالمادة الأولى أنه: “منظومة معلوماتية لها اسم أو عنوان يعرّفها وتتضمن معلومات أو خدمات يمكن الوصول إليها عن طريق الشبكة وخاصة الإنترنت”. وعرفته المادة الأولى من قانون الاعلام بأنه: “منظومة للتواصل الالكتروني تسمح بتبادل المعلومات بين مرسل ومستقبل أو مجموعة مستقبلين وفق اجراءات محددة ومن أمثلتها الانترنت أو الشبكة النقالة أو ما يشابهها”.
وبالتالي، فإن صاحب الكلام الذي يُنشر عبر موقع الكتروني أو على صفحته الشخصية بموجب المادة الأولى من قانون الإعلام مسؤول كون النص المذكور حدد صاحب الكلام بأنه من يورد أو يدون محتوى أو مادة في وسيلة إعلامية دون اشتراط أن يكون المحتوى إعلامياً (معيار موضوعي)، ودون الأخذ بالحسبان كون صاحب الكلام إعلامياً أم لا (معيار شخصي)؛ يكون مسؤولاً وفقاً للقواعد العامة للمسؤولية التي تتطلب الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما (المادة 164 من القانون المدني السوري). وكون وسائل التواصل الاجتماعي ومنها “الفيسبوك” تنطبق عليها صفة الموقع الالكتروني، وصفة الوسائل العلنية التي نصت عليها المادة 208 من قانون العقوبات، والتي تنص على أنه: “تعد وسائل للعلنية:
1ـ الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرّض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل.
2ـ الكلام أو الصراخ سواء جُهر بهما أو نُقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعهما في كلا الحالتين من لا دخل له بالفعل.
3ـ الكتابة والرسوم على اختلاف أنواعها إذا عُرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر”.
ولذلك يمكن القول إن الأفعال والأقوال والكتابات والتعليقات التي تنشر على الفيسبوك تقع تحت طائلة القانون؛ فمن يرتكب جرم الذم والقدح أو التحقير المنصوص عليهما في المواد 373 و374 و375 من قانون العقوبات يكون مسؤولاً عن ارتكاب هذه الجريمة، وكذلك نشر الأخبار الكاذبة أو النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية، وغيرها من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، كون هذه الجرائم ارتكبت بشكل علني وعلى وسيلة يمكن للجمهور الاطلاع عليها أو تلقيها بمجرد الدخول إلى الصفحة أو الاطلاع عليها من خلال مشاركة الغير لها.
ويبقى السؤال عن إمكانية الملاحقة القضائية للفاعل أو مرتكب الجرم وكيفية إثبات صلة الواقعة الجرمية بالفاعل؟
بالنسبة إلى إمكانية الملاحقة القضائية فهي متاحة عملاً بقواعد الاختصاص القضائي المنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب الأول من قانون العقوبات السوري. أما بالنسبة إلى إثبات الصلة بين المتهم والواقعة الجرمية فهي ممكنة بجميع وسائل الاثبات بما فيها الشهادة والقرائن القضائية. ويمكن للمحكمة الاستعانة بخبير متخصص في مجال المعلوماتية، والأدلة المستخلصة تبقى خاضعة لسلطة القاضي التقديرية الذي له حرية الاقتناع بها ما دامت منسجمة مع الواقع والقانون؛ فالقاضي يستطيع الاعتماد على شهادة الشهود أو قرينة ظرفية قضائية، أو بالخبرة الفنية لتكوين قناعته الوجدانية بارتكاب الجرم، أو نفي ذلك، ومدى صلة الفاعل بما هو منسوب له من أفعال، وذلك تحت رقابة محكمة النقض للتأكد من حسن تطبيق القانون وصحة الاستنتاج.
اترك تعليقاً