مقال قانوني حول تعديل الدستور بين اللجنة الملكية و مجلس الوزراء
الدكتور ليث كمال نصراوين
أرسل مجلس الوزراء قبل أيام مشروع التعديلات الدستورية إلى مجلس النواب للسير في الإجراءات الدستورية لإقرارها ذلك بعد أن صدرت الإرادة الملكية السامية بإضافة بند إقرار مشروع التعديلات الدستورية على جدول أعمال الدورة الاستثنائية المنعقدة حاليا. إن اللافت للنظر أن مجلس الوزراء قد أجرى تعديلات جوهرية على التوصيات التي قررتها اللجنة الملكية لمراجعة الدستور أهمها تعديل مادتين جديدتين وإعادة صياغة مادة أخرى تتعلق بالمحكمة الدستورية. فقد اقترح مجلس الوزراء تعديل المادة (53) من الدستور المتعلقة بقضية منح الثقة للحكومة بحيث تضمن التعديل أنه لغايات حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب يجب أن يصوت الأكثرية المطلقة من النواب على منحها الثقة, في حين أن النص الدستوري الحالي يشترط لحجب الثقة عن الحكومة أن يصوت الأكثرية المطلقة على حجب الثقة عنها. فبموجب الاقتراح المقدم من مجلس الوزراء سيكون الأساس في منح الثقة للحكومة هو عدد النواب الذين يمنحونها الثقة لا عدد النواب الذين يحجبون عنها الثقة. كما أقر مجلس الوزراء تعديل النص الدستوري المتعلق بحق التنقل على الأراضي الأردنية والذي تم حصره بالمواطن الأردني فقط.
أما التعديلات التي أجراها مجلس الوزراء بخصوص المحكمة الدستورية فتتمثل في إعادة صياغة آلية إحالة القضية إلى المحكمة الدستورية, حيث تم توضيح أنه لا يحق لأي مواطن مخاطبة المحكمة الدستورية مباشرة إنما من خلال المحاكم التي تقوم بإحالة الطعن بعدم دستورية القانون المثار أمامها إلى رئيس محكمة الاستئناف الذي يقرر إرساله إلى المحكمة الدستورية لإعطاء القرار بشأنه.
إن التطورات والمجريات السابقة تثير مجموعة من التساؤلات الدستورية أولها تتعلق بالأسباب والمبررات التي منعت اللجنة الملكية لتعديل الدستور من مراجعة المادة (53) السابقة حول الثقة بالحكومة رغم النداءات المتكررة من السياسيين والأكاديميين بضرورة تصويبها. فالمادة (53) بنصها الحالي تعد مظهرا من مظاهر هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية من خلال اعتبار النائب الذي يمتنع عن التصويت أو الذي يتغيب عن جلسة الثقة بمثابة أنه قد منح الثقة للحكومة.
أما التساؤل الثاني الذي يثار فيتعلق بالأسباب التي منعت مجلس الوزراء من ممارسة صلاحياته الدستورية بتعديل الدستور بدلا من الاستعانة بلجنة ملكية خاصة لتلك الغاية. فمجلس الوزراء صاحب الولاية العامة في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية في البلاد والتي من ضمنها تعديل الدستور, حيث مارس تلك الصلاحية مؤخرا وتدخل في مشروع تعديل الدستور من خلال اقتراح تعديلات جوهرية جديدة لم تتطرق إليها اللجنة الملكية لمراجعة نصوص الدستور وإعادة صياغة إحدى التعديلات المقترحة من اللجنة الملكية حول المحكمة الدستورية.
أما التساؤل الثالث فيدور حول الأسباب التي دفعت مجلس الوزراء إلى اقترح تعديلات على نصوص دستورية جديدة لم تتطرق إليها اللجنة الملكية رغم تصريحات وزير العدل بأن الحكومة لن تفتح مواد دستورية جديدة لم تعالجها اللجنة الملكية. فإذا ما كانت الحكومة قد غيرت من توجهها السابق على ضوء ما أبداه السياسيون والأكاديميون من دراسات وملاحظات على التعديلات الدستورية, فلماذا لم تستعن اللجنة الملكية ابتداء بأصحاب الاختصاص والسياسيين والمشتغلين بالأمور الدستورية من خلال التشاور معهم ومحاورتهم قبل إقرار مخرجاتها النهائية؟
ويبقى التساؤل الأكبر حول أسباب تغييب مجلس النواب عن المشاركة في تقديم اقتراحات على تعديل الدستور. فمجلس النواب كان غائبا كليا عن اللجنة الملكية لتعديل الدستور ولم يعط الفرصة الحقيقية لاقتراح التعديلات التي يراها مناسبة على نصوص الدستور خصوصا تلك المتعلقة بالسلطة التشريعية. فمجلس النواب من حقه الدستوري أن يعدل ويضيف اقتراحات على المواد المعدلة المعروضة عليه, إلا أنه من غير المتوقع أن يتم مناقشة أي نص دستوري جديد لم يقترح تعديله في مجلس النواب والذي سيقتصر دوره على إقرار أو تعديل أو رفض التوصيات المقدمة من اللجنة الملكية ومجلس الوزراء دون أن يستعمل حقه الدستوري في اقتراح إدخال تعديلات أخرى على نصوص الدستور وهو ما يمثل تغييبا كاملا لمجلس النواب في مشروع تعديل الدستور.
اترك تعليقاً