التفويض بالطلاق في حالة أن العصمة بيد المرأة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
القانونية: أمل عبد الهادي مسعود
خوّل الإسلام المرأة طلب الطلاق إذا كرهت البقاء في عصمة زوجها, لكنه لم يترك الأمر بغير حدود، فلم يبحه كل الإباحة؛ فهو ضرورة وحيلة من لا حيلة له في الوفاق.. ومع ذلك فهو أبغض الحلال إلى الله. والمقرر فقهاً أن الطلاق حق يوقعه الزوج في أي حال مادام أهلاً لإيقاعه, وقد يفوّض الرجل الطلاق إلى زوجته وذلك لأنه من التصرفات القابلة للإنابة؛ فله أن يباشر بنفسه إيقاع الطلاق على زوجته؛ وله أن ينيب غيره في ذلك..
فإذا كان الغير الذي أنابه عنه في إيقاع الطلاق هو الزوجة لتطلق نفسها سمّيت الإنابة تفويضاً لا توكيلاً، وذلك لأن الوكيل يعمل بإرادة ومشيئة موكله لا بمشيئته هو؛ أي أنه لا يعمل لنفسه بل لموكله.. بخلاف الزوجة المفوض لها أن تطلق نفسها فإنها تعمل لنفسها وبمشيئتها لا بمشيئة زوجها الذي فوَض إليها الطلاق. وتفويض الزوج إلى زوجته الطلاق هو تمليكها نفسها منه، لكنه ليس تمليكاً كسائر التمليكات. وهذا التفويض نوع من التصرفات الوسط بين التمليك والتوكيل فليس تمليكاً محضاً ولا توكيلاً محضاً، فيختلف التفويض عن التمليك فيما يلي:
1ـ التفويض لا يسلب المفوّض حق التصرف فيما فوض فيه, فللزوج أن يطلق زوجته بعد أن يفوض إليها تطليق نفسها, أما في التملك فإن المملك بعد التمليك لا يمكنه التصرف فيما يُملكّه لغيره، ولا يملك ذلك لانتهاء حقه حينئذ, وذلك كالبائع والواهب فإنه لا يملك أحدهما التصرف فيما باعه أو وهبه.
2ـ كذلك يخالف التفويض التملك في أن التفويض يتم بمجرد الإيجاب من المفوض, لأن التفويض في معنى تعليق الطلاق على مشيئة من فوض إليه, والتعليق يتم بمجرد الإيجاب بخلاف التمليك فإنه لا يتم إلا بمجموع الإيجاب والقبول كما في الزواج والبيع. ويترتب على ذلك أن المفوض ليس له حق الرجوع عن التفويض بعد الإيجاب لأن التفويض هو في الواقع تعليق الطلاق على مشيئة الزوجة, أما المملّك فله أن يرجع عن إيجابه قبل قبول الآخر ويصح رجوعه حينئذ لأن العقد لم يتم بعد.
3ـ والتفويض يخالف التمليك في أنه يبقى إلى ما بعد مجلس الإيجاب إذا كانت الزوجة غائبة، مع أنه في التمليكات لا بد من القبول في مجلس الإيجاب.
ويختلف التفويض عن التوكيل فيما يلي:
1ـ المفوض ليس له حق الرجوع عن التفويض وعزل زوجته عنه في حين أن الموكّل يملك الرجوع عن الوكالة وعزل الوكيل متى شاء.
2ـ التوكيل لو صدر بصيغة مطلقة غير مقيدة بزمن معين، فللوكيل أن يطلق الزوجة في مجلس الوكالة أو بعده, بخلاف التفويض المطلق عن الزمن فإن الزوجة إذا فوض إليها زوجها أن تطلق نفسها تفويضاً مطلقاً كما إذا قال لها طلقي نفسك اقتصر ذلك على مجلس التفويض، فليس لها أن تطلق نفسها بعد انتهاء المجلس. وقد ثبت بإجماع الصحابة أن التفويض المطلق على النحو المذكور مقيد بالمجلس وهو يختلف عن التفويض المقيد بزمن خاص أو عام في جميع الأزمان.
وتفويض الزوج زوجته في أن تطلق نفسها منه قد يكون مقترناً بعقد الزواج وقد يكون بعد تمام العقد فإذا كان بعد تمام العقد فهو صحيح في أي وقت.
وإن كان التفويض قد اقترن بالعقد ففي صحته ما يلي:
إذا كان الزوج هو البادئ بالإيجاب المقترن بالتفويض كما إذا قال لها تزوجتك وجعلت العصمة بيدك تطلقين نفسك متى شئت, وقالت هي قبلت، صحّ الزواج ولم يصح التفويض في هذه الحالة؛ فلا تملك الزوجة أن تطلق نفسها لأن الزوج في هذه الصيغة قد ملّك الزوجة تطليق نفسها قبل أن يملك هو حق التطليق، وفاقد الشيء لا يعطيه؛ إذ أنه أعطاها حق التطليق قبل تمام عقد الزواج.. والطلاق لا يملكه الزوج إلا بعد تمام العقد، لكونه أثراً من آثاره. وعقد الزواج لا يتم بمجرد ايجابه بل يتم بمجموع الإيجاب والقبول وأثر الشيء لا يوجد إلا بعد وجود الشيء.
أما إذ كانت الزوجة هي البادئة بالإيجاب بأن قالت له زوجتك نفسي وجعلت عصمتي بيدي أطلق نفسي منك متى شئت، وقَبل الزوج ذلك، صح عقد الزواج.. وتم التفويض وصحّ للزوجة أن تطلق نفسها, وذلك لأن قبول الزوج في هذه الحالة بعد صدور الإيجاب منها على النحو المذكور ينصرف إلى الزواج أولاً، فيتم الزواج ثم ينصرف إلى التفويض فيصح، لأنه قد ملّكها الطلاق حينئذ بعد مُلكه هو بإتمام الزواج، ومن ملك شيئاً صح له أن يملكه للغير.
وقد أجاز قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة 88 منه التوكيل والتفويض في الطلاق فجاء في الفقرة 2: “للزوج أن يوكل غيره بالتطليق وأن يفوض المرأة بتطليق نفسها”.
والطلاق الذي يقع من الوكيل هو طلاق رجعي إلا إذا نص القانون على اعتباره بائناً، وهي الحالات الثلاث: الطلاق قبل الدخول والطلاق على مال (المخالعة) والطلاق المكمل للثلاث.
والسؤال هو: إذا فوض الزوج الطلاق لزوجته فطلقت نفسها هل يعتبر رجعياً أم بائناً؟
في الحقيقة إذا كانت صيغة التفويض تفيد الطلاق أكثر من مرة فطلقت الزوجة المفوضة نفسها ثلاث مرات، بانت من زوجها. ولكن القانون اعتبر الطلاق طلقة واحدة مهما اقترن به من عدد، وكذلك اعتبر القانون كل طلاق رجعياً، إلا ما عدده من الحالات الثلاث السابقة الذكر، وعلى هذا فالقانون يعد التفويض طلاقاً رجعياً. وجاء في قرار لمحكمة النقض السورية: “إن طلاق النفس يقع به طلاق واحد رجعي”.
ويبقى السؤال ما هي الفائدة التي تحققها الزوجة من طلاق نفسها إذا اعتبرنا التفويض بالطلاق في هذه الحالة رجعياً يملك الزوج فيه المراجعة وإعادتها إلى عصمته؟ نعتقد أنّ الأمر يحتاج إلى تدخل تشريعي يتم فيه احترام إرادة الطرفين واتفاقهما الذي لا يخالف الشريعة والقانون.
اترك تعليقاً