الكفاءة في الزواج
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الزواج عقد قد يدوم العمر كله فمن الضروري تأمين عناصر الاستقرار له منذ البداية ليضمن الزوجان الانسجام والاتفاق وحسن العشرة المشتركة بينهما, ولهذا جرت العادة أن يبحث كل منهما عن شريك لحياته لا يختلف عنه كثيراً في المقومات الأساسية لهذه الشراكة الدائمة من عناصر دينية واجتماعية وأخلاقية وثقافية ليكون هذا العقد قريباً من النجاح والاستقرار ما بقيت حياة الزوجين قائمة.
لهذا اهتم المشرع وجمهور الفقهاء ببحث الكفاءة بين الزوجين، باعتبارها تشكل الأرضية المناسبة لبناء أسرة ناجحة. ولذلك عرف الفقهاء الكفاءة بأنها مساواة الزوج للزوجة في أمور مخصوصة لا تعير الزوجة أو أولياؤها فيه, بحيث يعتبر وجودها عاملاً من عوامل الاستقرار الزوجي, ويعتبر الإخلال بها أو فقدانها معكراً أو مفسداً للحياة الزوجية. وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في اعتبار الكفاءة بين الزوجين شرط لصحة الزواج أو عدم اعتبارها فالجمهور منهم اشترط الكفاءة وإن اختلفوا في تحديد عناصرها وصفاتها وقالوا لا بد للزوج من أن يكون مكافئاً للزوجة إلا إذا تنازل الأولياء والزوجة عن ذلك واستدلوا على رأيهم بعدة أدلة ومنها:
1ـ ما روي عن الرسول (ص) أنه قال: ” ألا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوجن إلا الأكفاء”.
2ـ أن دوام العشرة والاستقرار بين الزوجين ومصالح الزوجية تتوقف إلى حد كبير على تحقيق مساواة الزوج للزوجة, فإذا وجد التفاوت بينهما كان سبباً للشقاق وسوء التفاهم مما يجب تلافي الأمر قبل وقوعه وذلك بأن يكون الزوج كفء للزوجة. والزوج بحكم الشرع والعادة والعرف له الولاية والقوامة في شؤون الزوجية، والزوجة تأنف غالباً القبول بذلك الأمر إذا كان الزوج أقل منها تديناً ونسباً وخلقاً وكذلك يأنف أهلها وأولياؤها من مصاهرة من لا يناسبهم في دينهم أو جاههم أو نسبهم ويعيرون بذلك مما يؤدي إلى اختلال روابط المصاهرة اختلالاً شديداً أو تضعف فلا تؤتشي ثمارها من ترابط وتناصر ومودة ورحمة.
وذهب فريق من الفقهاء ومنهم أبو الحسن الكرخي وأبو بكر الرازي وهم من فقهاء الحنفية إلى عدم اعتبار الكفاءة في الزواج وقرروا أنها ليست شرطاً فيه ولا ينظر إليها مستندين في ذلك إلى ما جاء بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وإلى ما حصل من بعض الزيجات التي وقعت في عهد رسول الله (ص) فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” أما السنة فقال النبي المصطفى (ص): “الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى” فاجتمعت كلمة القرآن والسنة على أن التفاضل بالتقوى. وبعض الزيجات التي وقعت في عهد النبي كانت بين غير أكفاء ودون اعتراض فقد تزوج بلال وهو حبشي أخت عبد الرحمن بن عوف وهي عربية حرة أصيلة وزوج أبو حذيفة بنت أخيه مولاه سالم ولو كانت الكفاءة لها اعتبار في الزواج في نظر الشرع لكان يجب اعتبارها بالأولى في أبواب الجنايات التي يلزم الاحتياط فيها أكثر مما يلزم في غيرها. فكان لا يجب قتل شريف بوضيع وعالم بجاهل والأمر ليس كذلك فالشريف يقتل في الوضيع كما يقتل العالم بالجاهل وهكذا حين حصول الاعتداء ووجوب القصاص.
والذي يبدو من أدلة الطرفين أنها لا تقوى على الاستدلال بما ذهبوا إليه من اشتراط الكفاءة أو عدمه ولذلك يقول الإمام المحدث الشوكاني: “لم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث صحيح” وتزويج النبي بعض أصحابه ممن هن أعلى منزلة لا دليل فيه لأن رضا الزوجة وأولياءها يسقط الكفاءة.
لكن عند الفقهاء الذين قالوا بها اختلفوا في تحديد عناصرها فأكثر المذاهب توسعاً هم الحنفية الذين اعتبروها في عدة أمور كالنسب والمال والحرفة والتدين والاسلام أما الشافعية فاعتبروها في خمسة أمور هي الدين والنسب والحرية والحرفة والخلو من العيوب وأما الإمام مالك فذهب إلى اعتبارها فقط في الدين وكذلك الإمام أحمد بن حنبل.
من تراعى لأجله الكفاءة:
الكفاءة حق للزوجة وحق لأوليائها فإذا تزوجت الفتاة شخصاً غير كفء فقد أسقطت حقها في كفاءة الزوج لها وبقي حق الأولياء الذين لهم حق الاعتراض فإذا كان الزوج غير كفء فللقاضي إذا تأكد من ذلك حق فسخ العقد. أما إذا كان للزوجة أكثر من ولي وبدرجة واحدة ورضي بعضهم ولم يرضَ الآخرون فهل يعتبر اعتراض هؤلاء على عدم كفاءة الزوج أم أن رضى البعض يسقط اعتراض الآخرين؟
يقول أبو يوسف من أئمة الحنفية لا يسقط حق الجميع برضا البعض لأن هذا حق مشترك للجميع وذلك قياساً على الدَين المشترك أي لو كان هناك عدد من الدائنين لشخص واحد فأسقط بعض الدائنين حقهم لا يسقط حق الآخرين بل تبقى ثابتة. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: إذا أسقط أحدهم حقه فقد سقط حق الجميع وليس لهم الاعتراض لأن الاعتراض حق واحد لا يتجزأ ولا يصح قياس ذلك على الدين لأن الدين يتجزأ بينما هذا الحق الذي سببه القرابة حق ثابت لا يتجزأ.
ونص القانون السوري في المادة 29 من قانون الأحوال الشخصية: “الكفاءة حق خاص للمرأة وللولي” وبالتالي الكفاءة تعتبر من جانب الرجل ولا تشترط أن تكون من جانب المرأة لأن الزوجة تتضرر إذا كان زوجها أقل منزلة من أهلها أما الزوج فلا يتضرر بذلك.
ولكن هل الكفاءة شرط صحة في عقد الزواج أم شرط لزوم؟
فلو كانت الكفاءة شرط صحة وتزوجت الفتاة غير كفء فالعقد غير صحيح ولو قبل وليها بذلك أما لو اعتبرناه شرط لزوم فهو عقد صحيح وللولي حق اعتراض لدى القاضي فإما الفسخ وأما إمضاء العقد.
الأحناف قالوا أنه شرط صحة وعند الحنابلة روايتان أشهرهما القول بأن الكفاءة شرط لزوم لا شرط صحة وذهب الشافعية أيضاً إلى أن الكفاءة شرط لزوم لا شرط صحة.
والقانون السوري اعتبر الكفاءة شرط لزوم حيث نص في المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية أنه: يشترط للزوم الزواج أن يكون الرجل كفؤاً للمرأة. وبالتالي المشرع اعتبر الكفاءة شرط لزوم لا شرط صحة وأعطى للولي حق الاعتراض وللقاضي حق الفسخ إذا تبين له أن الاعتراض جوهري ويمس العائلة بهذا الزواج الضرر, أما إذا تبين لدى القاضي أن الزوج كفء للزوجة وأن اعتراض الولي هو رغبة في عدم التزويج رد طلبه واعتبر العقد لازماً ونافذاً، عملاً بالمادة 27 من ذات القانون والتي تنص على أنه: “إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فإن كان الزوج كفؤاً لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح” والعبرة في تحديد الكفاءة لعرف البلد عملاً بالمادة 28 من ذات القانون.
ولا بد من التنويه أن اشتراط الكفاءة لدى المشرع والفقهاء على النحو المشار إليه أنهم يقرون طبقية دون أخرى أو يفضلون جماعة أو أفراداً على جماعات أو أفراد آخرين وهذا غير صحيح ويخالف مبادئ الشريعة والدستور التي تقول بالمساواة بين جميع المواطنين وما اشتراط الكفاءة في عقد الزواج إلا للحيلولة دون افتراق الزوجين ما أمكن إلى ذلك سبيلاً, وما اشتراط عناصر للكفاءة مثل النسب أو المال أو الحرفة إلا لغاية تحقيق التوافق ما أمكن فلو تعارف الناس على أن المثقفة لا يجوز لها أن تتزوج جاهلاً أمياً للتفاوت الكبير بين العقليتين فتعتبر الثقافة من عناصر الكفاءة فالزوجة المثقفة تنظر إلى الحياة نظرة تختلف عن نظرة الجاهل الأمي وباختلاف النظرتين واضطراب المقاييس تختل الحياة الزوجية ويؤدي إلى الفراق.
إلى متى يستمر حق الكفاءة:
إذا تزوجت الفتاة غير كفء فإلى متى يستمر حق الولي بالاعتراض؟
نص القانون السوري بالمادة 31 على أنه: “تراعى الكفاءة عند العقد فلا يؤثر زوالها بعده”.
وختاماً إن القانون لم يجعل الكفاءة شرطاً حتمياً على الأولياء والأزواج بل ترك الأمر لهم فإن شاءوا تمسكوا بالكفاءة وأن شاءوا أسقطوا حقهم فلهم ذلك. ولكن حبذا لو أخذ المشرع باعتبار الكفاءة من الجانبين وليس من جانب الزوج وحده لا استناداً على قوة الأدلة التي قال بها الفقهاء، بل استناداً إلى المصلحة التي تستوجب غالباً مثل وجود هذا التقارب لتثمر الزوجية ثمراتها وتقوم المصاهرة على أساس سليم.
القانونية أمل عبد الهادي مسعود
اترك تعليقاً