أهمية التسجيلات الصوتية في الإثبات
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إن التطورات العلمية التي انتشرت في شتى مناحي الحياة وما طرأ على وسائل الإثبات من مستجدات، أثارت جدلاً بين المهتمين لمواكبة هذا التطور مما دفع الكثير من الدول لسن تشريعات جديدة أو تعديل تشريعاتها القائمة لمواجهة ذلك، إلا أن التشريع لم يكتمل بعد ليشمل كافة المخرجات المستمدة من الوسائل الحديثة. ومن هذه الوسائل التسجيلات الصوتية أو ما يعرف بتسجيل المكالمات الهاتفية، حيث تتيح بعض الأجهزة الهاتفية الحديثة هذه التقنية. فما هي القيمة القانونية لهذه التسجيلات عند عرضها على القضاء في معرض الاثبات؟
إن قانون البينات الصادر بالقانون رقم 359 لعام 1947 لم يتطرق لهذه المسألة، ولكن الاجتهاد القضائي في سورية قد استقر على عدم قبول هذه التسجيلات في الاثبات. وفي اجتهاد صادر عن محكمة النقض غرفة مخاصمة القضاة الهيئة العامة رقم 340 أساس 152 تاريخ 3/ 4/ 2007 أنه: “لا جدوى من إبراز شريط التسجيل على اعتبار أنه ليس من الأدلة المقبولة قانوناً كبينة في قانون البينات”.
وكان اجتهاد قضائي سابق قد صدر عن الغرفة العسكرية ومنشور في مجلة المحامون عام 2003 أن: “الاتصال الهاتفي لا يرقى إلى مرتبة الدليل الجازم”، وبالتالي يمكن القول إن موقف القضاء السوري هو رفض الاعتماد على هذه التسجيلات في اثبات واقعة ما مدعى بها، وإن كنا مقتنعين تماماً بما ذهب إليه الاجتهاد القضائي بهذا الخصوص، لأنه من المبادئ الراسخة في نظرية الإثبات أنه لا يجوز للمرء أن يصطنع دليلاً لنفسه.
وقيام الشخص بالتسجيل الحديث أو المكالمة خفية عن الشخص الآخر وبغير علمه وبدون الحصول على إذن النيابة العامة على ذلك الفعل، وفي ضوء التقنيات الحديثة من مونتاج وغيره والتي تسمح بالتلاعب بالتسجيل والقص والادخال والحذف، يكون موقف القضاء السوري في محله تماماً وتكريس لمبدأ مشروعية الدليل.
لكن هذا الموقف المتقدم للقضاء السوري لا يمنعنا من التساؤل عن مدى صلاحية الاجتهاد القضائي لسد الثغرات التشريعية في مجال الإثبات باستعمال الوسائل الحديثة. وعلى سبيل المثال: بعد أن كان الإثبات في ما مضى يعتمد على المستندات الورقية، أصبحت معظم المستندات عبارة عن تسجيلات إلكترونية.. وبعد أن كانت مضاهاة البصمات أو اكتشاف جرائم التزوير في المحررات تعتمد على الطرق التقليدية، صار للآلات الإلكترونية دوراً بارزاً في عملية المقارنة.
من هنا تبرز أهمية دور هذه الوسائل في مجال الإثبات وتعكس مدى أهمية البحث عن دور القضاء في الاجتهاد لسد الثغرات التشريعية.. لأن قرارات الهيئة العامة لمحكمة النقض تنزل منزلة القانون واجب التطبيق لا تجوز مخالفته كونه يقرر مبدأ قانونياً يرقى إلى مرتبة القانون.
اترك تعليقاً