الحد الفاصل بين الحرية الشخصية والحياة الزوجية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
نصت المواثيق الدولية والعهود المتعلقة بحقوق الإنسان على عدم جواز التدخل القسري وغير المشروع في حياة الإنسان الخاصة, إذ جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليؤكد على أنه: “لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة”.
وفي حياتنا العملية، تزداد التدخلات والتعديات على حياة الإنسان الخاصة مع ازدياد الاكتشافات العلمية وتطور التكنولوجيا الحديثة, وخاصة مع تطور آلات التسجيل شديدة الحساسية وبنوك المعلومات. ومن الصعب جداً إعطاء تعريف دقيق للحياة الخاصة للفرد بشكل عام، إذ أنها ذات مضمون متقلب وغير مستقر. وهذا يعود إلى الاختلاف أو التباين في القيم والمفاهيم التي تسود المجتمعات والأوساط التي يعيش فيها الإنسان. كما أنّ هذا الاختلاف يتطور ويتغير مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال؛ فمفهوم الحياة الخاصة ليس واحداً أو متشابهاً في العصر الجاهلي والقرون الوسطى مع ما هو في القرن الحادي والعشرين. ولهذا علينا التزام أقصى درجات الحذر والموضوعية عند تفسيره في حالة الفرد بشكل عام.
ولكن ثمة سؤال يفرض نفسه علينا، وهو ما الحد الفاصل بين الحياة الزوجية وبين حق كل من الزوجين في الحياة الخاصة؟ وبعبارة أخرى، هل يحق لأحد الزوجين أن يحتفظ بأسرار خاصة به أو معلومات أو وثائق، أو أن يمنع زوجه من الاطلاع على الهاتف أو الحاسب الخاص به، أو الاطلاع على الرقم السري لحسابه البنكي، أو الكود الخاص بحسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، أو غيرها من الأشياء أو المعلومات الخاصة التي قد يرغب في الاحتفاظ بها لنفسه دون غيره من الأشخاص. وهل تكون الرابطة الزوجية سبباً يجيز اختراق تلك الرغبة في الخصوصية، وما هو موقف القانون عند الاعتداء عليها من قبل أحد الزوجين, وهل يمكن تطبيق النصوص القانونية الكفيلة بحماية “الحق في الحياة الخاصة” في هذه الحالة؟
قد تبدو تلك التساؤلات غير مألوفة، وفيها شيئ من المغالاة والتطرف في فهم الحق في الحياة الخاصة إذ يُفترض أن العلاقة الزوجية ميثاق غليظ وعهد متين ربط الله به بين رجل وامرأة، وتتصل بها المودة والرحمة والمشاركة القلبية والوجدانية، وبالتالي لا مكان لفكرة الحق في الحياة الخاصة في نطاق الحياة الزوجية، وإن احتفاظ أحد الزوجين بأسرار خاصة ومحاولة إخفائها عن شريكه سوف يكون سبباً للخلاف والشقاق وخلق بذور الشك والريبة بين الطرفين، وتدخلُ القانون في هذه الحالة ومحاولة تنظيمها ووضع الضوابط لها أمر غير مرغوب لأنه قد يخلّف عواقب وخيمة.
لكنَّ هذا الرأي لا يتفق مع ما ورد في الدستور السوري بالمادة السادسة والثلاثين من أن: “للحياة الخاصة حرمة يحميها القانون“، وما جاء في المادة الرابعة والخمسين منه: “كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة، أو على غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور يعد جريمة يعاقب عليها القانون”.. ولا مع نص المادة 565 من قانون العقوبات التي تنص على أنه: “من كان بحكم وضعه أو وظيفته أو مهنته أو فنه على علم بسرّ وأفشاه دون سبب مشروع أو استعمله لمنفعته الخاصة أو لمنفعة آخر، عوقب بالحبس سنة على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز المائتي ليرة سورية إذا كان الفعل من شأنه أن يسبب ضرراً ولو معنوياً”.
كما لا يتفق مع نص المادة 567 من ذات القانون والتي تنص على أنه:“1ـ كل شخص آخر يتلف أو يفض رسالة أو برقية غير مرسلة إليه أو يطلع بالخدعة على مخابرة هاتفية يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائة ليرة. 2ـ ويقضى بالعقوبة نفسها على من اطلع على رسالة أو مخابرة برقية أو هاتفية في إذاعتها إلحاق ضرر بآخر فأعلم بها غير من أرسلت إليه”.
ولا مع المادة 23 من المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012، والتي تنص على: “يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية كل من نشر عن طريق الشبكة معلومات تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه حتى ولو كانت تلك المعلومات صحيحة”.
كما أن القانون لم يعتبر الرابطة الزوجية سبباً من أسباب التبرير في العقاب على انتهاك الحق في الخصوصية عند تحديد أسباب التبرير في الفقرة الثالثة من الباب الثالث من قانون العقوبات القسم العام وذلك في المواد 182 وحتى 186 منه.
وبناء على ما تقدّم، لا مجال لتبرير فعل التدخل وانتهاك الخصوصية بالقول إن الطرف الآخر يمارس حقه الناتج عن رابطة الزوجية وإن العرف والعادات قد سمحت له بذلك لاسيما إذا أساء استعمال هذا الحق وتعسف به مما ألحق ضرراً بالآخر؛ كأن يقوم بنشر تعليق على صفحة الشريك في مواقع التواصل الاجتماعي أو نشر صور خاصة له أو إذاعة مكالمة هاتفية أو غير ذلك من تصرفات قد تحدث ضرراً بالمعتدى عليه. ومما يؤكد هذا الرأي ما روي عن النبي (ص) أنه قال: “إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها”.
من هنا نجد أن استغلال أحد الزوجين لوضعه ومكانته الزوجية واطلاعه على أسرار الشريك دون رضاه يجعله عرضة للعقاب بموجب المادة 565 من قانون العقوبات، وإذا قام بنشر هذه الأسرار على الشبكة المعلوماتية عوقب على ذلك بموجب المادة 23 المشار إليها آنفاً، ويطبق النص الأشد عقوبة. أضف، أنّ لجوء المتضرر للقضاء يلزم النيابة العامة على تحريك الدعوى العامة بحق المدعى عليه، وهذا الأمر هو تكريس حقيقي لمفهوم حماية الحق في الحياة الخاصة بأدق معانيه، ويعبّر عن المساواة الحقيقية أمام القانون واستقلال المرأة والرجل الحقوقي بكل ما في الكلمة من معنى قانوني ودستوري.
اترك تعليقاً