التفضيل بين الأبناء في الميراث
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الميراث حق الله في القرآن الكريم, وقد جعله فريضة محكمة لا يلحقها تغيير ولا تبديل. وتولى الله تعالى توزيع الأنصبة وجعل منها حدوداً لا يجوز مخالفتها فرتّب على إطاعتها المثوبة الخالدة والفوز العظيم، وعلى مخالفته وعصيانه فيها العقوبة والعذاب المهين ((تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين)) سورة النساء. فلا يحل لوالد أن يحرم بعض أولاده من الميراث ولا أن يحرم الإناث، كما لا يحل لقريب أن يحرم قريبه المستحق من الميراث بحيلة يصطنعها.
فالميراث نظام قرره الله بعلمه وعدله وحكمته وأعطى به كل ذي حق حقه وأمر الناس أن يقفوا فيه عند ما حدده وشرعه. لذلك فإن التفضيل بين الأبناء في المعاملة وفي الهدايا والمنح, أمر لا يجيزه الدين، وقد ورد النهي عنه في حديث النعمان بن بشير المشهور وهو أن بشير والد النعمان منحه بعض ماله, وذهب به إلى رسول الله, وأخبره بعطيته لولده النعمان والتمس منه أن يشهد عليها, فسأله الرسول(ص) ((أله أخوة))، فأجابه بشير: “نعم” فقال الرسول: “أكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟” فقال: “لا”، فنكر عليه رسول الله (ص) تخصيص النعمان بالعطية وأمره بردها والرجوع فيها وامتنع عن الشهادة عليها: لا تشهدني على جور, إنه عمل غير صالح، وقال: اتقوا الله وهز عاطفته: “إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم كما لك عليهم من الحق أن يعدلوا في برك, أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟” قال: “نعم” فقال الرسول: “فلا إذن”. ورجع بشير في عطيته.
وقد قرر الفقهاء هذا التفضيل بأنه حرام ما دام بغير رضا الجميع, وخصوصاً في الإرث, لقوله تعالى: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً).
لكن القانون سلك منهجاً مغايراً لهذا الرأي، فنصّ في المادة 218 من قانون الأحوال الشخصية على أنه: “1ـ إذا خصص الشخص في حياته كلاً من ورثته أو بعضهم بأعيان من ماله تعادل حصته الإرثية وأوصى بتنفيذ هذا التخصيص بعد وفاته جاز ذلك وكان لازماً بوفاته. 2ــ إذا زاد ما خصص لبعضهم عن حصته الإرثية جرى على الزيادة حكم الوصية للوارث”. واستقر في الاجتهاد القضائي على أنه:
“1 ـ إن تصرف المؤرث يبقى صحيحاً ومنتجاً لآثاره القانونية طالما أن إرادته حرة وسليمة ولو قصد من هذا التصرف حرمان بعض الورثة من حقهم الإرثي.
2ـ إن تصرف المؤرث وهو في حال الصحة لا يمكن وضع قيد عليه, ولا يجوز القول بالتواطؤ طالما أن المشرع أجاز جميع التصرفات ولو كان فيها حرمان بعض الورثة من الميراث”.
وبناء على ما تقدّم فإن ادعاء أحد الورثة بأن التصرف وقع تحت ستار بيع وهمي وأنه خال من الثمن الذي هو أحد أركان عقد البيع، أو أثبت عدم وجود مقابل، أو أن هذا العقد هو في الحقيقة عقد هبة، غير منتج وبلا طائل ما دام صدر من المؤرث بإرادة سليمة حرة. كما أن التمسك بالمادة 878 من القانون المدني التي اعتبرت أن تصرف شخص لأحد ورثته واحتفاظه بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف بها وبحقه في الانتفاع بها مدى الحياة، هو تصرف مضاف إلى ما بعد الموت تسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك لا ينال من هذا التصرف كون الاجتهاد القضائي قد بيّن شروط إعمال هذه القرينة بالقول إن:
“القرينة المنصوص عليها في المادة 878 من القانون المدني لا تقوم إلا باجتماع شرطين هما احتفاظ المتصرف بحيازة العين واحتفاظه بحقه في الانتفاع بها، ويشترط أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى الحياة, ويقصد بالاحتفاظ أن يكون مستنداً إلى حق ثابت لا يستطيع المتصرف إليه تجريده منه”.
اترك تعليقاً