الخصومة في القانون السوري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
عند وقوع نزاع بين شخصيين, فإن هذا النزاع يخلق حالة قانونية, ينشئ عنها لكل طرف مركزاً قانونياً بحيث يدّعي أحدهما بحق أو التزام بذمة الطرف الآخر الذي قد ينكر وجوده. وهذه المعركة القانونية تتم تحت إشراف القاضي الذي يقوم بالتحقق من هذه الالتزامات وثبوتها، وينقلها من حالة الافتراض إلى حالة العلانية والحقيقة، وهذا ما يسمى: “الخصومة القضائية أو الدعوى القضائية”، وهي ترتبط بالتمثيل أمام القضاء إذ أن التمثيل هو العنصر الجوهري والأساسي في صحة الخصومة وسلامتها خلال سير العملية القضائية.
وتعتبر مسائل الخصومة والتمثيل أمام القضاء من متعلقات النظام العام وهي من مسائل الشكل التي يتعين على المحكمة التحقق منها قبل التطرق للموضوع. ويجب توافرها طوال سير الدعوى وحتى صدور حكم نهائي في الدعوى. ويتوجب على المحكمة إثارتها من تلقاء نفسها وفي جميع مراحل المحاكمة. فلا يجوز توجيه الخصومة إلا إلى الخصوم الحقيقيين الذين يتمتعون بمركز قانوني يصح معه مخاصمتهم فيها، وتمثيل هؤلاء الخصوم من قبل من يملك قانوناً حق تمثيلهم، وبالأوضاع المقررة قانوناً، ليكون التمثيل صحيحا ً في الدعوى. فعندما يكون التمثيل صحيحاً خالياً من العيوب القانونية التي قد تشوبه, فإن الخصومة تكون سليمة من الناحية الشكلية وهي اللبنة الأولى في سلامة الدعوى من اعتلال الخصومة التي تؤدي بالدعوى إلى الرد شكلاً.
وقد يكون شخص صاحب حق وتُرد دعواه شكلاً وهنا الطامة الكبرى عندما يستغل الطرف الآخر هذا الإهمال أو قلة المعرفة بصحة الخصومة والتمثيل بالشكل المقرر قانوناً. ومن الملاحظ في الحياة العملية اهتمام رجال القانون من قضاة ومحاميين وحرصهم الشديد على الوصول بالدعوى إلى النتيجة المتوخاة ابتداء من صحة الخصومة؛ أي أن تكون مقدمة ضمن الأصول التي اشتراطها المشرّع، وأن تكون خالية من العيوب الشكلية؛ فأكثر ما يزعج القاضي هو رد الدعوى شكلاً لأنه يعرف تمام المعرفة بأن هذه الدعوى ستعود إليه بشكلها الصحيح بعد ضياع الجهد والوقت المبذول فيها.
من هنا انصب اهتمام البحوث الفقهية والاجتهادات القضائية على صحة الخصومة والتمثيل لاسيما تلك المتعلقة في الخصومة مع الدولة والجهات التي تتبع لها، إما لجهة الاسم الصحيح أو الشخص المسؤول عنها، مما استلزم البحث في الخصومة لتحديد القواعد والأسس التي تحكمها وبيان الاختلافات القائمة بهذا الصدد بين دعوى وأخرى، وأسباب الاختلاف ومآله ومدلولاته وآثاره.
فالدعوى التي ترفع من فاقد الأهلية أو عليه تؤدي إلى بطلان الخصومة برمتها باعتبار أنه يشترط لصحة الخصومة أن ترفع من ذي أهلية على ذي أهلية، وأن رفعها من فاقد الأهلية أوعليه يؤدي إلى عدم قبولها تأسيساً على أنه لا صفة له.
وكذلك لا تقبل الدعوى من محكوم عليه بعقوبة جنائية في كل ما يتعلق بحقوقه المدنية باستثناء الحقوق الملازمة لشخصه وفق المادة/50/ من قانون العقوبات، والأمثلة عديدة؛ التاجر الذي تم إشهار إفلاسه إلى أن تعاد إليه حقوقه وفقا للقانون، والمحجور عليه لجنون أو عته أو سفه, والقاصر الذي لم يبلغ سن الرشد.
ويجب رفع الدعوى ممن يمثل هؤلاء قانوناً. ولا تسمع الدعوى على ميت قبل إقامتها، ويتعين رد الدعوى شكلاً إذا أقيمت على ميت أو كان أحد المدعى عليهم ميتاً. ويعدّ الحكم الصادر في هذه الدعوى معدوماً.
وهذا كله يعرف بأهلية التقاضي.
أما الصفة وهي الشرط الثاني اللازم لمباشرة الدعوى ـ وهي مناط الدعوى ـ فإذا انتفت هذه الصفة ترد الدعوى. وعليه، يجب أن يتوافر في كل طرف من أطراف الدعوى الصفة التي تجيز له المخاصمة أو إبداء الدفوع فيها. فالصفة شرط أساسي لقبول الدعوى سواء بالنسبة للمدعي أو للمدعى عليه؛ فمدير التربية ليس له صفة بالمخاصمة لأن وزير التربية هو الممثل لوزارته ولجميع مديريات التربية أمام القضاء.
والشرط الثالث والأهم في صحة الخصومة هو المصلحة في الإدعاء أي أن يكون للمدعي مصلحة شخصية في مباشرة الدعوى وقد قيل (لا توجد دعوى حيث لا توجد مصلحة). ويشترط بالمصلحة شروط أهمها؛ أن تكون متعلقة بحق يقره القانون، وأن يكون لصاحب الدعوى حق مشروع لا يخالف النظام العام أو الآداب العامة، وأن تكون هذه المصلحة قائمة أو محتملة.
من هنا يمكن القول إن الصفة والمصلحة مفهومان مستقلان ومتلازمان، فلكل من الصفة والمصلحة كيانه الخاص؛ فالمصلحة تمثل الفائدة المرجوة التي يطمح إليها المدعي من دعواه بينما تمثل الصفة السلطة المعطاة لشخص للمقاضاة، وفي نفس الوقت هما متلازمين. والمدعي هو الذي يحدد خصومه في الدعوى فلا تتدخل المحكمة في ذلك، ولا تملك الحق في إجباره على اختصام من لا يرغب، ولا يجوز للمدعى عليه طلب مخاصمة أشخاص لا يريدهم المدعي، إلا أنه من غير الجائز للمدعي تصحيح الخصومة بعد إقامة الدعوى وتوجيهها إلى غير من وجهت إليه ابتداء؛ فإذا بدأت الخصومة معتلة فمن غير الجائز تصحيحها بطلب عارض، إلا أن المدعي يملك الحق في أن يُدخل في الدعوى إلى جانب المدعى عليه من كان يصح اختصامه فيها عند رفعها, أي لا يجوز تبديل شخص بآخر.
ورغم الأهمية البالغة لصحة الخصومة، فإن ذلك يجب أن لا يدفع القضاء إلى الاستغراق في الشكل واعتباره خطراً على العدالة ومحض إضرار بالحقوق؛ فالشكل من صنع القانون، وأنّ الأصل في التصرفات القانونية أنها لا تستوجب شروطاً شكلية. كما أن الأصل في الأشياء الإباحة والقيد هو الاستثناء، ويتعين الوقوف عند حكمة المشرّع بعدم جعل قواعد الشكل سيفاً مشرّعاً فوق عدالة الموضوع والتي عبر عنها في المادة /29/ من قانون أصول المحاكمات، بقوله: “يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء”، وهذا الموقف من المشرّع يتعين إعمال مفاعيله عند النظر في الدعوى قبل البحث في أسباب شكلية لتقرير الرد شكلاً. فالقضاء مؤسسة عدل وإنصاف يقوم على القسط والتطبيق السليم لروح التشريع ولا يقوم على الشكل.
اترك تعليقاً