الحق في حماية الصورة والصوت
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إن حماية المقومات المعنوية للفرد كالشرف والكرامة لا تقل إن لم تزد في الأهمية عن المقومات المادية له. لذلك استقرت القوانين في معظم الدول على كفالة احترام هذه الحقوق عن طريق رصد العديد من الحقوق التي لا يمكن حصرها في سبيل تحقيق هذه الغاية ومن ذلك مثلاً احترام الحق في الاسم، والحق في الخصوصية، والحق في الصورة، والحق في الصوت، والحق في حرمة المسكن، والحق في السرية، والحق في الشرف، والحق المعنوي للمؤلف… الخ.
فكل شخص له نطاقه الخاص، له حياته الخاصة, له منطقة من الخصوصية طبقاً لتعبير الفقيه الفرنسي “كاربونيه”. وهنا تنشأ الصعوبة في تحديد هذه المنطقة الخاصة, حيث أنّ المشرّع لم يعرّفها.
لذلك فإن مهمة رسم هذه الحدود تقع على عاتق القضاء ليحدد ما يعتبر من مقومات الكيان المعنوي للإنسان، وما لا يعتبر كذلك؛ أي يقع على القاضي التفرقة بين الحياة العامة للشخص والحياة الخاصة.
وهذه التفرقة تتطلب من القاضي تطويعها حسب ظروف كل حالة من الحالات التي تعرض عليه. وقد ثارت مشكلة بالكشف عن ثروة أحد الأشخاص ومصدرها وقضت محكمة النقض الفرنسية بأن هذه المعلومات لا تتعلق بالحياة الخاصة طالما أنها لم تكشف عن حياة وشخصية صاحب الشأن.
فالحق في الصورة، هو من الحقوق التي أقرها القضاء الفرنسي منذ زمن طويل. وعندما تدخل المشرّع الفرنسي لم ينص عليه صراحة وإنما نص على احترام الحياة الخاصة. وهذا هو حال المشرّع السوري حيث نص في المادة 52 من القانون المدني على احترام الحقوق الملازمة للشخصية دون تحديد ماهيتها وأنواعها وصفاتها. وفي التعديل الأخير للدستور السوري، نص في المادة 36 منه على أن: “للحياة الخاصة حرمة يحميها القانون”.
ومع ذلك فهناك إجماع في الفقه على اعتبار أن نشر الصورة دون إذن صاحبها أو موافقته يمكن أن يشكل خرقاً لسرية الحياة الخاصة. ومثال ذلك التقاط صور بكاميرا هاتف محمول أو فيديو أو غيرها من الوسائل التقنية الحديثة وإعادة نشرها.
وإن كان تحديد الأساس القانوني للحق في الصورة أكثر صعوبة منه في الحق في احترام الحياة الخاصة. ففي بعض الأحيان يشكل وجهاً من وجوه الحياة الخاصة في الحدود التي تكون الصورة مأخوذة في مكان خاص، أو تتعلق بأمور متصلة بالحياة الخاصة لشخص ما.
وفي حالات أخرى يستقل الحق في الصورة عن الحق في احترام الحياة الخاصة. وفي هذه الحدود يتجه الفقه إلى اعتباره حقا خاصا ومستقلا من حقوق الشخصية. وكل هذا لا يختلط بالحالات التي تتعلق باحتكار الاستغلال التجاري لصور بعض الأشخاص, كما هو الحال بالنسبة لنجوم السينما أو نجوم الرياضة أو المجتمع. إذ في هذه الحالة، يمكن الاعتراض على النشر غير المرخص به من جانب هؤلاء النجوم والذي يكون بعوض أو بدونه.
والحق في الصورة يغطي موضوعاً في منتهى الاتساع، فيدخل في نطاق هذا الحق الصور التي يعتبر أخذها أو نشرها اعتداء على الحياة الخاصة، مثل ذلك نشر صورة المطربة صباح وهي على فراش الموت، أو نشر صورة أخذت بغتة للممثلة وهي عارية… الخ. ويمكن أن يمتد نطاق حماية الحق في الصورة فيما وراء نطاق الحياة الخاصة ليشمل الصور التي تؤخذ في أماكن عامة أو في نطاق ممارسة مهنة معينة. كما أن هذه الحماية يكون لها ما يبررها أكثر عند إعادة طبع الصور لاستخدامها في أهداف غير شريفة.
أما الحق في احترام الصوت، فالقضاء الحديث في فرنسا أكد الحماية “للصوت” باعتباره أحد مقومات الشخصية. وهذه الحماية تتمثل في أن لكل شخص الحق في منع كل تقليد لصوته في الحالات التي يؤدي فيها ذلك إلى الخلط بين الأشخاص، أو يسبب له أي ضرر آخر. وهذا الأمر ما هو إلا تطبيقاً لقواعد المسؤولية المدنية القائمة على أن كل خطأ سبب ضرراً للغير، يُلزم مرتكبه بالتعويض. مع ذلك، فقد اعتبر القضاء الفرنسي أنه من قبيل الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة إذاعة صوت شخص مسجل أثناء مكالمة هاتفية أو أثناء تجربة خاصة. وهو يشترط في كل هذه الحالات أن يكون هناك ضررا, وأن لا يكون هناك تصريحا بذلك.
وقد كرّس المشرّع الفرنسي عقوبات جنائية للاعتداء على الحق في الصورة والصوت بالقانون رقم 17 لعام 1970 (م 386 عقوبات فرنسي بعد تعديلها). أما المشرّع السوري فقد عاقب في المادة 23 من المرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012 بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وبالغرامة من مئة ألف إلى خمسمئة ألف ليرة سورية، كل من نشر عن طريق الشبكة معلومات تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، ولو كانت تلك المعلومات صحيحة.
اترك تعليقاً